السبت، ٢١ يونيو ٢٠٠٨

الحرام الدينى.. والحرام الوطني


المصرى اليوم


بقلم خالد صلاح

مع كل الاحترام، لا ينبغي لهذه الفتاوي أن يكون لها مكان بيننا حتي لو كانت في خدمة المصلحة الوطنية العامة، وأقصد هنا ما قالته السيدة الفاضلة الداعية الإسلامية عبلة الكحلاوي، والأستاذ القدير إكرام لمعي، رئيس مجلس الإعلام والنشر بالكنيسة الإنجيلية، حول تحريم تصدير الغاز إلي إسرائيل..

كلاهما تحمس في تقرير لافت نشرته «المصري اليوم» الأربعاء الماضي، وقرر أن بيع هذا المنتج الوطني لصالح الدولة العبرية هو عين الحرام، وكلاهما رغم الانتماءات العقائدية المختلفة، أجمع علي هذا الحرام الديني، واعتبر ذلك من المسلمات التي تحرض عليها السماء، ويرضي عنها الله لعباده المؤمنين .

لا يسعني إلا أن أشكرهما علي هذه المشاعر النبيلة، وعلي هذا الجهد الساعي إلي حماية ثروة مصر من الغاز الطبيعي، ولكنني لا أستطيع أن أقبل بجواز هذا الخلط بين الدين (إسلاماً ومسيحية) وبين قرارات تصدير الغاز الطبيعي، حتي وإن اتفقت مع غضب السادة رجال الدين ضد تصدير الطاقة إلي إسرائيل.. لا أري سببا في إقحام القس والداعية تعاليم السماء بعليائها ومجدها وسموها عن الصغائر في هذه القضية الاقتصادية (الأرضية).

مخيف هذا التوجه نحو إسباغ صفتي ( الحلال والحرام ) علي قرارات سياسية أو اقتصادية تنتمي إلي الواقع بأرضيته ودونيته، ولا شأن لها بالسماء في كبريائها اللامتناهي..

مخيف أن نبايع الداعية والقس علي هذه الفتوي التي تتفق مع مطالبنا الوطنية، لنكون بذلك قد استدرنا لنطعن مسيرة المدنية في مقتل.. فماذا لو خرج علينا اليوم شيخ آخر موالٍ للسلطة، أو قس آخر من أنصار التوازن ليقول إن تصدير الغاز لإسرائيل (حلال)؟!

لتنتقل القضية بكاملها من خانة الحوار الوطني، إلي ميدان التراشق بالفتاوي، ويتبدل المنطق من الحفاظ علي مصلحة مصر وعلي ثرواتها الطبيعية، إلي الحفاظ علي تعاليم القرآن أو الإنجيل، فيما لا نعرف نحن آية في الإنجيل تخص الغاز الطبيعي، أو آية في القرآن تحرم التصدير إلي إسرائيل .

الدعاة والقساوسة، جزاهم الله خيرا، أرادوا أن تكون لهم مشاركاتهم في هذا النضال ضد تصدير الطاقة إلي تل أبيب، وهذا أمر حسن، ولكن الأمر السيئ أن تكون مواقفهم تلك مؤسسة علي الحرام والحلال بالمنطق الديني لا بالمنطق الوطني، فالله قد يسامح عباده إن ارتكبوا حراما يخالف تعاليمه ومقدساته،

ولكن الأوطان لا تسامح أبدا من يرتكبون حراما يتعارض مع مصالحها الوطنية، ومن هنا أظن أن الحوار حول تصدير الغاز إلي إسرائيل، يجب أن يبقي في دائرة (الحرام الوطني)، لا (الحرام الديني)، حتي لا ندخل في دوامات الفتاوي ومبارزات رجال الدين .

تصدير الغاز إلي إسرائيل (حرام مصريا وحرام شعبيا)، وهذا أمر لا يمكن أن يختلف عليه أحد، ويجب أن يبقي هذا الحرام (وطنيا)، بعيدا عن دائرة الفتاوي، فهناك من جرّنا إلي الحروب باسم الفتاوي، وهناك من جرّنا إلي السلام باسم الفتاوي أيضا.. فلا تدفعوا بالدين إلي غير ميدانه، وتأكدوا أن ما هو حرام للأوطان سيكون حراما للأديان بالضرورة .

إلي إكرام لمعي وعبلة الكحلاوي أقول: لا تتحدثوا باسم الله حين تريدون التعبير عن أنفسكم، وقولوا كلمتكم علي اسم الوطن، ولا ترهقوا مصر بمعركة جديدة من فتاوي التحريم، في حين أن شعب مصر يحرم تصدير الغاز (وطنيا) حتي من قبل أن يسمع كلماتكم الدينية المقدسة.

مع محبتي.

ليست هناك تعليقات: