الأربعاء، ٩ يوليو ٢٠٠٨

أبعد من سامح فهمي


بقلم خالد صلاح

اعترافاً بالحقيقة أقول إن قرار الحكومة برفع الدعم عن المصانع كثيفة الاستخدام للطاقة يستحق التقدير، أو علي الأقل يستحق توصيفه بأنه (عودة إلي العدل). الحكومة بهذا القرار أزالت تلك المظلة التمييزية في الدعم الذي لم يذهب يوماً إلي مستحقيه في عالم الغاز والطاقة، وتراكم في خزائن كبار رجال الأعمال من ملاك المصانع الكبري علي حساب ثروات مصر.
وظني أن ما كتبه مجدي الجلاد أمس الثلاثاء حول عقود تصدير الغاز هو آخر ما تبقي في ملف الطاقة، لتنال الحكومة التقدير كاملاً بين الرأي العام. أنحاز كلياً إلي ما قاله الجلاد بأن الأمر يخرج بعيداً عن المنطق أن نصدر الغاز إلي بلدان مثل إسرائيل وإسبانيا بأسعار أقل من تلك التي يدفعها المواطنون المصريون أصحاب الأرض. ولا أشك لحظة واحدة في أن الحكومة قادرة علي أن تعيد النظر في هذه الأسعار بالكامل حتي لا نكون (كرماء علي الخارج، أشداء بيننا).
* ما الذي ينقصنا لإعادة النظر في عقود التصدير؟
بعض الذين يحررون العقود مع الأجانب يرون أن الأسعار العالمية تفرض نفسها كقوة جبرية لا يستطيع أحد أن يتجاوزها، لكن الواقع يشهد بأن بعض العقود تتدني أحياناً إلي ما هو أقل من الأسعار العالمية، كما لا يوجد بلد في العالم يحرر عقداً مدته أكثر من عشرين أو خمسة وعشرين عاماً بأسعار ثابتة، كما حدث مع شركات أجنبية في الداخل وفي الخارج.
* الحل من وجهة نظري في الاقتراحات التالية:
١- إبعاد وزارة البترول بالكامل عن تحرير العقود، فالوزارة مهمتها فنية هندسية، أما البيع والشراء فلا شأن لها بذلك. يجب إسناد مهمة المفاوضات مع الأجانب إلي شركة متخصصة تضم ممثلين للحكومة وخبراء تجاريين وقانونيين متخصصين في مجال الطاقة، بحيث يكون للحكومة خط للرجوع عند الضرورة، والمسألة هنا لا تعني تشكيكاً في وزارة البترول أو تقليلاً من سامح فهمي، بل علي العكس، فوزارة البترول بذلت جهداً حقيقياً في توسيع اكتشافات حقول الغاز، هذه الطاقة التي لم نكن نعرفها من قبل، وهذه الثروة التي لم نكن نحلم بها، شكراً لهم علي ذلك، ولكن مسألة العقود شيء آخر أبعد من سامح فهمي، ومن رجال البترول.
٢- إعادة النظر في الطريقة التي نحسب بها حصة (الشريك الأجنبي) في عمليات التنقيب واستخراج الغاز، فالشريك الأجنبي يفرض شروطه الخاصة أحياناً سواء علي حصصه في الإنتاج أو علي شكل الإدارة. وهناك حالات جري فيها إبعاد مدراء شركات مصريين للحصول علي رضا الشريك الأجنبي. والآن علينا أن ننظر في حصة هذا الشريك، وعلينا أيضاً حساب ما يحصل عليه من غاز ضمن التكلفة الاستثمارية الخاصة بعمليات الاستخراج. هذا الشريك ملف كبير يجب أن نسلط الأضواء عليه يوماً.
٣- إلغاء بند الفترة الزمنية لسريان عمليات التصدير من كل العقود السابقة، بحيث تنتهي فكرة التصدير لمدد طويلة بالسعر نفسه، وفي حالة اعتراض المستوردين علي إعادة تحرير العقود يمكن مساندة الحكومة من خلال تقسيم الأدوار بينها وبين مجلس الشعب، أو من خلال استصدار أحكام قضائية لإلغاء هذا البند من العقود، وظني أن الدفاع عن ثروات مصر يستحق أي نوع من المناورات السياسية والإعلامية.
٤- عرض العقود الجديدة علي مجلس الشعب قبل توقيعها نهائياً لتصبح ملزمة للحكومة، وحتي يكون السعر وفترة سريان العقد محل إجماع وطني شامل.
هذه مقترحاتي في ضوء الأمر الواقع، أما عن أحلامي فيما هو «فوق الأمر الواقع» فأتمني وقف عمليات التصدير نهائياً وإعادة استثمار هذه الطاقة المصرية في مجالات صناعية متعددة في المحافظات.
هذه الطاقة تزيد علي حاجتنا اليوم، لأننا لم نصل بعد إلي مرحلة (الدولة الصناعية) بالمعيار الدولي للمصطلح، والأولي أن نوجه الطاقة لدعم خريطة الصناعة في جميع ربوع مصر، بدلاً من أن نصدرها للأجانب اليوم ثم نتسول منهم تكنولوجيا الطاقة البديلة غدا بعد أن ينفد الغاز والنفط.

ليست هناك تعليقات: