الجمعة، ٢٨ نوفمبر ٢٠٠٨

الوزير يواجه الغضب الشعبى بشعار «الموضوع ليس فى يدى وحدى»

سامح فهمى رجل الغاز الذى تحبه تل أبيب

اليوم السابع

كتب سعيد الشحات ونور على ومحمد طلبة

◄ضمان الوزير للعقود المبرمة يسقط الحديث عن عدم وجود علاقة للحكومة بالموضوع
◄خبراء: عقود الغاز فى العالم كلها علانية.. وسريتها فى مصر لغز غير مفهوم

«يمكن إلقاء الاتفاقية فى صندوق القمامة، فهى ضد الإدارة الشعبية، ولا أحد يريدها».الكلمات السابقة أطلقها السفير السابق إبراهيم يسرى، منسق حركة «لا لنكسة الغاز»، عقب حكم القضاء الإدارى بوقف تصدير الغاز إلى إسرائيل الأسبوع الماضى، يسرى الذى رفع القضية أمام القضاء اعتبر يوم حكم المحكمة «عيدا وطنيا» وانتقد الحكومة لأنها «تفتقد الذكاء لقيامها بالطعن على الحكم».

على موجة السفير إبراهيم يسرى، جاءت نتيجة استطلاع أجرته «اليوم السابع» على موقعها الإلكترونى، حول الحكم وأيده 90.25 % من القراء، ويرون أنه سيؤدى إلى دعم الاقتصاد المصرى، واعتبر 7.28 % وقف تصدير الغاز إلى إسرائيل سيغلق منفذ تصدير، وبالتالى سيؤثر سلبا على الاقتصاد، فى حين أبدى 2.52 % عدم اهتمامهم بالأمر، ومن عينة تعليقات القراء على الموقع حول القضية، قال القارئ محمد محمود البارة: «الله أكبر، يارب يتم تفعيل الحكم، وياريت ترجع كل ثروات مصر المنهوبة من الداخل أو الخارج» وقال القارئ أيمن بكر: «ثروات مصر لكل الشعب، وأى مماطلة أو التفاف حول قرار المحكمة خطأ، ولا يصح لكل من على أرض مصر أن يلتف حول هذا القرار».

وتساءل القارئ عزالدين الهوارى: «القضاء الإدارى يرد كرامة المصريين ويحمى اقتصاد الوطن»، وذهب القارئ إبراهيم جمعة إلى ما هو أبعد من ذلك متسائلا: «هل وزير البترول الذى وقع هذه الاتفاقية من البداية «مصرى»، وهل رئيس الوزراء الذى أمره بذلك «مصرى»؟

نحن إذن أمام «مظاهرة»، تختلف وسائل تعبيرها، تؤيد حكم القضاء الإدارى، وتدين الأطراف التى لعبت دورا فى هذه القضية، وعلى رأسها وزير البترول سامح فهمى.. فماذا عن دوره فى ذلك؟ وهل يمكن اختصار القضية كلها فى شخصه من خلال موقعه التنفيذى؟، وكيف سيتعامل مجلس الشعب مع القضية ولبعض نوابه والمستقلين والمعارضين الفضل فى إثارتها شعبيا؟

فكل الأسئلة السابقة فيما يتعلق تحديدا بسامح فهمى تبدأ من إطلالة سريعة على ما احتواه حكم القضاء الإدارى، فهو يتضمن ثلاث نقاط هى:
◄ فوض وزير البترول كلاً من رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية، ورئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للبترول فى إنهاء إجراءات التعاقد كطرف بائع للغاز الطبيعى مع شركة البحر الأبيض المتوسط، وكطرف ثالث مضامن لكميات الغاز الطبيعى، ومواصفاته ومدة التوريد فى عقود شركة شرق البحر الأبيض المتوسط للغاز لتصدير الغاز الطبيعى من خلال خط أنابيب مع الشركات الواقعة فى منطقة البحر المتوسط وأوروبا بما فيها شركة كهرباء إسرائيل.

◄ فوض وزير البترول كلاً من الهيئة المصرية العامة للبترول، والشركة القابضة للغازات الطبيعية فى العمل بموجبه دون عرض هذا الالتزام المرتبط باستغلال أحد أهم موارد الثروة الطبيعية فى البلاد على مجلس الشعب، الأمر الذى يعد افتئاتا على اختصاص مجلس الشعب، وسلطته المقررة دستوريا فى هذه الحالة.

◄ المحكمة أبدت تعجبها من السرية والتكتم الشديد الذى فرضته الإدارة حول صفقة بيع الغاز وحجب تفاصيلها عن الشعب ونوابه.

◄ كل نقطة من النقاط السابقة تتوجه فى انتقادها إلى وزير البترول كسلطة إدارية يتبعها الغاز الطبيعى، وهى انتقادات تصل إلى حد الاتهامات لا يقلل منها ما يردده البعض فى خلفية هذا المشهد بأن الأمر مادام فيه إسرائيل فهو يخضع لتوجيهات سيادية، وبالتالى فإن الأمر أكبر من وزير البترول، ويضع النائب المستقل سعد عبود يده على هذه النقطة تحديدا فى مذكرة رفعها إلى الدكتور فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب، بعد صدور حكم القضاء الإدارى بيومين، قال فيها إنه يرفع مذكرته كمواطن قبل أن يكون نائباً، وأضاف: وزير البترول خالف المادتين 123 و156 من الدستور، وتنصان على حماية موارد الدولة الطبيعية، التى هى ملكا للأجيال القادمة، وأن القانون وليس القرار هو الذى يحدد قواعد منح استغلال موارد الثروة الطبيعية والمرافق العامة، وأكد عبود أن صدور قرار من وزير البترول دون عرضه على مجلس الشعب هو اعتداء على اختصاص مجلس الشعب وسلطته المقررة دستوريا، وقال عبود إن وزير البترول كان طرفاً ضامناً ثالثاً فى العقود الموقعة من خلال مد خط الأنابيب لشركة البحر المتوسط لتصدير الغاز لأوروبا وإسرائيل، وأضاف: إن هذا الاعتداء على السلطة التشريعية صادر من أحد أعضاء السلطة التنفيذية، ويمثل تغولا منها ضد السلطة التشريعية، خاصة أن المسئولية بين أعضاء الحكومة تضامنية، عبود الذى كان ضمن «المترافعين» فى القضية أمام القضاء بوصفه محاميا، طلب فى مذكرته إلى سرور أن يرعى الرئيس مبارك الحدود بين السلطات لضمان تأدية دورها، وقال: «الغاز سلعة ساخنة مطلوبة فى كل أسواق العالم، وليست مثل البطاطس أو الطماطم، مشيرا إلى أنه يتم تبديد أموال الغاز على البذخ الحكومى».

اتهام عبود لسامح فهمى بالاعتداء على السلطة التشريعية يؤيده النائب «الإخوانى» حسين إبراهيم، ويزيد عليه بأنه تقدم بمشروع قانون فى نهاية الدورة الماضية لم تتم مناقشته، وقام بتجديده فى الدورة الحالية، وينص على عرض عقود تصدير الغاز على مجلس الشعب، ويجب أن يوافق المجلس عليها قبل تنفيذها مع إعطاء فترة انتقالية مدتها 6 أشهر لتوفيق الأوضاع، بحيث تتم إعادة عرض الاتفاقيات التى لم تعرض على المجلس لينظرها ويناقشها، ويعدل فيها ليوافق عليها أو يرفضها.

التفصيلات السابقة بما فيها الجهات المصدرة للغاز إلى إسرائيل تنفى أو بالأدق تكذب ما أعلنته الحكومة من قبل بأن عملية تصدير الغاز إلى إسرائيل ليست طرفا فيها، لأنها تتم بين شركات قطاع خاص، وهو الرأى الذى أعلنه مفيد شهاب، وزير الشئون القانونية، وبمساعدة سامح فهمى فى جلسة لمجلس الشعب فى شهر مارس الماضى، حين فاجأ نائب البرلمان عن حزب الكرامة حمدين صباحى مجلس الشعب بسؤال عن حقيقة تصدير الغاز إلى إسرائيل بأسعار رخيصة، كان الرد وقتها أشبه بالكوميديا، والردود عليه من النواب كانت كذلك، فالنائب محمد عبدالعليم داود علق متسائلا: «هل أستطيع أن أفصل دائرتى «مطوبس» عن مصر، وأعلن استقلالها، وأقوم بتوقيع اتفاقيات مع إسرائيل!»، ولم يكن سؤال داود «الساخر» هو وحده محطة الكوميديا ضد ما قاله شهاب بمساعدة فهمى، فالنائب علاء عبدالمنعم قال: «رد الحكومة لا يليق أن تقوله فى مقهى بلدى»، وبعد أن طلب الدكتور أحمد فتحى سرور رئيس المجلس حذف سخرية علاء عبدالمنعم، أكمل: «ولا فى غرزة».

الجد بالهزل كان إذن سيد الموقف، لكن من وقتها خرجت فضيحة الحكومة من السر إلى العلن، وضرب الناس بكل فئاتهم أخماسا فى أسداس، وتساءلوا: كيف للحكومة أن تبيع الغاز لإسرائيل بـ1.25 دولار للمليون وحدة بريطانية، فى حين أن تكلفة استخراجه تصل إلى 2.65 دولار للوحدة، ليس هذا فحسب بل إنه حسب تقرير «الاتجاهات الاقتصادية والاستراتيجية»، الصادر عن مؤسسة الأهرام فى العام الجارى كان سعر الغاز وقت توقيع الاتفاق فى يونيو 2005، 6.2 دولار للمليون وحدة فى سوق لندن، بينما تبلغ الأسعار الآجلة للشحنات التى كانت ستسلم فى يناير 2006 نحو 13 دولاراً، والفضيحة تتجلى أكثر فى أن هذا الاتفاق مدته 15 عاما، أى أننا ببساطة نستخرج مواردنا الطبيعية، ونكافئ بها إسرائيل، وندعم بها مواطنيها حتى يأكلوا ويشبعوا ويتفرغوا لمواصلة عمليات القتل والنهب والتدمير والاحتلال فى فلسطين، وكيف لسامح فهمى وطاقمه، وحكومته أن يقدموا على مثل هذا الفعل؟ وهل كان كل ذلك سببا فعليا لإضفاء السرية على الصفقة؟ وإذا كانت مسئولية ما وقع تدخل فى حيز سامح فهمى، فأين مسئولية المجلس الأعلى للطاقة؟

«الفنى» يختلط بـ«السياسى» فى الإجابة عن الأسئلة السابقة، ويقترب منهما ماهر السكرى، مدير معهد بحوث البترول «سابقا» بقوله: الوضع فى وزارة البترول بالنسبة للعقود يتسم بالسرية والتكتم، وحسين سالم وبحكم علاقته الوثيقة برجال فى السلطة حصل على صفقة بيع الغاز لإسرائيل من «تحت الترابيزة»، السكرى أضاف: وزارة البترول مشاركة فى الصفقة لأنها هى التى تمد الشركة المصرية بالغاز الذى يقوم بدوره بالتصدير إلى إسرائيل، أما فيما يتعلق بالمجلس الأعلى للطاقة فيقول السكرى: «وزير البترول هو أحد الوزراء الذين يقعون تحت سلطتها، فيما يعنى مسئولية المجلس المباشرة عن توقيع تلك العقود لأنها أعلى من سلطة الوزير».

ماذا عن سرية العقود؟ هل هى واجبة؟
يرد ماهر السكرى: طبيعة عقود الغاز فى العالم معلنة، وليست سرية وتتميز بالوضوح والشفافية ويستطيع المواطن الاطلاع على جميع بنودها.

بتوضيح أكثر يجيب مجدى صبحى، الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام: «كل عقود الغاز فى دول العالم تتميز بالوضوح والشفافية، وعلى الأقل كمية الغاز والسعر، وأكبر مثال على ذلك عقد روسيا وأوكرانيا الذى تعرض للكثير من النقاش لتعديله، وكانت بنوده قبل التعديل وبعده معروفة للجميع ولا تتسم بالسرية التى تميزت بها عقود الغاز المصرى مع إسرائيل»، صبحى يعود بنا إلى قانونية مسئولية الدولة فى القضية قائلا: «الشركة التى تقوم بتصدير الغاز لإسرائيل هى المسئولة عن الحكم القضائى الصادر مؤخرا، لكن الدولة مسئولة أيضا لأن الغاز المصدر هو غاز الدولة التى تمد الشركة به، والتى تنقله بدورها إلى إسرائيل»، وعن المجلس الأعلى للطاقة ووزير البترول، قال صبحى: «من الناحية القانونية البحتة هما غير مسئولين، وأى مشكلة مع إسرائيل لوقف العقد ستكون الشركة المصدرة هى الطرف وليس المجلس أو الوزير، ولكن بصورة غير مباشرة، يبقى أن مجلس الطاقة الذى يضم الوزير له سلطة عليا لأنه وافق على إمداد الشركة بالغاز».

بعد كل ما سبق، هل يمكن القول إن القضية أصبحت سياسية أكثر من اللازم؟ وإن عملية التقاضى أمام المحاكم بشأنها هى بمثابة الخروج من هذا «الفخ السياسى الملغم؟».
طرح السؤال يأتى بعد أن قال لنا مصدر فى وزارة البترول تحفظ على ذكر اسمه: «إن القضية أصبحت مسيسة أكثر من اللازم، بمعنى أن أى تصريح من الوزارة يتناوله البعض بما يتناسب مع توجهه وتوجه صحيفته»، وبالتالى، كما يقول المصدر: «رمينا الكرة فى ملعب مجلس الوزراء الذى عليه مخاطبة الرأى العام فى هذا الأمر»، وعن رأى الوزارة، قال: «الموضوع ليس بيدها وحدها».

فى يد مَنْ إذن الموضوع؟
سؤال تبدو الإجابة عنه كطلاسم الحياة السياسية والاقتصادية فى مصر، لكن احترام تنفيذ أحكام القضاء قد يكون لبنة فى إغلاق هذا اللغز بـ«الضبة والمفتاح»، مادام هناك إصرار على ألا نفهم هذا المشهد، ويبقى فيه أن نذكر جانباً من عيوبه القاتلة ومنها:
◄ ثبات سعر بيع الغاز لإسرائيل لمدة من 15 إلى 20 عاما.
◄تدنى السعر المتفق عليه.
◄ إعطاء الجانب «الإسرائيلى» حرية التصرف بالبيع لطرف أو أطراف أخرى، حسب ما يتراءى له من سعر، أى يمكن أن تبيع إسرائيل الغاز المصرى لآخرين بسعر أكبر.
◄ ضمان هيئة البترول المصرية بأنه فى حالة عدم كفاية الغاز تلبية الاحتياجات الإسرائيلية، أن تشترى الغاز من الشركاء الأجانب لتقوم بتوريده إلى إسرائيل، أى سيكون ذلك بالسعر العالمئ.
ما الذى يمكن قوله بعد ذلك؟

ليست هناك تعليقات: