الأربعاء، ٧ يناير ٢٠٠٩

المقاطعة بدلاً من الخطاب

المصرى اليوم

بقلم محمد البرغوثى

السياسة هى المجال الأكثر إجرامًا وكذبًا فى كل ما نطالعه أو نعيشه.. وأكثر الثوار نبلاً وطهارة يفقد نبله وطهره وثوريته تدريجيًا، كلما اقترب من السياسة، فما بالكم والمشهد العربى الرسمى كله لا يكاد يعرف إلا السياسة بأوحالها، ولا نكاد نعثر فى كل خطباء هذه المرحلة التاريخية الساقطة على ثورى عظيم، يبدأ نضالاً حقيقيًا لا تنطفئ شعلته فى دهاليز السياسة الموبوءة بتحالفات أصحاب المصالح والنفوذ.

السياسة فى عالمنا العربى تسمح لأمير دولة قطر أن يوجه نقدًا لاذعًا لبعض القادة العرب الذين استنجدوا بالأمم المتحدة لوقف المجازر الصهيونية فى غزة، بينما عجزوا عن عقد قمة عربية طارئة تدين هذه الإبادة الجماعية لشعب أعزل، ولم يطرف للأمير جفن وهو يتغافل عامدًا عن أن دولته الصغيرة تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية، وأن تلويحًا بسيطًا بإغلاقها، إذا لم يتوقف العدوان الصهيونى فورًا، كفيل بقلب موازين الصراع فى الشرق الأوسط كله.

والسياسة فى عالمنا العربى تسمح للشيخ حسن نصرالله، زعيم حزب الله، أن يدعو الشعب المصرى والجيش المصرى إلى الضغط على النظام الحاكم لإرغامه على فتح معبر رفح، ولم يطرف للمناضل جفن، وهو يتغافل عن أنه بإمكانه الآن - إذا كان ثوريًا ومناضلاً وليس مجرد سياسى - أن يفتح جبهة حربية أخرى فى شمال إسرائيل، تجبر قادتها المجرمين على وقف الإبادة الجماعية للمدنيين فى غزة.

والسياسة وحدها هى التى دمغت الموقف المصرى الرسمى بالتخبط والعبث وانعدام الكفاءة، وهبطت بمصر - بكل ثقلها الاستراتيجى فى المنطقة - إلى مجرد «خفير» يفتح المعبر ويغلقه، ولم يطرف للنظام المصرى جفن، وهو يتغافل عن أن المجزرة المروعة فى غزة تبرر له الإسراع باحترام حكم قضائى يتيح له وقف تصدير الغاز المصرى إلى إسرائيل، وهو إجراء إذا اتخذته مصر، لتغيرت خريطة القوى فى الشرق الأوسط كله.

السياسة، وحدها أيضًا، هى التى دفعت جماعة الإخوان المسلمين إلى استثمار الدم الفلسطينى المراق، واستثمار تخاذل وضعف الأنظمة الحاكمة فى تهييج الرأى العام، وحشد الجماهير فى مظاهرات غاضبة تستوعب طاقة الأمن المصرى كله فى التعامل معها، وتكاد تنذر بفوضى عارمة لا تفيد غير أعداء هذه الأمة المنكوبة بالضعف والجهل وخيانات القادة ومصالح الزعامات وهياج الجماهير.

والسياسة وحدها هى التى ستصرفنا بعد أيام عن مواصلة نضال دائم ومتصل ضد الولايات المتحدة الأمريكية أولاً وعاشرًا، وإلحاق خسائر فادحة بمصالحها الاقتصادية فى المنطقة، ويكفى أن يدفع الصهاينة أحد رسامى الكاريكاتير فى صحيفة أوروبية تافهة لنشر «رسمة» تسىء للرسول، صلى الله عليه وسلم، حتى يقوم «الإخوان المسلمون» بتعبئة الرأى العام العربى والإسلامى فى مظاهرات حاشدة تشق الحناجر بهتافات: «فداك أمى وأبى يا رسول الله»، وحتى تختفى جدران البيوت تحت ملصقات تحرض المسلمين على مقاطعة السلع الدنماركية والسويدية والهولندية، وحتى لا نكاد نعثر على شىء نشتريه وندعمه إلا السلع الأمريكية والإسرائيلية!

وما الحل إذن؟ إنه شديد البساطة: قاطعوا بإصرار واستماتة كل السلع الأمريكية.. قاطعوا السيارات والسجائر والملابس والأغذية الأمريكية.. نظموا حملات واعية ومكثفة ومتصلة لإشاعة الكراهية ضد الشركات الأمريكية العاملة فى مصر والعالم العربى وضد وكلائها من رجال الأعمال،

والمؤكد أن الأنظمة العميلة ستضطر بعد قليل إلى المزايدة على شعوبها بالانضمام لصفوف المقاطعة، والأكثر تأكيدًا أن الشركات الأمريكية العملاقة ستضغط على مؤسساتها السياسية، وعندئذ سنشهد انقلابًا فى مواقف أكبر قوة اقتصادية وسياسية داعمة للعصابة النازية المجرمة فى إسرائيل.

ليست هناك تعليقات: