الأحد، ٢٨ فبراير ٢٠١٠

الحكومة تصدر الغاز لتصريف الفائض منه وتستورده لتغطية احتياجات المصانع المحلية

الشروق

ميريت مجدي

"قرار تصدير الغاز المصري لإسرائيل لسنة 2004 تجاهل احتياجات السوق المصرية والنواحي الاقتصادية للغاز"، كانت هذه واحدة من الجمل التي نطقها القاضي أثناء عرضه لحيثيات حكم المحكمة الإدارية العليا، أمس الأول، باستمرار تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل، مع إلزام وزارة البترول بإيجاد آلية للمراجعة الدورية لأسعار وكميات الغاز المصدرة، لتتناسب مع احتياجات الشعب المصري.

وكان محمود لطيف، رئيس الشركة القابضة للغازات، قد برر تصدير الغاز المصري، لإسرائيل وغيرها من الدول، بأنه "كان من الضروري إيجاد منافذ لتسويق الكميات الإضافية من الغاز، بعد أن تمت تلبية جميع احتياجات قطاعات الدولة المختلفة من الغاز الطبيعي، وعلى رأسها قطاعي الكهرباء والصناعة، اللذان يستأثران بأكثر من 90% من إجمالي الكميات المستهلكة محلياً"، بحسب تعبيره، في بيان أرسلته الوزارة، منذ ثلاثة أسابيع.

إلا أن مطالبة وزارة التجارة والصناعة لوزارة البترول، منذ أسبوعين، بمنح الشركات المنتظر حصولها على رخص جديدة للأسمنت حق استيراد الغاز من الخارج دون القيود، تجيء لتكشف النقاب عن عشرات المصانع التي طالما طالبت الشركة القابضة للغازات بإمدادها بالغاز، ولكن كان الرد دائماً "مفيش توصيل غاز قبل 2011"، تبعاً لعمرو حمودة، خبير نفطي ورئيس مركز الفسطاط للدراسات.

وأشار حمودة إلى أن مطالبة وزارة التجارة والصناعة جاءت بعد يوم من تصريح وزير البترول، سامح فهمي، بأنه "لا داعي من إنشاء مصانع أسمنت جديدة، التي يمكن أن يُستعاض عنها باستيراد أسمنت مباشرة من الخارج". مما دفع رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة، إلى الرد، في اليوم التالي، بأن "هذه المصانع تمثل استثمارات جديدة وتشغيل للطاقات البشرية العاطلة، وسيكون من الأيسر أن نستورد الطاقة اللازمة لها من الخارج"، أضاف حمودة.

وفي هذا السياق، أشار إبراهيم زهران، خبير نفطي ورئيس شركة خالدة للبترول سابقاً، بأن هيئة التنمية الصناعية كانت قد تقدمت بطلب إلى وزارة البترول، خلال العام الماضي، للحصول على موافقتها بتوصيل الغاز إلى 30 مصنعاً حصلوا على رخص إنتاج الأسمنت، إلا أنه لم يتم الموافقة إلا على عشرة فقط، وبشرط ألا يتم توصيل الغاز إليهم قبل عام 2011. ولم يتسن الوصول إلى مسئول في هيئة التنمية الصناعية أو وزارة التجارة والصناعة للحصول على تعليق حول هذا الموضوع.

ولم تتوقف هذه المشكلة عند مصانع الأسمنت فقط، فقد طالت غيرها، حيث يذكر حمودة أن هناك مصنع للفرومانجانيز في سيناء توقف عدة مرات ولمدة أشهر متعددة خلال العام الماضي، بسبب عدم توريد الغاز إليه، ونتيجة لذلك فقد تكبد المصنع خسائر قٌدرت بنحو 5 مليون جنيه عن كل شهر توقف.


قطاع الكهرباء أيضاً يعاني..

يبدو أن معاناة الشركة القابضة للكهرباء هي الأكبر، والتي طالبت وزارة البترول أكثر من مرة بزيادة كمية الغاز المورد إليها، لتلبية احتياجاتها من الطاقة. وفي هذا السياق، ذكر مصدر مطلع، للشروق، طلب عدم نشر اسمه، أن لجنة الطاقة والصناعة في مجلس الشعب، التي انعقدت الشهر الماضي، عرضت احتياجات وزارة الكهرباء من الطاقة خلال العامين المقبلين لتلبية خطط التنمية، إلا أن الأصوات تعالت داخل اللجنة، واستقر الرأي على أن تستورد الوزارة غاز من العراق، لتلبية احتياجات التنمية، وأيد سامح فهمي هذا الرأي وقال "لقد حان الوقت لنستورد غاز من الخارج، لتلبية الاحتياجات المتزايدة من القطاعات المختلفة".

كما ذكر مصدر آخر، طلب أيضاً عدم الكشف عن هويته، أن وزير الكهرباء، حسن يونس، طلب من وزير البترول، منذ ستة شهور، زيادة كميات الغاز التي يتم توريدها لشركة الكهرباء، مشيراً إلى أن الشركة لجأت إلى الاعتماد على المازوت بشكل أكبر لتلبية احتياجاتها من الوقود، نتيجة لعدم كفاية الغاز، إلا أن فهمي رد وقتها بأنه "لا يوجد غاز يكفي". وأضاف المصدر أن أحمد نظيف، رئيس الوزراء، قام بعقد اجتماع بين الوزيرين بعدها للتوصل إلى حل، ولكن لم يتم معرفة نتائج هذا الاجتماع حتى اللحظة الحالية، تبعاً للمصدر.

ويؤكد حمودة هذه البيانات، مضيفاً أنه خلال السنوات الأخيرة كان هناك مطالبات عديدة من قطاع الكهرباء إلى البترول بتوريد الغاز إلى محطات الكهرباء، ولكن كان قطاع البترول يرد بأنه "لا يوجد غاز ولكن يوجد مازوت"، وهي الإجابة التي تكررت في مواقف متعددة، تبعاً لحمودة. والذي أشار إلى أن "قطاع الكهرباء شعر بضيق شديد من هذه المسألة، لأن سعر وحدة المازوت المساوية لوحدة من الغاز أكثر 5 أضعاف".

وعندما حاولت الشروق الاتصال بأكثم أبو العلا، المسئول الإعلامي في وزارة الكهرباء، للحصول على رد، فإنه رفض التعليق، واكتفي بقوله "اسألوا وزارة البترول"، بحسب تعبيره. وبحسب التقرير السنوي للشركة القابضة للكهرباء للعام الماضي، فإن الشركة اعتمدت على المازوت في تلبية 25% من احتياجاتها من الوقود، وذلك لعدم وجود غاز يكفي احتياجاتها. وفي هذا السياق، أشار زهران إلى أنه حتى عام 2004 كان قطاع الكهرباء يعتمد على الغاز بنسبة 100% لتلبية احتياجاته من الطاقة، إلا أن بداية من عام 2005، عندما وقعت الحكومة على عقود تصدير الغاز إلى إسرائيل، فقد زاد اعتمار الكهرباء على المازوت بدلاً من الغاز تدريجياً.

وتبعاً لبيانات شركة الكهرباء، فإنها استهلكت 1 مليون طن من المازوت في العام المالي 2004-2005، وقد ارتفع هذا الرقم إلى 4 مليون في 2005-2006، ثم إلى 4.2 مليون في العام المالي اللاحق، وأخيراً إلى 4.5 مليون طن في 2007-2008.

ويؤكد السفير إبراهيم يسري، منسق حملة "لا لنكسة الغاز" ومقيم الدعوى في قضية تصدير الغاز، هذه المعلومات، مضيفاً أنه يجب أيضاً الآخذ في الاعتبار أنه "في حين أن الغاز صديق للبيئة، فإن المازوت مُعادي لها، وبالتالي فإن الإكثار من الاعتماد على المازوت له أضرار بيئية بالغة".

ومن ناحية ذكر حمودة أن هيئة الكهرباء كانت قد أرسلت خطاباً رسمياً لوزارة البترول، في نهاية 2009، تطالب فيه بوقف بيع الغاز إلى الأردن، حيث إن "هذا الأمر يُسبب خسائر بالغة لقطاع الكهرباء، نتيجة تفضيل الأردن شراء غاز رخيص من مصر واستخدامه في توليد الكهرباء بها، بدلاً من شراء كهرباء مباشرة عبر الشركة القابضة للكهرباء. وكانت مصر قد وقعت اتفاقية مع إسرائيل في مايو 2005، تلتزم مصر من خلالها بتصدير 1.7 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز إلى إسرائيل عن طريق شركة وسيطة، وهي شركة غاز شرق المتوسطEMG ، لمدة تتراوح ما بين 15-20 عاماً، وبسعر ثابت طوال فترة التوريد، يبلغ 1.25 دولاراً للمليون وحدة حرارية بريطانية، مقابل 12 دولاراً السعر الحالي عالمياً، الأمر الذي اعتبره الخبراء استنزافا وإهدارا للثروة القومية من الغاز.


وبالتوازي مع هذه الاتفاقية فإن الحكومة وقعت ثلاثة عقود جديدة، في أكتوبر الماضي، لتصدير كميات إضافية من الغاز المصري إلى إسرائيل، بسعر 3 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية، ولمدة 18 سنة من تاريخ الاتفاق. لتصل بذلك إجمالي قيمة الثلاث صفقات إلى 1.3 مليار دولار، والتي ستغذي ثلاث محطات لتوليد الكهرباء في مدينة أشدود الصناعية، ورمات حوفيف في شمال صحراء النقب.

ليست هناك تعليقات: