الأربعاء، ٧ يناير ٢٠٠٩
«فى العريش» البدو فى «حى الكرامة» يتساءلون: نِحنا مين؟!
كتب أمل سرور
«حى الكرامة» معقل قبيلة «السواركة» إحدى أهم وأكبر قبائل شمال سيناء.. ويبدو أن اسمه على مسمى وعن عمد بل وسبق وإصرار أيضاً.. الحاج «محمد مريشد» هو الذى أسسه عن بكرة أبيه، ويعتبر الكبير لهذا الحى -والكلام على لسان علاء الكاشف- من خلاله فقط تستطيعين أن تتحدثى مع السواركة وباطمئنان وبكل صراحة.
عندما أنهى «علاء» حديثه كانت سيارتنا تخترق حى الكرامة.. بيوت صغيرة وفقيرة ولكنى لا أعرف لماذا دخلت صدرى رائحة العزة والأصالة وأيضاً الكرامة.
بترحاب شديد وكرم وحفاوة استقبلنا الحاج «محمد مريشد» فى ديوانه الكبير.. افترشت على القعدة العربى وأحسست بلا مبالغة براحة وصفو شديدين، وإذا بما يقرب من ١٥ رجلا بدويا يدخلون فأقف وأسلم بهيبة انتابتنى للحظات، وسرعان ما تبدلت تلك الهيبة وذاك القلق مع ابتساماتهم التى ارتسمت على وجوههم الصلبة فأذابتها.
■ فتحت الحوار قائلة: أنا هنا لأسمعكم بصفتكم جزءا كبيرا من أهالى سيناء قد تستطيعون أن تفسروا لى حالة القلق والغليان التى تمر بها منطقتكم.. بالتأكيد لديكم مشاكل وآلام وطموحات.. هل لى أن أقترب منها؟
وكأننى ضغطت على الجرح المكتوم ففتحته لينضح بما فيه.
سؤال بسيط ولكن صدقينى لا أجد له إجابة، نحنا مش حاسين بكياننا كمصريين، هم اللى وصلونا للإحساس ده، إحنا منسيين وواقعين من الحياة، ماعندنا مياه حلوة للشرب، ولا مواصلات تنقلنا، ولا صرف صحى، ولا مدرسة، الحى اللى انت شايفاه ده أنا اللى بنيته كله على حسابى، ودخلت له المرافق ومعظم ساكنيه من أبناء وادى النيل، يعنى من محافظات مختلفة، قدمت فى الحى ده على مدرسة من ٣ سنين وتبرعنا بمساحة ١٠ آلاف متر وأخذنا تأشيرة المحافظ وبعدين قالوا لنا مافيش فلوس.
أهل سيناء غلابة وضباط الشرطة بتعمل حقل تجارب علينا، يضربوا الناس بالنار والرصاص الحى بشكل عشوائى ده حرام، مافيش حد فوق العدالة وإحنا أهالى سيناء ضد المخالفين، وصحيح فيه تصعيد وتسخين من الطرفين، بعض من البدو والشرطة، لكن المخالف يتعاقب واللى بيحصل أنهم بيعاقبونا كلنا وبياخدوا عاطل مع باطل.
إحنا عندنا شباب زى الورد اللى واخد طب وهندسة ودبلومات وفيه بطالة -والكلام على لسان حماد مريشد- هتقولى لى البطالة فى مصر كلها، هقولك إحنا عندنا مشاريع سياحية ومياه وأراضى خصبة يمكن لها أن تكون خضراء لكن أصحاب المشاريع يفضلون أبناء الوادى علينا، يعنى حتلاقى أبناءنا بيشتغلوا فى مهن معينة مثل الغفير، عامل البوفيه، سائق.
وبعدين يعنى إيه أبناء سيناء مايدخلوش الجيش، يعنى كليات الحربية والشرطة وغيرها، بيخافوا منا ليه إحنا مصريين.. ولا هم فاكرينا إيه.. وليه العنصرية دى.. ليه ابن سينا مايبقاش ضابط ويبقى عسكرى أمن مركزى؟!
■ قلت.. أريد أن أسألكم سؤالاً صريحاً.. لماذا هناك انطباعاً بأن بدو سيناء خونة وربما يميلون إلى إسرائيل أكثر من مصر؟
احمرت الوجوه وجحظت العيون ولكن أجابنى أحد الجالسين بثبات وهدوء وقوة قائلاً: ياسيدتى كل فرد من أبناء سيناء حاصل على النوط الأول فى المخابرات، وللآن يوجد ناس من البدو يقومون بأدوار وطنية.. ولايوجد أحد يساوم على أرضه، لما انكسر عساكرنا فى نكسة ١٩٦٧ التى سببت لنا الإحباط إلى الآن قالوا البدوى كان بياخد سلاح العسكرى المصرى علشان يسقيه شربة مياه.. ده كلام مايتصدقش..
لكن هقولك ده جه منين.. العسكرى كان علشان يروح للقنال كان بيمشى حوالى ٢٠٠ كيلو وفيه ناس ماتت وفيه اللى وصلوا وكان أول حاجة بيعملها العسكرى إنه بيخلع البيادة وبعدين يرمى سلاحه لأنه مش قادر يمشى، لما بيعدوا القنال وبيوصلوا أول حاجة بيسألهم عنها ضباطهم فين سلاحك.. فكان بيرد وبيقول: العرباوى أخده منى!!
بقينا الشماعة اللى كانوا بيعلقوا عليها أخطاءهم.. تصدقى بالله إحنا عندنا ناس قسموا هدومهم مع الجنود، ده كلام فاضى.. نسيوا بطولات الناس فى سيناء واللى عملوه فى ٦٧ و٧٣.. انت لسه فى بداية رحلتك ولسه هتشوفى وتسمعى من على أرض الواقع.
رجل كبير قاطع حماد حديثه قائلاً: اللى بيقولوا الكلام ده بيتشطروا علينا طيب ما يروحوا يشوفوا صاحب مصنع الأسمنت رجل الأعمال الشهير اللى صدر الأسمنت بتاع مصر لإسرائيل علشان تبنى الجدار العازل اللى فصص فلسطين، ولا حد يجاوبنا ويقول لنا ليه مشروع ترعة السلام اللى كان هيدخل مياه لسيناء ويعمرها وقف واللى كان هيعمر منطقة الوسط اللى دايماً بيقولوا عنها من امتلك وسط سيناء امتلك قلب القاهرة، واتحججوا لنا بحجج فارغة لما قالوا أصل منسوب ارتفاع المياه هيوصل ١٠٠ متر والكلام ده ليه رد طيب ماتوشكى ارتفاع المياه فيها ١٢٠ متر.
وليه ماحدش سأل عن النخيل اللى انتهى فى سيناء؟! أقولك أنا الإجابة.. إن قلب النخيل راح فى احتفالات رأس السنة اليهودية، المستثمرين اللى على مستوى عالى فى سيناء رحلوه على هناك.
إحنا عاوزينكم تفهموا الصورة صح والناس فى القاهرة والمنصورة وغيرها من المحافظات يحسوا بالظلم اللى واقع علينا مش يقولوا فى أحد البرامج التليفزيونية إننا خونة وعملاء.. خليهم يروحوا يدوروا على العملاء اللى بجد ويشوفوا ليه حكم المحكمة اللى منع تصدير الغاز لإسرائيل ما اتنفذش لغاية دلوقت.
الحاج «محمد رويشد» شعر بأن الجلسة أصبحت ساخنة فحاول تهدئة الحاضرين إلا أن أحدهم انفجر صارخاً قائلاً: ابن البادية فى نظرهم واحد من تلاتة إما مهرب أو إرهابى أو جاسوس وعاوز أقولك حاجة إن البدو هم اللى ساعدوا الشرطة فى القبض على المجرمين اللى كانوا وراء تفجيرات طابا وشرم ودهب ولولاهم - لأنهم هم اللى حافظين طرق الجبال - ماكانوش وصلوا لحاجة.
ياه.. إحنا نفسنا نحس إن الضابط الواقف ده أخونا أو ابن عمنا مش عدونا، شوفى لما أبقى راكب أتوبيس ونقف فى كمين من الكمائن وينزلونى أنا دوناً عن بقية الراكبين لمجرد أنى لابس اللبس البدوى وينزلوا فىّ تفتيشات، أنا أحس بإيه، يا شيخة دول كرهونا حتى فى الزى الأصيل بتاعنا.
رجل عجوز كان يجلس متربعاً متابعاً لما يدور فى هدوء شديد قال لى قاطعاً كل الأحاديث الساخنة: يا بنيتى «ودنا نعيش» كلمة قالها مسعد أبوفجر يوماً ما فذهب وراء الشمس.. يا بنيتى قولى لهم بصوت عالى نحنا مو جعانين خبز ولكن جعانين حرية!
عم العجوز ختامه كان مسكاً فسقط كل الكلام وسكتت كل الألسنة.. ودعتهم ومسؤولية ثقيلة وأمانة أثقل بين يدى.. ترى هل أوصلتها؟!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق