الأربعاء، ٩ يوليو ٢٠٠٨

"إسرائيل" تربح 15 مليار دولار من صفقة الغاز المشبوهة "

الحكومة المصرية تدعم الصهاينة !!

البحيرة

محمد جمال عرفة - مجلة المجتمع

يوم الخميس 30 يونيو 2005م وقعت مصر اتفاقاً أو بروتوكولاً عاماً لبيع الغاز الطبيعي المصري إلى "إسرائيل" بقيمة 2.5 مليار دولار، ووقع على الاتفاق كل من وزير البترول المصري سامح فهمي ووزير البنى الأساسية الصهيوني "بنيامين بن إليعاز"، ما أثار حالة من الرفض الشعبي، وتصاعدت الدعوات التي أطلقتها منظمات المقاطعة المصرية لمنع التصدير، وناشدت جماعات المقاطعة وزير البترول المصري التراجع عن هذه الصفقة التي سوف تستورد بموجبها "تل أبيب" الغاز الطبيعي المصري لمدة 15 عاماً.

وسبق هذا توقيع اتفاق مبادئ بين شركة EMG الإسرائيلية المصرية أو "الشرق المتوسط للغاز"، والتي يشارك فيها رجلا الأعمال الصهيوني "يوسي ميمان" والمصري حسين سالم، وشركة الكهرباء الصهيونية لشراء كميات من الغاز الطبيعي تُقدَّر ب1.2 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، بحيث يتم ضخ الغاز من الأراضي المصرية، ويزيد المعدل إلى 1.7 مليار متر مكعب سنوياً، ابتداءً من يوليو 2007م ولمدة 20 عاماً، بحيث يتم تزويد "إسرائيل" بالغاز المصري عن طريق خط أنابيب للغاز يمتد من سيناء في مصر، ويمر تحت البحر من منطقة العقبة وإيلات إلى مدينة عسقلان في فلسطين المحتلة عام 1948م على ساحل البحر المتوسط تقيمه "شركة الشرق المتوسط للغاز".


ورغم إطلاق نشطاء سياسيين ودبلوماسيين سابقين واقتصاديين مصريين وجمعيات مناهضة للتطبيع حملات تعارض تصدير الغاز المصري للكيان الصهيوني، وتوجيههم رسالة إلى وزير البترول المصري يقولون فيها: "ألا تعلم أنك بهذه الصفقة تدعم آلة الحرب الإسرائيلية، وتقوي اقتصادهم من أجل المزيد من القتل والتدمير والتشريد؟ هل هانت عليك دماء الشهداء لهذه الدرجة؟".. وقد تم بناء خط أنابيب الغاز بالفعل، وبدأت تجارب التشغيل وبدء الضخ الفعلي للغاز في أول مايو الجاري 2008م.

أضرار متعددة

المعارضون للاتفاق تحدثوا ليس فقط عن أضرار سياسية وإستراتيجية لتصدير الغاز المصري للعدو الصهيوني وتغذية 20% من مصادر كهرباء المدن الصهيونية بهذا الغاز المصري في وقت يحاصر فيه الصهاينة غزة، ويمنعون عن محطاتها الكهربائية مواد الطاقة اللازمة، وإنما استغربوا تصدير الغاز المصري بأسعار متدنية للغاية وفق الاتفاق الذي تسرَّب للصحافة وحصلت عليه "المجتمع" بلغت 75 سنتاً فقط للوحدة من الغاز ترتفع إلى دولار ونصف الدولار فقط في أقصي تقدير، في حين أن السعر العالمي يتراوح بين 5 و9 دولارات، معتبرين هذا دعماً مصرياً مجانياً للطاقة الموجَّهة لشركات الكهرباء الصهيونية، في الوقت الذي رفعت فيه الحكومة أسعار الغاز للمصانع المصرية!!

وفي المقابل ينفي مؤيدو الصفقة عن جانب شركات الغاز المصرية ما يُقال عن تصدير الغاز أصلاً من قِبَل الحكومة المصرية ل"إسرائيل" مباشرة، ويؤكدون أن دور الحكومة المصرية ووزارة البترول قاصر على بيع الغاز لشركات مثل: "الشرق المتوسط للغاز"، وأن هذه الشركات هي التي تعاقدت مع وزارة الكهرباء "الإسرائيلية" على مدها بالغاز عبر خط أنابيب أنشأته هذه الشركة.

كما أكد رئيس الشركة القابضة للغاز الطبيعي "إيجاس" المصدِّرة للغاز المصري أن الكميات المصدَّرة ل"إسرائيل" لا تتعدى 2.5% من إنتاج مصر البالغ 6.3 مليار قدم مكعب يومياً، وأن ما سيُصدَّر من الغاز المصري هو 1.5 مليون قدم يومياً!

وقد وقعت مفاجأة فور بدء ضخ الغاز رسمياً تمثلت في إعلان رجل الأعمال المصري "حسين سالم" صاحب الشركة التي تعاقدت مع الصهاينة لبيع الغاز أنه باع حصته في شركة "إي. إم. جي" المصرية الإسرائيلية "الشرق المتوسط للغاز" لشركتيْن أمريكية وتايلاندية منذ 8 أشهر، ورفض الكشف عن اسميهما، وأنه لم تعد له علاقة بالشركة، أو بموعد تصدير الغاز المصري!

ردود أفعال غاضبة

وفور إعلان الكيان الصهيوني بدء الضخ الرسمي للغاز المصري عبر أنابيب تحت المياه من سيناء إلى محطات الطاقة "الإسرائيلية" في أول مايو 2008م، أبدت قوى سياسية وبرلمانية مصرية غضبها على هذه الصفقة، وطالبت بفسخ عقدها لأن الكيان الصهيوني سيحصل على الغاز بأسعار مخفضة مدعومة.. ودعت جماعة الإخوان المسلمين نواب الشعب إلى "التحرك الفعال لإلغاء هذا العقد، ووقف ضخ الغاز للصهاينة، وتوجيهه للتصدير بالأسعار العالمية إلى دول أخرى".. كما حذر خبراء قانون من أن تستغل "تل أبيب" العقد في التحجج بالتدخل في سيناء مستقبلاً بحجة حماية خط أنابيب الغاز القادم إليها.

وقال محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان: "إن المعاناة الشديدة التي يعيشها الشعب المصري الآن في الحصول على قوته الضروري؛ وفى مقدمة ذلك رغيف الخبز والدواء والتعليم، أولى وأحق بالرعاية والعناية وتوجيه الثمن الحقيقي للغاز المصري للمواطن المصري لتخفيف وطأة الارتفاع الجنوني في الأسعار بدلاً من انتفاع الصهاينة بذلك".

وأضاف: "إن الحفاظ على الأمن القومي المصري يستوجب وقف تدفق الغاز عبر الأنابيب للعدو الذي قتل أبناءنا، ودفن أسرانا أحياء في حروب 1956 و1967 و1973م، وما زال يهدد أمننا القومي بصناعة وامتلاك أسلحة الدمار الشامل ".

وشدَّد عاكف قائلاً: "إن اتفاقية الدفاع العربي المشترك تلزم الحكومة إن كان لديها فائض في الغاز أن تصدِّره إلى الإخوة الأشقاء في فلسطين لتزويدهم بالطاقة والوقود اللازم لإدارة شؤون حياتهم، وهم يعانون من عدوان الصهاينة عليهم وحصارهم لهم حصار الجوع والموت".


مقاضاة الحكومة

وبدأت القضية تأخذ منحيً آخر غير قاصر على الرفض الشعبي أو النقد البرلماني، بعدما دخل دبلوماسيون سابقون على الخط وانتقدوا الصفقة بشدة، بل ورفع مسؤول سابق بالخارجية المصري قضية ضد وزير البترول المصري لمنع تصدير الغاز للكيان الصهيوني.

حيث رفع السفير إبراهيم يسري مدير إدارة القانون الدولي والمعاهدات الدولية الأسبق بوزارة الخارجية دعوى قضائية ضد كل من رئيس الوزراء ووزيريْ المالية والبترول، طالب فيها ب"إلغاء قرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004م الذي أصدره بصفة سرية لبيع الغاز الطبيعي لإسرائيل، بسعر لا يزيد على دولار وربع الدولار، في حين يبلغ سعر السوق 9 دولارات، ولمدة 15 عاماً".

وقد استند السفير في دعوي بطلان اتفاقية تصدير الغاز إلى عدم عرضها على مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) طبقاً للمادة (151) فقرة (2) من الدستور، وقال: "إن وصف الحكومة الاتفاقية بأنها مجرد مذكرة تفاهم لا ترقى للاتفاقية يخالف قانون "فيينا" للمعاهدات الذي ينص على أن أي اتفاق بين دولتين يُعَدُّ اتفاقية دولية، خاصة أنها تتضمن تصرفاً في ثروات البلاد".

وطالب في دعواه ب"وقف قرار وزير البترول وما يترتب عليه من اتفاقيات، حتى نوفر الدعم الذي نعطيه لإسرائيل الذي يناهز المائة مليار دولار، لتخفيض أسعار البنزين والسولار للمصريين".

تهديد للأمن القومي

د. عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وصف الصفقة بأنها "كارثة ودعم للمشروع الصهيوني الذي يريد أن يلتهم مصر ويسعى للتمدد في سيناء، فالغاز الطبيعي احتياطيه محدود، وهو ملك للأجيال القادمة، وإتمام صفقة بهذا الحجم والعمر سيكون له آثار كارثية في المستقبل، وسيهدد الأمن القومي المصري على المدى البعيد".

وقال في تصريحات ل"المجتمع"، تعليقاً على إعلان الكيان الصهيوني بدء تصدير الغاز المصري له: "أدعو نواب المعارضة والمستقلين في مجلس الشعب وعددهم 120 نائباً إلى تقديم استقالة جماعية، وتفصيل الأسباب في عريضة الاستقالة كرد عملي على صفقة بيع الغاز المصري إلى إسرائيل".

وأضاف د. الأشعل: "لو حدثت استقالة جماعية سيؤدي ذلك إلى إجراء انتخابات مبكرة، وهذه ستكون فرصة مواتية ومناسبة جدا لطلب رقابة دولية على الانتخابات، وإذا حدثت انتخابات مبكرة ديمقراطية بمعايير دولية فسيكون هناك برلمان قوي يمنع تمرير مثل هذه الصفقات المشبوهة"!!

ليست هناك تعليقات: