الاثنين، ٢٣ فبراير ٢٠٠٩

إبراهيم يســـري يرد على الكاتب الحكومي مكرم و لوبي البترول الفاسد حول حقيقة إهدار الثروة الوطنية

جبهة انقاذ مصر

لا بد أن أقول في البداية إنني واحد من القراء الدائمين للأستاذ الكبير مكرم محمد أحمــــــــد ، و هو أحد فرسان الصحافة المصرية لعدة عقود ، وقد ترك في كتاباته و تحليلاته المتعمقة في الصحف القومية بصمات واضحة تثري الصحافة و ترسم الطريق أمام شباب الصحفيين الجدد ، كما أنه يتحمل- فضلا عن ذلك مسئولية كبيرة باعتباره نقيبا للصحفيين و أمينا علي السلطة الرابعة في الدولة .
وأرجو أن أعبر لكاتبنا الكبير عن شيء كبير من الامتنان ، لأنه اهتم بموضوع تصدير الغاز لإسرائيل ، و إذ اسمح لنفسي بموجب حق الرد أن أعقب – ضمن الجانب القانوني التي أتحمل مع زملاء من كبار المحامين الوطنيين مسئوليتها أمام القضاء - علي مقاله المنشور بجريدة الأهرام يوم 21 فبراير 2009 ، كما أكرر امتناني لأنه نجح بحكم اتصالاته الوثيقة بلوبي البترول في الحصول علي معلومات قيمة تنشر لأول مرة مما يساعد في تبديد ظلام السرية الكثيفة التي أضفتها وزارة البترول علي كل ما يتعلق بهذه الصفقة ،لأسباب ما زالت غامضة تثير الكثير من التساؤلات. و نرجو أن يكون ذلك فاتحة لسياسة جديدة تتناول فيها وزارة البترول هذا الموضوع بشفافية كاملة تبين للشعب كيف يتم إدارة ثرواته الطبيعية ، بدلا أن تنكر علي الشعب و نواب الشعب حق معرفة تفاصيل الصفقة التي سجلناها أمام قضاء مصر الشامخ و حصلنا منه علي حكم تاريخي سينضم لغيره من أهم إنجازات قضاء مجلس الدولة منذ قيامه .
و أحب أن اكرر هنا ما أكدت عليه في وثائق الدعوى من أننا لا نقوم بالتشكيك في نزاهة أو وطنية رجال البترول ، وإننا نختصم قرار إبرام الصفقة دون التعرض للأشخاص بصفتهم .
و من واجبي أن أشيد بما ذكره أستاذنا الكبير - من واقــــع اتصالاته الوثيقة برجال البترول - من حقائق لم تعلن من قبل ، و أخص بالذكر النقاط الإيجابية التالية :
• أن عقد توريد الغاز المصري إلي إسرائيل لا ينطوي علي أي نوع من الإذعان يكبل إرادة الجانب المصري، وهو الاعتقاد السائد المتولد عن عدم الشفافية و عن وضع خطوط حمراء حول تناول الموضوع في البرلمان ووسائل الإعلام. و هذا يزيل من الأذهان ما رسخ لدي البعض من أن هذه الصفقة مفروضة علينا بإرادة إسرائيلية ولا نستطيع الفكاك منها .
- أن عقد تصير الغاز يكفل لمصر حق إعادة التفاوض حول بنود الأسعار متي ثبت أن الاتفاق أصبح غير متوازن بسبب المتغيرات المفاجئة التي طرأت علي أسعار الغاز ، و لا تحميه نصوص خفية في اتفاقية السلام ، و لا تحصنه أعمال السيادة من رقابة القضاء ,وهو كل مرادنا من طرح دعوانا علي القضاء بعد ما شهدناه من امتناع يسوده الغموض من رجال البترول عن بحث ضرورة إعادة النظر في الصفقة .
• انه قد كيف الصفقة بأنها قد تمت بموجب عقد تجاري مصري مع إسرائيل, شأنه شأن كل عقود تصدير الغاز الطويلة الأمد ، و ليس باتفاقية او عمل من أعمال السيادة ، كما ذهبت وزارة البترول ، و أصرت علي ذلك في كل وقائع دفاعها عن الصفقة ، بل و قولت المدعي ما لم يقله من أنه يطعن في اتفاقية السلام التي تستخدم كفزاعة هذه الأيام ، وهو ما لم يرد له ذكر في أوراق الدعوى ، و علي كل حال فما زال الأمر محل نظر القضاء في الطعن غير المبرر علي الحكم التاريخي الصادر لمصلحة الشعب

- أن هناك مفاوضات غير معلنة ( ل أدري لماذا ) تجري بين الجانبين المصري والإسرائيلي حول تحديد سعر جديد للغاز يوافق المتغيرات التي طرأت علي الأسعار العالمية و أنها قد قاربت علي الانتهاء, وأن السعر الجديد لن يقل عن السعر الذي تم الاتفاق عليه أخيرا مع الأسبان. و انه في إطار هذه السياسات الجديدة تعيد مصر التفاوض مع الجانب الإسرائيلي حول أسعار تصدير الغاز بحيث تواكب الأسعار العالمية التي تجاوزت في بعض العقود العالمية 7 دولارات لكل مليون وحدة حرارية . أضيف هنا ما أكده الخبراء من أن أسعار الغاز تصل أحيانا إلي 16 دولارا للمليون وحدة حرارية ، بينما نبيع هذه الوحدة بدولار و ربع فقط ، و هي تضحية ضخمة يصعب تبريرها لصالح الدولة العبرية .والأمل أن تتم هذه المفاوضات في وضح النهار و تحت رقابة البرلمان و موافقة رئيس الجمهورية.


و علي قدر هذه الإيجابيات الهامة فليسمح لي كاتبنا الكبير أن اختلف معه – علي قدر علمي – في عدد من المقولات التي تقلها عن وزارة البترول و التي تعتبر ترديدا لآرائها و تعزيزا لدفاعها عن الصفقة :
يقول كاتبنا الكبير أن العقد المصري لتوريد الغاز مع إسرائيل هو جزء من اتفاقيات كامب ديفيد ، إذ لا صحة لهذا الاستنتاج من حيث الواقع حيث أننا لم نكتشف الغاز عند توقيع اتفاقية السلام ( و ليس إطار السلام ) في كامب ديفيد ، كما أنه لا يوجد أساس من القانون الدولي ، حيث تقع باطلا بطلانا مطلقا أي قيود تضعها اتفاقيات السلام علي حرية الدولة في التصرف في ثروات شعبها ، و إلا توفر الإذعان و الخضوع لإرادة إسرائيل الذي يسرنا أن تفضل سيادته فنفاه عندما قال :يسعى البعض (لغرض في نفس يعقوب وهي إشارة غير مفهومة) إلي تصوير مصر وكأنها الطرف الأضعف في علاقة تملك فيها إسرائيل شرط الأسد كما يقولون.
وحول ما نفاه من وجود سوق عالمية للغاز الطبيعي تفرض سعرا واحدا محددا مثلما هو الحال بالنسبة للبترول ، أشير إلي أن تسعير الغاز يتم بواسطة بيوت دولية منذ عام 1934 كما أفاد الخبراء ، و أن ذلك إن صح فلا يمنع رجال البترول من الإصرار علي الحصول علي أعلي الأسعار السائدة ، و أنبه إلي أنه تم إنشاء نادي للدول المصدرة للغاز في الدوحة وأن بوتين رئيس وزراء روسيا والتي تملك أكبر احتياطي للغاز في العالم، قال: لقد انتهي عقد الغاز الرخيص ، كما أنه ضرب عرض الحائط بالأسعار التي سبق الاتفاق عليها لأوروبا الغربية و حصل علي زيادات متوالية بعد الضغط عليها بإغلاق أنابيب الغاز ، وهو أسلوب ينبغي أن تضعه الدول المصدرة للغاز .
ردد سيادته ما قالت به وزارة البترول من أن العناية الإلهية شاءت رحمة بمصر أن ترتفع احتياطاته علي نحو متزايد وصل الآن إلي ما يقرب من 72 تريليون قدم مكعبة ، وهو الرقم الذي يرجوه و يداعب خيال كل مصري حتى ولو نقص عن ما صرح به وزير البترول من أن احتياطي الغاز وصل إلي 120 تريليون قدم مكعب وهو تقدير مبالغ فيه ، غير أنه في المقابل فإن بيوت الخبرة العالمية في آخر تقاريرها لعام 2008 قد تحدثت عن احتياطي غاز مصري مؤكد يراوح 27 تريليون إلي 30 تريليون قدم مكعب ، و ما زال الجدل مفتوحا بين الاتجاهين .
أن القول بأن عائدات الغاز من النقد الأجنبي مولت استيراد احتياجات السوق المصرية من البوتاجاز والسولار اللذين يتم استيرادهما من الخارج ، وتشغيل معظم محطات توليد الكهرباء وجميع مصانع الأسمدة, ونسبة عالية من مصانع الأسمنت بالغاز بدلا من البترول. يتعارض مع ما نشر عن ديون وزارة البترول للشريك الأجنبي مما دفع بعض الشركات للتوقف عن العمل ، و ما أشارت إليه الصحف ( المصري اليوم ) من تصاعد الأزمة بين الكهرباء و البترول بسبب حصص الغاز الطبيعي و المازوت و إصرار الكهرباء علي استخدام الغاز بدلا من المازوت في حين ترفض وزارة البترول ذلك بسبب التزاماتها الموسعة بالتصدير قبل الاكتفاء المحلي ، و يسري ذات الأمر علي مصنع الفرو في سيناء الذي تعتمد عليه مصانع الحديد بسبب عدم كفاية ما يضخ له من الغاز المصري . يضاف إلى ذلك ما أشارت له الصحيفة من مستند هام من ان استخدام المازوت في محطات الكهرباء قفز من 1.6 مليون طن عام 2002/2003 الي 4.3 مليون طن في 2006-2007 مسجلا زيادة قياسية بلغت 175% ، و المعروف أن سعر وحدة المازوت المكافئة للغاز تبلغ عشرة أضعاف سعر وحدة الغاز ، فكيف نفسر سياسة تصدير غازنا الرخيص و الصديق للبيئة و استبداله باستيراد بالمازوت الغالي الملوث للبيئة.و كيف نفسر معطيات كثيرة أخري يشرحها الخبراء.
و إذ يتناول زملائي من الخبراء البتروليين بالتفصيل و التوضيح المبني علي مستندات شرح حقائق الأمور التي تدحض أرقام وزارة البترول المغرقة في التفاؤل ، يبقي لي أن أوضح الآتي:
دعوي الغاز تقوم علي ثلاثة أسس أولها قانوني يستند إلي انتهاك الدستور و غصب سلطة رئيس الدولة و البرلمان ، و انتفاء علاقته بفزاعة اتفاقية السلام ، و الثاني أن السعر الذي حددته الصفقة سعر متدني و فكاهي يصل إلي حد إهدار الثروة القومية ، و الثالث هو ما أكده الخبراء العالميون من أن المصلحة العامة تقضي بوقف تصدير الغاز لأي دولة حيث يكاد يكفي الاحتياجات المحلية ، إذ ما زال صعيد مصر محروما من الغاز و ما زال عدد كبير من مصانعنا و محطات توليد الطاقة يدور بالمازوت لعدم توفر الغاز بسبب تصديره للخارج.

و ختاما أري بعض علامات إيجابية للتخلص من التزامات هذه الصفقة المشئومة بعد أن ازاح كاتبنا الكبير الستار عن مفاوضات سرية قد ترفع سعر الغاز المصري إلي 7 دولارات و إن كان أقل من نصف السعر العالمي ، ، و لعل هذا أول الغيث ، و كل الأمل معلق علي تكثيف العمل للتخلص من تلك الصفقة و بدء عهد جديد من الشفافية و المشروعية التي تعطي للشعب و نوابه حق الرقابة علي هذه الصفقات و تحرم إبرامها في غرف مغلقة بعيدا عن رقابة الدولة و سلطة رئيس الجمهورية ، و في سبيل الصالح العام لن يضير رجال البترول الوطنيين من إعادة التفاوض في شروط تلك الصفقة و ربما منع تصدير الغاز المصري للخارج قبل استيفاء حاجة المجتمع المصري .
القاهرة في 21 فبراير 2009 السفير

إبراهيم يســـري
محام و محكم دولي

ليست هناك تعليقات: