الأحد، ١١ يناير ٢٠٠٩

السفير ابراهيم يسرى صاحب الدعوى التاريخية بوقف تصدير الغاز لإسرائيل يودع شهادته

العربى

السفير ابراهيم يسرى

رسالة شيخ منصرف

إليكم.. إلى الضمير الوطنى شهادة شيخ منصرف عن وقائع الدعوى التى تقدمت بها لوقف تصدير الغاز المصرى لإسرائيل، فقد أصدرت محكمة القضاء الإدارى برئاسة المستشار محمد أحمد عطية حكما تاريخيا آخر بوجوب تنفيذ حكمها الصادر يوم 81 نوفمبر 8002 بوقف تصدير الغاز لإسرائيل وأمرت بتنفيذ الحكم فورا بالمسودة ودون إعلان.
يقطع هذا الحكم على وزارة البترول طرق التحايل على عدم تنفيذ الحكم باللجوء لرفع إشكالات فى تنفيذه على جهة غير مختصة وهى محكمة الأمور المستعجلة، والإيعاز لموظفيها برفع ثمانية إشكالات أمام ذات المحكمة رغم أنهم ليسوا أطرافا فى الدعوى.
وقد طعنت الحكومة فى الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا ونظر أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة أمس 5 يناير وتقرر حجز الطعن للحكم فى 2 فبراير 9002.
وهذا الحكم يعتبر هدية لحكومة مصر، لأنه يتيح لها وقف تصدير الغاز فى الوقت الذى تذبح فيه الدولة الصهيونية نساء وأطفال شعبنا فى فلسطين والمدنيين العزل، لا يقبل ونحن فى هذه المأساة أن نمد يد المساعدة للكيان الصهيونى بالعون وإمداده بالطاقة الرخيصة لاستخدامها لإدارة مصانعه التى تنتج السلاح الذى تقتل فيه اخوتنا.
ليس هذا الموقف غريبا فقد قررت روسيا اليوم وقف تصدير الغاز عن طريق أوكرانيا إلى أوروبا الغربية كنوع من الضغط يخدم مصالحها.
ونحن مصممون على السير فى طريق التنفيذ بكل الطرق القانونية المشروعة.
كنت أتوقع أن الحكومة _ كأمين على مصالح الشعب، و كخصم شريف فى الدعوى ـ ستسعد بهذا الحكم و ترضى عنه ، لأنه :يتيح لها منفذا للتخلص من هذه الخسارة الجسيمة مستندة إلى حكم قضائى واجب التنفيذ ، و يمكنها من إعادة التفاوض فى سعر و شروط الصفقة المجحفة .و يمكنها من إعادة النظر فى سياسة تصدير الغاز بأكملها على ضوء ما يراه الخبراء من قلة الاحتياطى المصرى ، الأمر الذى يستوجب منع تصدير هذه الثروة الناضبة و الاحتفاظ به للاستهلاك المحلى .
و لكنى فوجئت و فوجئت مصر كلها بجهة الإدارة تناور و تستخدم حيلا قانونية محكوم عليها بالبطلان من اجل تعطيل تنفيذ الحكم ، فتستشكل فى تنفيذه أمام محكمة غير مختصة بحكم الدستور و القانون وهى محكمة الأمور المستعجلة فى القضايا المدنية، بل ان وزارة البترول تمضى فى الشوط إلى مداه فتكلف محاميها و موظفيها برفع ثمانية اشكالات لوقف تنفيذ الحكم أمام ذات المحكمة التى لا تختص قانونا ببحث الإشكال، و الغريب أن هؤلاء الأشخاص المحترمين هم الذين حكمت محكمة القضاء الإدارى بانعدام صفتهم و مصلحتهم فى رفع الدعوى ورفض انضمامهم إلى جانب الحكومة ، و إمعانا فى حبك الإشكال أنكر هؤلاء المستشكلون صلتهم الوظيفية بوزارة البترول و الهيئة العامة للبترول وهو تصرف يجافى كل القوانين بل حتى التقاليد القضائية و يتعارض مع مهمة الحكومة فى حماية مصالح الشعب.
والسؤال الذى يتعذر الإجابة عنه هو هل تقصد وزارة البترول أن تحمى مصالح إسرائيل على حساب مصلحة الشعب صاحب الثروة ؟؟ نحن نربأ بالقائمين على وزارة البترول أن يصل الأمر بهم إلى حد تفضيل مصلحة الكيان الصهيونى على مصلحة مصر ، و قد يعود هذا التصرف الغريب إلى ما سماه كاتب كبير سياسة العند ، فهل يجوز ذلك فى دولة المؤسسات و سيادة القانون و فى تفسير هذا المنحى المشين قال البعض بحسن نية ان السبب هو منهج العند الذى درجت عليه الحكومة فى أمور مشابهة ، و لكن غالبية المعلقين رأوا ان جهة الإدارة تسعى بتعطيل تنفيذ الحكم إلى تغطية ما كشف عنه من فساد و عن سوء إدارة مواردنا الطبيعية من النفط و الغاز ووضعها فى يد شخص واحد متخطيا بذلك كل القوانين و اللوائح النافذة.
أنا و زملائى سنتصدى لهذا العبث بكل عزم و تصميم بمساندتكم و دعمكم مهما طال الوقت أو تضاعفت الضغوط بأنواعها المختلفة، أو كثرت الحيل و الألاعيب القانونية وغير القانونية و فى النهاية لن يصح إلا الصحيح و لا بد أن يلقى المخطئ جزاءه إذا كان الخطأ متعمدا أو يتستر على فساد .
إننى من جيل المخضرمين الذين لم يبق منهم إلا القليلون ، و أنى على وشك الرحيل معهم، و إذا كانت هذه خاتمتى فأنا راض كل الرضا وأشكر الله عليها و أدعو للقائمين عليها بأن يؤيدهم الله بفضل من عنده .
فنحن جيل وصف بأنه جيل واعده القدر ..و أضيف أن القدر أتانا بلحظات انتصار و رفاهية و شموخ وعزة و كرامة ثم انحدر بنا ، إلى نكبة و تراجع فى الحرية و الديمقراطية و سيادة القانون ، و عودة ثقافة التوريث التى قضينا عليها بإعلان الجمهورية و نهاية النظام الملكى ، و انهيار فى الاقتصاد و تفكيك القطاع العام و توزيع الصكوك الوهمية و انهيار التعليم و بوادر خطيرة لفقدان الهوية و اضمحلال لغتنا الجميلة و خفوت انتمائنا الوطنى و القومى ، يضاف لذلك معاناتنا من موجة عارمة من التسطيح و السخف فى إنتاجنا الأدبى والفنى و الدرامى تكاد تغرق كل الأعمال الجيدة، إننى من جيل آخذ فى الانصراف ، و لكنه لم يفقد إيمانه ابدا بأن مصر ستسترجع حريتها و عظمتها و ستعود لممارسة دورها الرائد ومسئولياتها الكبرى ، وهو يشهد فى أيامه الأخيرة بصيص أمل يرحل بعده راضيا ، و نذكر هنا أن مصر عرفت أشكالا متقدمة من الحرية و الديمقراطية فى العصر الحديث منذ ما يقارب قرنين من الزمان ، إذا تركنا جانبا تراثنا الحضارى والإنسانى فى العهد الفرعونى.
فقد كان الشعب يعزل الوالى الذى تعينه الآستانة و يصيح فيه صيحته الشهيرة .انزل يا باشا .. وقد رفض مجلس شورى القوانين قرار الخديو بحله.. واستمر منعقدا كما قام الشعب بثورة 1919 بقيادة الزعيم سعد زغلول ضد الاحتلال البريطانى. ودافع عرابى باشا عن كرامة الشعب أمام الخديو
وان ثقافة تزوير الانتخابات فى مصر التى يعانى منها شعبنا قد شهدت فترات رفض لها، فقد جرت فى مصر انتخابات حرة نزيهة عدة مرات وصلت بحزب الأغلبية للحكم ...كما أجريت انتخابات سليمة فى عهد وير الداخلية أحمد رشدى و إن اطيح به بعدها .كذلك حاسب مجلس النواب الملك على مخصصاته ونظر فى مسألة نفقات إصلاح اليخت الملكى المحروسة.و قام الشعب بمساندة بثورة 23 يوليو بزعامة عبد الناصر و نجح فى إعداد خطة طموحة للتنمية و وضع مصر فى مكانة مرموقة لها نفوذ و مهابة على الساحة الدولية .
ولا يعقل أن يستمر تخلفنا و انبطاحنا و أن مصر لا تستحق بعد هذا النضال الطويل غير أن تتراجع لتعيش فى القرون الوسطى وسط سلبيات خطيرة مثل :دكتاتورية و شمولية الحكم يملك الجالس على قمة النظام وحده السلطة دون شريك و يورثها لأبنائه و أحفاده، و أن السيادة أصبحت لإرادة الحاكم و ليس للقانون كما حرمنا من الحرية والديمقراطية و الشفافية ، و عانينا من انسداد كامل للعمل السياسى و ابتداع النهج الأمنى و البوليسى فى الحكم و فى مواجهة المشاكل والمطالب الشعبية و أصبح الإنسان المصرى لا قيمة له تستحل كرامته و عزته و حقوقه بل و حياته ،وتراجعت قوانا الإنتاجية فى الغذاء و الكساء و زاد اعتمادنا على الاستيراد مما يخل بأمننا الغذائى و استقلالنا الاقتصادى بل و السياسى.
و مما زاد فى تفاقم الوضع على الصعيد العربى أن يستقوى النظام الرسمى العربى بالدول الأجنبية بدلا من شعوبهم ، فصارت بلادنا كجمهوريات الموز تخضع تماما للسياسة الأمريكية . و الأنكى من ذلك أن يتخذ النظام الرسمى الاستسلام كخيار استراتيجى محرما على شعوبه أى شكل من أشكال المقاومة او الردع للكيان الصهيونى واصفا لها بالإرهاب ، و دخل بذلك فى سلسلة تنازلات متواصلة آخرها ما أسفرت عنه تسيبى ليفنى من نية لطرد عرب 1948 إلى الضفة الغربية بعد ابتلاع القدس و محو حق العودة و الرجوع لحدود 1967 و غيرها.
إنى اعتذر نيابة عن جيلى لأننا تركنا هذه المسئولية الخطيرة و الأعباء الثقيلة على عاتق النخب السياسية التى انغلقت داخل خلافات شخصية و لم تعرف كيف تختلف و تحتفظ بالهدف العام ، و على الأحزاب القائمة رغم ما عانته من اختناق بعد أن ابعدها النظام عن الشارع لعدة عقود.
و أرى ان صيغ التحالفات و الجبهات و الإئتلافات قد فشلت ، و لا بد أن تتوحد القوى الشعبية رغم خلافاتها تحت زعامات جديدة كما فعلنا فى ثورة 1919 ، و كما ساندت كل الطياف السياسية عبد الناصر فى عدد من المراحل.
كل محاولات الحوار مع النظام لم تثمر اى تقدم ، و انه إزاء اعتماد النظام على سياسة القمع التى سخر لها إمكانيات ضخمة و حماها من المساءلة بسلسلة من التعديلات الدستورية و القوانين سيئة السمعة ، أن الشعب لن يجد امامه لتجاوز هذه المرحلة المظلمة إلا أن يستخدم حقوقه الدستورية و القانونية فى الإضراب بل فى العصيان المدنى السلمى الشامل إن اقتضى الأمر.

ليست هناك تعليقات: