المصرى اليوم
دارت في مجلس الشعب مناقشات حول تصدير الغاز لإسرائيل وأسعاره السرية التي لا يجوز الكشف عنها إلا باتفاق أطراف العقد، أي أنه يلزم لإطلاع أعضاء المجلس علي بنود العقد ـ وهم الأمناء علي ثروة مصر الطبيعية نيابة عن الشعب ـ الحصول علي إذن من الشركة الإسرائيلية المستوردة للغاز، فكيف يترك التصرف في تلك الثروة الناضبة لشركة مصرية، يرأسها موظف عام وبسعر يتفق مع المشتري علي أنه سري؟
وما دواعي تلك السرية؟ وما الذي يضمن عدم تورط طرفي الصفقة، وهي بطبيعتها طويلة الأجل «٢٠ عاما» وليست شحنة عارضة ـ في إبرام عقود والتزامات قد تضر بالمصلحة الوطنية؟
وبصرف النظر عن موضوع السرية فإن ثمة أسئلة تحيط بتصدير الغاز مما يتطلب الإجابة عنها:
١ـ يستفاد من أقوال ممثل الحكومة أن تكلفة إنتاج الغاز لا تتجاوز ٠.٧ دولار «٧٠ سنتا» لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وأن سعر البيع لإسرائيل حتي لو كان ١.٥ دولار فإنه يحقق ربحا للدولة، ولكنه يزيد علي السعر المحلي للصناعات الثقيلة الذي سيبلغ ٢.٦٥ دولار في نهاية ٢٠٠٩.
٢ـ وأول ما يلاحظ أن مبادئ الاقتصاد تؤكد أن التكلفة لا علاقة لها بالسعر في حالة منتجات الثروة الطبيعية، وإنما يتحدد السعر بعوامل العرض والطلب، فاستخراج الذهب وإن تكلف قروشا قليلة لا يبرر بيعه بسعر يقل عن السعر السائد في أسواقه بحجة أنه يحقق ربحا فوق التكلفة، وإذ يحتوي برميل من البترول علي ٥.٦ مليون وحدة حرارية بريطانية،
فإن تصدير الغاز حتي لو بلغ السعر ٢.٦٥ دولار، معناه أن تصدير ما يعادل من الغاز برميلا من البترول لا يتجاوز ١٥ دولارا، وهو ما يقل عن سدس سعر البترول الذي حقق ٩٣ دولارا للبرميل خلال الربع الأول من العام الحالي، أخذا في الاعتبار أن الغاز أعلي جودة وأقل تلويثا، فهل يوجد إهدار لتلك الثروة النظيفة أكثر من تصديرها بهذا السعر؟
٣ـ جري العرف علي إدخال نص يتيح تصعيد السعر مع المتغيرات التي تطرأ علي أسواق السلعة التي تغطيها عقود طويلة الأجل، ومنها عقود تصدير الغاز التي يمتد أجلها إلي ٢٠ عاما، فهل تضمنت عقود تصدير الغاز المصري مثل هذا النص وما محتواه؟ أم أن هذا النص يعتبر أيضا من الأسرار التي لا تكشف إلا باتفاق البائع والمشتري؟
٤ـ ويقول ممثل الحكومة إن عقود تصدير الغاز تراجع الآن بهدف رفع السعر وهو ما يحقق ١٨ مليار دولار كعائد إضافي خلال الأعوام العشرين المقبلة، وهذا كلام مرسل لا يستند إلي أساس علمي أو عملي إذ لا يمكن التنبؤ بما سيكون عليه الحال عبر المستقبل، والأغلب أن مصر ستتحول إلي مستورد للغاز وللبترول وبأسعار لا تحتمل حتي إن وجد.
٥ـ وفيما يتعلق بتقدير الاحتياطيات المؤكدة للغاز فقد تمت الاستعانة ببيت الخبرة الأجنبي «وود ماكنزي» لمراجعتها، فجاء تقرير «ماكنزي» مشوبا بغموض يرجح الشكوك المثارة حولها، فالتقرير الذي يرجع تاريخه لأول يناير ٢٠٠٧ يصنف احتياطيات الغاز إلي نوعين: يقدر أولها بنحو ٣١ تريليون قدم مكعبة، ويطلق عليها الاحتياطيات المتعاقد عليها، ويسبغ عليها صفة «التجارية»،
أما الباقي الذي يقدره التقرير بنحو ٣٢ تريليون قدم مكعبة فيطلق عليها احتياطيات فنية غير متعاقد عليها، ويصفها بأنها اكتشافات لم تبدأ فيها التنمية ولم يتم بشأنها إبرام عقود للبيع، وإذ يستقر رأي مهندسي البترول علي أن الاحتياطيات لا توصف بأنها مؤكدة قبل أن يتم تنمية الحقل، ويستخرج منه ثلث ما يحتويه، فإن وصف التقرير للقسم الثاني من الاحتياطيات بأنها اكتشافات غير منماه ينفي عنها صفة المؤكدة.
٦ـ وحتي علي فرض أن كل الاحتياطيات المعلنة رسميا تنعم بصفة المؤكدة، فإن النمو الفلكي في إنتاج الغاز خلال الأعوام الأخيرة صار يهدد بنضوبها السريع، إذ قفز هذا الإنتاج خلال ٣ سنوات (٢٠٠٤/٢٠٠٧) من ٢٤ مليون طن بترول مكافئ إلي نحو ٥٥ مليون طن بمعدل نمو ٣٢% سنويا في المتوسط،، ولايزال في التزامات التصدير كميات كبيرة سواء من معملي الإسالة بدمياط وإدكو أو عبر الأنابيب في خط الأردن ـ سوريا ـ لبنان والخط البحري لإسرائيل.
وكما يؤكد رئيس الشركة القابضة للغازات فإن الإنتاج سوف يرتفع إلي أكثر من ٩٠ مليون طن بترول مكافئ بحلول عام ٢٠١١.
٧ـ والخلاصة أنه أذا تحققت خطط التوسع في إنتاج الغاز علي هذا النحو، فإن احتياطيات الغاز المعلنة رسميا، رغم ما يحيطها من شكوك، يمكن أن تنضب قبل ١٩ عاما وليس ٣٤ عاما كما يتردد رسميا.
٨ـ تبقي كلمة عن الاستهلاك المحلي للغاز، والذي لا يكفي نصيب مصر لمواجهته، ومن ثم تلجأ إلي تغطية العجز بالشراء من نصيب الشريك الأجنبي وبسعر لا يتجاوز ٢.٦٥ دولار للمليون وحدة حرارية وفقا للاتفاقيات الصادرة بقوانين، والتي يمتد أجلها إلي ٣٥ عاما،
وإذ تشير اقتصاديات الطاقة النووية إلي أنها لا تصبح منافسة للغاز إلا إذا تجاوز سعر الغاز ٦ دولارات للمليون وحدة حرارية، فإننا نوصي بأن يقتصر إنتاج الغاز علي ما يكفي فقط للاستهلاك المحلي مع شراء نصيب الشريك الأجنبي بالكامل بهذا السعر الذي يبلغ نصف النووية، والاحتفاظ بكامل احتياطيات الغاز لمواجهة احتياجات الأجيال المقبلة.
٩ـ وكنا قد حذرنا من محاولات الشركات العاملة في مصر الالتفاف حول التزامها بتزويد السوق المحلية عبر قطاع البترول بسعر ٢.٦٥ دولار، وطلبها تزويد الصناعات المصرية مباشرة، وبأسعار تتجاوز هذا السعر المحدد بالاتفاقات الصادرة بقوانين، ويبدو أن قطاع البترول لم يستجب فقط لهذا الطلب بل اتجه أيضا إلي الموافقة علي رفع السعر المحدد في بعض الاتفاقيات إلي ٤.٧٠ دولار،
ووجه التساؤل هنا: إذا كانت التكلفة كما يقال لا تتجاوز ٧٠ سنتا للمليون وحدة حرارية فبأي حق تتقاضي الشركة ٤ دولارات كربح فوق تلك التكلفة، مع أن العقد شريعة المتعاقدين وصدر بقانون؟ بل إن هذا السعر يتجاوز أيضا سعر التصدير والذي يقول ممثل الحكومة إنه سيبلغ ٢.٦٥ دولار في نهاية ٢٠٠٩.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق