الجمعة، ٧ مايو ٢٠١٠

المحاكمات الشعبية ما لها وما عليها

المصرى اليوم

بقلم د. عمرو هاشم ربيع

يثار من حين إلى آخر فى مصر مصطلح المحاكمات الشعبية، وهى عبارة عن محاكمات رمزية يتم خلالها قيام مؤسسات حقوقية مدنية بمحاكمة شخص عام أو أكثر، عادة ما يكون مسؤولاً تنفيذياً أو حزبياً، ينتمى للداخل أو الخارج، بسبب سلوك انتهجه. وهذه المحاكمات ليست لها صفة رسمية.

ورغم أنها لا تسبقها، كما فى المحاكمات الطبيعية، عملية تحقيق ومثول المتهمين أمامها فى الأغلب الأعم، إلا أنها تضمن لمتهميها حق الدفاع. وتصدر هذه المحاكمات أحكامها بموجب الدستور والقانون والمواثيق والأعراف الدولية.

على هذا الأساس، فإن تلك المحاكمات لا تحاكم هيئات اعتبارية كمجلس الوزراء أو النقابات أو الإدارات، بل أشخاصاً محددين، كوزير النقل بسبب حوادث القطارات، ورئيس الوزراء بسبب بيع مؤسسات القطاع العام. ولا تتضمن عمليات الاتهام فى تلك المحاكمات قضايا عامة، فلا يحاكم وزير الداخلية على تردى حالة الأمن فى مصر، بل على عدم تنفيذ أحكام القضاء، أو ضرب وملاحقة متظاهرى حركة ٦ أبريل.

ولا يحاكم رئيس الوزراء على سياساته التنفيذية عمومًا، بل على كثافة العشوائيات فى مصر، كتداعيات انهيار صخرة الدويقة، أو الضغط على محافظ القاهرة لتجنب ملاحقة نائب مدينة نصر بسبب عشوائيات البناء، أو بسبب الوقوف موقف المتفرج ببيع الأراضى للأجانب فى سيناء.. وهكذا.

وعلى الرغم مما يؤخذ على المحاكمات الشعبية من كونها تشكل شو إعلامياً للقائمين بها، أو ملاحقة تنفيذيين دون غيرهم، إلا أنه لا يمكن إنكار أنها وسيلة تهدف إلى فضح وتجريس الأشخاص الذين تتم محاكمتهم أمام الرأى العام، وهى محاكمات لا تغنى على الإطلاق عن إمكانية محاكمة متهميها آجلاً أمام القضاء الطبيعى.

وهناك عدة أسباب لانعقاد مثل هذه المحاكمات، منها أولاً: صعوبة ملاحقة الأشخاص المتهمين بسبب عدم استقلال القضاء المصرى القائم على تبعية النائب العام، وهو الشخص المنوط به تحريك دعاوى الفساد وغيرها، للسلطة التنفيذية.

وهنا تبرز على سبيل المثال، محاكمة وزير الثقافة فاروق حسنى بعد احتراق قصر ثقافة بنى سويف، ومحاكمة قيادات الحزب الوطنى بسبب تزوير الانتخابات البرلمانية وشل النقابات المهنية والعمالية.

ثانيًا: وجود ثغرات فى القوانين، كتلك التى توجد فى قانون منع الاحتكار، مما أدى إلى محاكمة أحمد عز محتكر الحديد أو تجار الأسمنت فى مصر.

ثالثًا: الضغط على القضاء الطبيعى أثناء نظر موضوع محدد أمامه، كالمحاكمة الشعبية لرئيس الوزراء ووزير النقل ولحسين سالم بسبب تصدير الغاز للعدو الصهيونى، ومحاكمة وزير النقل ورئيس مجلس الشورى وممدوح إسماعيل بسبب حادث العبارة السلام وتهريب الفاعل الرئيسى فيه.

رابعًا: استحالة ملاحقة المتهمين بسبب جنسيتهم الأجنبية ومناصبهم التنفيذية فى آن واحد، مثل محاكمة بوش وتونى بلير على غزو بلادهما للعراق، ومحاكمة شارون على جرائمه بحق الشعب الفلسطينى.

أما بالنسبة للجدوى المتحققة بالفعل من تلك المحاكمات، فإنها لا تفضى عادة لشىء، إذ إن النظام السياسى القائم تبلد وتكلس عن ملاحقة الفساد، الذى أصبح منظمًا أكثر من النظام نفسه، وهو ما يتضح فى وضع مصر فى مرتبة متدنية للغاية فى سلم الشفافية الدولية وفقًا لتقرير منظمة الشفافية، كما أن عجز أجهزة الرقابة البرلمانية والقانونية عن ملاحقة الفاسدين يعد سببًا آخر لعدم جدوى إلحاق تلك المحاكمات بمحاكمات حقيقية.

وكل هذه الأمور مردها يرجع إلى حالة الخلل بين السلطات القائم فى مصر على هيمنة «حكومة الرئيس» على مقدرات الأمور، وبسبب المواقع التنفيذية والبرلمانية لدى المتهمين فى غالبية تلك المحاكمات، مما يكسبهم، فى دولة كمصر قائمة على الحكم الشمولى وهيمنة الأمن على مقدرات أمورها، حصانات لا حدود لها.

ليست هناك تعليقات: