الجمعة، ٢٨ مارس ٢٠٠٨

قضية تصدير الغاز لإسرائيل

جبهة انقاذ مصر

بقلم: محمد أبو الحديد

لم يكن رد الحكومة علي قضية تصدير الغاز المصري لاسرائيل. حين أثيرت هذا الأسبوع في مجلس الشعب. شافيا.. ولامقنعا.
في البداية طلبت الحكومة مهلة للرد.. وهذا حقها.. وأنها تريد أن تأتي بالبيانات الصحيحة من مصادرها. وهذا حقها وحقنا عليها.
لكن .. في قضية تمس العلاقات بين مصر واسرائيل. وتخيم عليها شكوك مسبقة من جانب الرأي العام في مصداقية أي كلام يصدر من الحكومة حولها. حتي ولو كان صحيحا.. فإن موقف الحكومة. حين طلبت المهلة. بدا ضعيفا. وأوحي للرأي العام بأن الهدف هو البحث في كيفية الخروج من مأزق وجدت الحكومة نفسها فيه دون أن تستعد له.
وفي تقديري. فإن رد الحكومة لم يخرجها من المأزق.. بل زادها تورطا فيه.
لايصلح. في قضية تصدير "الغاز" .. ل "إسرائيل" ان نتحدث عنها باعتبارها "عملية تجارية" تتم بين شركات.. ولا ان نبرر التصدير بحاجتنا الي العملة الأجنبية.. ولا أن نقول إن المسألة مازالت في دور "إجراء التجارب" ولم يبدأ التصدير الفعلي بعد.. ولا أن نحتمي بأن الاتفاقيات التي أبرمت بين الشركات تنص علي "سرية" اسعار التصدير بحيث لايجوز الاعلان عنها الا بموافقة الطرفين.
لايصلح ذلك كله. لأن هناك "بديهيات" في هذه القضية يعرفها كل مواطن. ولايجوز للحكومة القفز فوقها. خاصة حين تتحدث تحت قبة البرلمان وامام نواب الشعب.. فمثلا.
1 الغاز ليس سلعة تجارية عادية مثل اي سلعة أخري.. بل هو سلعة استراتيجية تخضع في تداولها لاعتبارات سياسية وأمنية الي جانب الاعتبارات الاقتصادية.
2 الغاز ليس سلعة بائرة أو راكدة لاتجد من يشتريها.. بل يتكالب عليها العالم كله الذي تخنقه أزمة الطاقة.. وبالتالي لا اعتقد ان مصر تواجه مشكلة ان كانت تبحث عن عملة أجنبية في بيع غازها في السوق العالمي لاعلي سعر.
3 ولان السلعة هي "الغاز" والمشتري هو "اسرائيل" فلن يصدق أحد أن المسألة مجرد "اتفاق بين شركات" لايتمتع برعاية الحكومة.. بل ولم يكن هذا الاتفاق ليتم الا ب "توجيه" منها والا كانت كارثة.. ان تترك "سلعة" مصرية استراتيجية مثل الغاز.. ودولة مثل اسرائيل لاقامة علاقة خارج مظلة سلطة الامن القومي المصرية.
4 ثم ان الرد يتناقض. حين يسعي للتخفيف من وقع الاتفاق بالقول بأنه "بين شركات" ثم يكشف عن وجود الحكومة طرفا اساسيا فيه. حين يقول إنها تولت فقط "مد الانابيب".. وهو أمر لايمكن أن يتم الا باتفاق رسمي بين دولتين لانه مشروع عابر للحدود يمتد في أراضيهما معا.
5 أما مسألة "سرية" الاسعار. فإنها تثير اكثر من علامة استفهام.
الخلاصة. أن الرد كما قلت لم يكن شافيا ولامقنعا.. وأضيف .. بل لم يكن ردا.. لانه اثار من التساؤلات اكثر مما اعطي من اجابات.
وفي موضوعات حساسة من هذا النوع. فإنه من الافضل للحكومة إما أن تكشف كل شيء حتي لاتأخذ الشائعات القضية الي بعيد. وتصور للرأي العام الحقيقة بأكبر من حجمها الفعلي.. واما ان تعلن بوضوح ان هناك اعتبارات تتعلق بالامن القومي أو المصالح العليا للبلاد تحول دون الخوض في هذا الموضوع او ذاك بصورة علنية الان. وتقدم وعدا بالافصاح حين يكون الوقت مناسبا لذلك.
هذا . اذا لم تكن في القضية أخطاء يجري التستر عليها.
لكن .. لماذا هي قضية حساسة؟!
هذا سؤال اعتقد انه يستحق ان نحاول الاجابة عنه.
لقد قلت ان الغاز ليس سلعة بائرة أو راكدة. وأن مصر لاتواجه. في اعتقادي. مشكلة ان كانت تبحث عن عملة أجنبية في بيع غازها في السوق العالمي لأعلي سعر.
وأقول. ان الوجه الاخر لذلك هو :
هل تواجه إسرائيل مشكلة في الحصول علي احتياجاتها من الغاز من دول اخري. أو من السوق العالمي الحر؟!
لا أزعم أن لدي إجابة موثقة عن هذا السؤال.. ان كانت تستطيع ان تحصل علي نفس الكميات التي اتفقت عليها مع مصر. بنفس الاسعار.. وبذات وسيلة النقل السهلة عبر انابيب تمتد بين البلدين.
لكن .. حتي لو كانت اسرائيل تستطيع.. فإن السؤال الذي يدور في اذهان الرأي العام هو:
* ولماذا نتطوع نحن بأن نمنحها "افضلية" في سلعة استراتيجية كهذه. يمكن أن نحصل لقاء بيعها علي "ثمن سياسي" وليس فقط علي قيمة تجارية؟!
مبررات هذا السؤال .. عديدة ومنطقية.
دعنا مؤقتا من القضية الفلسطينية وممارسات اسرائيل العدوانية اليومية في الأراضي الفلسطينية.. أو احتلالها للجولان.. أو بقايا وجودها في لبنان.. الي اخره.
سأعتبر مؤقتا أيضا ان هذه قضايا لاتخصنا.. وأننا في علاقتنا بأي دولة يجب ان نفكر في مصلحتنا فقط. وبأضيق منظور. وليس في أي شيء أو أي أحد اخر.
حتي في هذا المنظور فإن الرأي العام يري أن في العلاقات الثنائية بين مصر واسرائيل "ملفات" عديدة بالغة الاهمية. مازالت مفتوحة. ولم تقدم لنا اسرائيل فيها شيئا. ولا اعطتنا "أفضلية" في شيء.
هناك مثلا:
1 ملف الاسري المصريين الذين أقامت إسرائيل لهم مذابح ابادة جماعية في سيناء بعد أن ألقوا سلاحهم. وذلك خلال حربي 1956 و.1967
2- ملف البترول والآثار. وكافة المواد الخام التي نهبتها إسرائيل من سيناء خلال احتلالها لها فيما بين عامي 1967 و1973. والذي استمر لبعض أجزاء سيناء بعد هذا التاريخ حتي بدايات الثمانينيات. دون أن ترد إسرائيل منها شيئا. أو تدفع تعويضا. بينما هي مازالت تتقاضي من أوروبا تعويضات عن مذابح اليهود التي وقعت قبل 60 سنة.
3- ملف الأنفاق المصرية عبر غزة. الذي لا تتوقف إسرائيل عن إثارته في كل المحافل. واتهام مصر بالمسئولية عن عمليات تهريب للسلاح تقول إنها تجري عبر هذه الأنفاق. من مصر للفلسطينيين.
4- ملف الحصار الإسرائيلي لغزة. والذي يهدف - من بين ما يهدف - إلي دفع أهلها لاقتحام سيناء. كورقة ضغط حالية علي مصر للانسحاب من القضية الفلسطينية.. وكوسيلة مستقبلية لتنفيذ مخطط توطين الفلسطينيين في سيناء.
5- ألم تكن إسرائيل والمنظمات اليهودية في أمريكا وأوروبا - وباعتراف حكومتنا رسميا - وراء صدور قرار الكونجرس بتجميد مائة مليون دولار من المعونة الأمريكية لمصر هذا العام.. وقرار البرلمان الأوروبي حول بعض الأوضاع الداخلية المصرية. والذي مثل تدخلا سافرا في شئوننا؟!.
ما هو - إذن - "ثمن" بيع الغاز المصري لإسرائيل؟!.
وأي أفضلية أعطتها لنا إسرائيل في أي ملف يخص العلاقات الثنائية معها. حتي نعطيها أفضلية في ملف الغاز المصري؟!.
الناس تريد أن تسمع إجابات شافية ومقنعة.
مع خالص تقديري للأخ العزيز الدكتور مفيد شهاب. الذي أتفهم تماما طبيعة مهمته كوزير للشئون القانونية والبرلمانية يتحدث بلسان الحكومة تحت القبة.

ليست هناك تعليقات: