الاثنين، ٢٣ أغسطس ٢٠١٠

السفير إبراهيم يسري يكتب:انكشف المستور وفضيحة لوبي الغاز تزكم الأنوف

الدستور

يعلم الجميع أننا خضنا مع جمع كبير من النخب والخبراء مؤيدين بجماهيرنا الواعية وتساندنا وسائل الإعلام الوطنية، معركة طويلة أمام القضاء لوقف وإلغاء الصفقة المشئومة لتوريد الغاز لإسرائيل وحصلنا علي حكم نهائي من المحكمة الإدارية العليا يوم 27 فبراير 2010 يأمر بوقف تنفيذ قراري مجلس الوزراء ووزير البترول ببيع الغاز إلي إسرائيل لعدم تضمينهما آلية للمراجعة الدورية لكمية الغاز المصدر وأسعاره خلال مدة التعاقد مع إلغاء شرط الاسترشاد بسعر البترول الخام عند حد 35 دولاراً. ونوهت المحكمة في حكمها إلي ضرورة قيام وزارة البترول بمراجعة الحد الأدني والأعلي لسعر الغاز إلي إسرائيل تبعا لتطور أسعار الغاز والبترول في السوق العالمية وما يتفق مع الصالح العام المصري بإلغاء الصفقة ووجوب مراعاة شروط محددة أهمها عدم التصدير إلا بعد سد حاجة الاستهلاك المحلي، وأن يكون البيع بالأسعار العالمية وأن يراجع كل سنة.

وقد تكشفت هذه الأيام بعض جوانب مأساة إهدار الثروة القومية باستنزاف احتياطي الغاز في مصر من أجل تصديره للشقيقة والحبيبة إسرائيل، عندما عانت البلاد من انقطاع التيار الكهربائي في جميع محافظاتها وتحولت إلي حياة القرون الوسطي.

فقد دافعت الشركة القابضة للكهرباء عن نفسها واضطرت إلي كشف الحقائق التي ذكرناها في ملف الدعوي والاعتراف بإلقاء مسئولية أزمة قطع التيار علي وزارة البترول بالقول بأن أزمة الكهرباء بدأت مع تصدير الغاز لإسرائيل، وقالت إن السبب الحقيقي وراء انقطاعات الكهرباء يعود إلي نقص كميات الغاز الطبيعي المورد من وزارة البترول إلي محطات توليد الكهرباء، وأضافت أن شركات توزيع الكهرباء اضطرت لتطبيق تخفيف الأحمال في أنحاء كثيرة من الجمهورية، بسبب انخفاض ضغط الغاز المورد للمحطات، وسوء حالة المازوت، ما أدي إلي نقص في قدرات التوليد، وفقدان 1600 ميجاوات، مما اضطر شركات الكهرباء لعمليات التخفيف، التي تعقب زيادة الأحمال وأوضحت الشركة أن هذا التخفيف حدث نظرا لأن وحدات الشبكة الكهربائية مجهزة للعمل بالغاز الطبيعي كوقود أساسي، والمازوت كوقود احتياطي، إلا أنه في الفترة الأخيرة انخفضت نسبة الغاز الطبيعي المستخدم في محطات الكهرباء إلي نحو 78% بعد أن كانت 98%.

وكشف مصدر مطلع بوزارة الكهرباء والطاقة عن أن انخفاض معدل إمداد محطات الكهرباء بالغاز الطبيعي بدأ منذ عام 2004 حيث انخفض بنسبة 2%، وتزامن ذلك مع بدء وزارة البترول تصدير الغاز الطبيعي بكميات كبيرة إلي إسرائيل.

وقال رئيس الشركة القابضة للكهرباء إن استمرار انخفاض كميات الغاز المورد لمحطات الكهرباء يمثل مخالفة (ليس فقط لعدم تنفيذ الحكم واحترام سيادة القانون) بل أيضا لقرارات المجلس الأعلي للطاقة الذي يرأسه أحمد نظيف- رئيس مجلس الوزراء- بضرورة زيادة نسبة الغاز الطبيعي لمحطات توليد الكهرباء، لافتا إلي أن أزمة الوقود اضطرتنا لزيادة استخدام المازوت الذي تمدنا به وزارة البترول، إلا أنه «المازوت» غير مطابق لمواصفات تشغيل محطات التوليد مما يؤدي إلي انخفاض كفاءة وقدرات وحدات التوليد بسبب تآكل أجزاء كبيرة من مكونات الغلايات مما يتطلب ضرورة إيقافها للإصلاح.

وحاولت الشركة القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» الدفاع عن قصورها وإهدارها للمال العام بزعم أن احتياجات جميع القطاعات المستهلكة للغازات الطبيعية تتم تلبيتها بصورة منتظمة، خاصة قطاع الكهرباء. وجاء رد وزارة البترول باهتا لا يقنع أقل الناس إدراكا.

وقد أثبتنا في أوراق الدعوي أن وزارة البترول بالغت كثيرا في تقدير الاحتياطي الحقيقي من الغاز من 103 تريليونات وحدة بريطانية تكفي الاستهلاك المحلي مائة عام- علي حد قول وزير البترول.. ثم تواضعت بعد ذلك فأوصلت الاحتياطي إلي ما يقرب 70 تريليون وحدة، في حين تقدر الهيئة في أحد تقاريرها أنه لا يتعدي 30 تريليون وحدة .

والمثير للأسي والشجن معا أن نستمر في تصدير غازنا لإسرائيل بأسعار فكاهية تقل كثيرا عن أسعار توريده للمصانع والمنازل المصرية، في الوقت الذي يعاني فيه المصريون من انقطاع الكهرباء وتوقف المرافق العامة .

والغريب أن وزارة البترول قد اعترفت بعد ذلك بالمبالغة في تقديراتها المقدمة منها في الدعوي بالاعتراف باستنزاف احتياطي الغاز بتصديره لإسرائيل، حيث صرح وزير البترول بتاريخ 10 يناير 2010، بإنه تجري حالياً دراسة مقترحات استيراد الغاز الطبيعي من الخارج من خلال الخبراء المختصين بالوزارة، مشيراً إلي أن الدراسة تستهدف تحديد الجوانب الفنية والاقتصادية المتعلقة بهذه الخطوة قبل اتخاذ قرار نهائي.

وحاول الوزير في المؤتمر الصحفي تسويق اقتحام القطاع الخاص التابع إلي لوبي الغاز في مجال الطاقة، فطالب بعدم الحجر علي أصحاب مقترحات الاستيراد والتعامل معها بمنطقية، خاصة إذا ما كانت صالحة للتطبيق، مبررا التفكير في استيراد الغاز بسبب ساذج هو رغبة الحكومة في الاستفادة من المتغيرات العالمية لصناعة الغاز، تحت مزاعم انخفاض أسعاره بشكل واضح (في مصر فقط)، بينما يزداد سعر الغاز الروسي المصدر لأوروبا ليصل عشرة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. وكشف وزير البترول عن أصول وأسباب هذا التوجه أن بعض الشركات الاستثمارية العربية العاملة محليا (ديناصورات زواج الثروة والسلطة وملوك لوبي الغاز) عرضت علي الحكومة استيراد الغاز الطبيعي من الخارج، لتلبية احتياجات مشروعاتها كثيفة الاستهلاك للطاقة، سواء عبر شحنات من الدول الخليجية المنتجة للغاز مثل قطر أو التشغيل العكسي لخط الغاز العربي. وعقدت وزارة البترول اتفاقا مع بريتيش بتروليوم يعطيها الحق في امتلاك غازنا ويمكننا أن نستورد منها حاجتنا من الغاز وهذا ما طالبنا القضاء بإلغائه في دعوي منظورة أمام القضاء الإداري.

وقد أعلنا هذا الحكم بصيغته التنفيذية لوزارة البترول والهيئة العامة للبترول غير أنها امتنعت حتي الآن عن تنفيذه لتمضي في إهدار المال العام وعدم احترام أحكام القضاء والتغاضي عن سيادة القانون مستندة إلي لوبي الغاز القوي المتغلغل في أوساط السلطة، ولم تحترم هيئة البترول هذا الحكم وتجاهلته وداسته بالأقدام وكأنهم فوق القانون والدستور، وسنلاحقهم جنائيا عن هذه الجريمة واستهتارهم بمصالح الشعب وتصرفهم في ثروته وكأنها أملاكهم الخاصة، بل إنهم رفضوا أن يحيطوا المحكمة بأي تفاصيل أو اتفاقات عن صفقة التصدير المشئومة لإسرائيل.

لذلك نناشد رئيس الجمهورية أن يتصدي إلي لوبي الغاز للقضاء علي تغلغله في أوساط البترول وأن يعلي مصالح الشعب، ومن جانبنا نقول بكل قوة إنه حان الوقت لإيقاف هذا الإهدار وتنفيذ حكم المحكمة واحترام سيادة القانون ومصالح الشعب، سنلاحق المسئولين عن ذلك جنائيا أمام النائب العام والمحاكم الجنائية.

ليست هناك تعليقات: