الأحد، ١٦ أغسطس ٢٠٠٩

دعوة لتشكيل لجنة تقصى حقائق فى قضية «سياج»

المصرى اليوم

بقلم د.حسن نافعة

اتصل بى رجل أعمال بارز فور نشر مقال الأسبوع الماضى، موضحاً: ١ - أن حسين سالم، وبناء على أمر مباشر من الرئيس مبارك، باع حصته فى شركة «غاز الشرق»، التى تتولى مد الأردن وسوريا ولبنان بالغاز إلى الدولة المصرية التى أصبحت تملك أسهم هذه الشركة بالكامل. ٢- قام حسين سالم مع آخرين بتأسيس شركة «شرق المتوسط»، التى تتولى مد إسرائيل بالغاز. أما الدكتور عاطف عبيد، فلم يكتف بالتصريحات التى انتقدناها فى مقال الأسبوع الماضى، وإنما أضاف إليها تصريحات جديدة يفهم منها:

١ - عدم وجود علاقة لحسين سالم بقضية سياج. ٢- أن سحب الأرض من شركة سياج يعود إلى إخلالها بالتزاماتها، وعدم احترامها للجداول الزمنية الخاصة بتنفيذ المشروع الذى تعاقدت على إقامته على الأرض المباعة لها. ٣- موقف الحكومة المصرية فى القضية قوى.. وقناعته الكاملة بأن الحكم النهائى سيصدر لصالحها. (راجع «الأهرام»: ٦/٨، و«المصرى اليوم»: ١٢/٨).

وإذا كانت تصريحات رجل الأعمال ـ الذى طلب عدم ذكر اسمه ـ تنطوى على جانب من الصحة، فإن تصريحات عاطف عبيد تتناقض مع كل ما هو ثابت قطعيا فى أوراق القضية، وبالتالى لا تستهدف، فى تقديرى، سوى تضليل الرأى العام وخداعه ودفعه للتعلق بأوهام لا طائل من ورائها. وقد كشفت «المصرى اليوم» بالمستندات فى عددها الصادر يوم ١٢/٨، أن حسين سالم ونجله خالد امتلكا فى شركة غاز الشرق عند تأسيسها، أسهما تتيح لهما حق تمثيل الشركة والتوقيع باسمها.

ورغم يقينى الكامل بأن كل مصرى يتمنى أن ينجح الدكتور كمال أبوالمجد فى جهوده الرامية إلى «إبطال الحكم» الصادر ضد الحكومة المصرية، فإننى أعتقد أن الدكتور أبوالمجد أول من يدرك حجم الأخطاء المهولة، التى ارتكبتها الحكومة، والتى تحتاج إلى معجزة لإنقاذها من تبعاتها، وبالتالى فإن أقصى ما يمكن أن يحققه هو تخفيف حجم هذه التبعات وليس إثبات براءة الحكومة. لذا فإن الشعب المصرى لا يصدق تصريحات عاطف عبيد، ويرى فيها مجرد حقن مخدرة، ويدرك الآن بوضوح أنها تهدد مستقبله.

من هنا أرى أنه بات لزاما على النخبة المصرية ألا تنتظر نتيجة دعوى «إبطال الحكم»، التى لن تغير شيئاً من جوهر القضية فى جميع الأحوال، وأن تبدأ منذ الآن فى المطالبة باتخاذ إجراءات تساعدها على استخلاص الدروس الصحيحة، والاستفادة منها فى بناء مستقبل أفضل. ولضمان الحركة فى الاتجاه الصحيح علينا أن ننتبه إلى أمرين على جانب كبير من الأهمية:

الأمر الأول: أن نحذر من كل اتجاه يحاول إلقاء المسؤولية على «هيئة الدفاع عن الحكومة» وكأنها السبب الرئيسى فى خسارة القضية. فعلى الرغم من أن ارتكاب أخطاء مهنية هو أمر وارد دائماًً، فإنه ليس بوسع الدفاع، مهما كانت مهارته، أن يتمكن من إنقاذ المجرم الفعلى من حبل المشنقة فى كل الحالات.

الأمر الثانى: أن نحذر من كل اتجاه يسعى للتهوين من شأن الغرامة المالية ويحاول إظهارها وكأنها ثمن يهون إذا ما قورن بالتفريط فى أمن الوطن، الذى تعرض للخطر بعد ثبوت تعامل سياج مع إسرائيل. فالثابت من الأوراق أن تعامل سياج مع شركة لومير الإسرائيلية لم يكن السبب الحقيقى لسحب الأرض، بدليل أن المستفيد الوحيد الظاهر من كل ما جرى هو أحد المعروفين بعلاقاتهم الواسعة برجال الأعمال وصناع القرار فى إسرائيل.

ولأننا نشم فى هذه القضية رائحة فساد كبير، يزكم الأنوف، دون أن نمتلك فى الوقت نفسه دليلا دامغا عليه، فإن الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق يكمن فى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة، لاستجلاء الحقيقة كاملة فى هذه القضية بجميع أبعادها. لذا أهيب بالنخبة السياسية على اختلاف ألوانها ومشاربها، أن تضع الدعوة إلى تشكيل مثل هذه اللجنة على رأس اهتماماتها فى المرحلة المقبلة، خصوصاً أن للقضية التى نحن بصددها أبعاداً كثيرة، تتجاوز سوء استغلال النفوذ وتمتد لتمس أمن مصر وتبديد ثرواتها بطريقة تنم عن استهتار بالغ.

ونظرا لأن اسم حسين سالم تردد كثيرا فى المقالات السابقة، فقد ألح بعض القراء على طلب تزويدهم بأكبر قدر ممكن من المعلومات عن هذه الشخصية التى يكتنفها الكثير من الغموض. ولأن معلوماتى عنها لا تزيد كثيرا عما هو متاح على الإنترنت ويصعب التحقق من صحتها بنسبة مائة فى المائة، فسأكتفى هنا بعرض أهم ما هو متاح من معلومات، له صلة بالقضية المطروحة للنقاش هنا، وهى معلومات استقيتها من عدة مواقع على الإنترنت، خاصة موقع «المعرفة»، وذلك على النحو التالى:

١- ولد حسين سالم عام ١٩٢٨، وخدم فى القوات الجوية قبل أن يتم اختياره للعمل فى المخابرات العامة المصرية، حيث ألحق بشركة النصر للاستيراد والتصدير عام ١٩٦٧، ثم بمكتب المشتريات فى واشنطن خلال النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضى. ويقال إنه تعرف على الرئيس مبارك فى مرحلة مبكرة من حياته، ويعد أحد أهم أصدقائه المقربين.

٢- لا يعرف على وجه التحديد تاريخ بدء نشاطه كرجل أعمال، غير أن اسمه ارتبط بالاستثمارات فى شرم الشيخ، وتوسعت استثماراته هناك لدرجة أنه يقال إنه يمتلك خليج نعمة بكل ما فيه من فنادق وكافيتريات وبازارات. وقد اشتهر فى هذا السياق بملكيته فندق «جولى فيل» الشهير فى شرم الشيخ، وقيامه ببناء قصر على أحد أطرافه وإهدائه للرئيس مبارك بعد تجهيزه بأحدث المعدات، ليتحول إلى مقر شبه دائم له. كما قام ببناء مسجد فى هذه المدينة تكلف ٢ مليون جنيه وأهداه للقوات المسلحة.

٣- بدأ اسمه يظهر لأول مرة فى وسائل الإعلام عام ١٩٨٦، حين قدم النائب الوفدى علوى حافظ استجوابا فى مجلس الشعب المصرى حول قضايا الفساد فى مصر، استعان فيه بمعلومات وردت فى كتاب ألفه الصحفى الأمريكى الشهير بوب وودوارد بعنوان «الحجاب»، تشير إلى حسين سالم باعتباره أحد المؤسسين الأربعة لشركة «الأجنحة البيضاء» التى تعد المورد الرئيسى لتجارة السلاح فى مصر.

٣ - نقل على لسانه أنه بادر عام ١٩٩٨ بتأسيس شركة «غاز الشرق» لتوريد الغاز المصرى لكل من الأردن وسوريا ولبنان، وبعد توقيع العقود تنازل عن حصته البالغة ٦٥% من الأسهم، مفسرا انسحابه ـ حسب ما ورد على لسانه فى صحيفة «المصرى اليوم» ـ بالرغبة فى الحيلولة دون (وجود شبهة تعارض مصالح بين شركة «غاز الشرق» و «شركة شرق المتوسط»).

٤ - كان يفترض أن تكون شركة «غاز الشرق» هى الشركة الوحيدة المسؤولة عن تصدير الغاز إلى الدول الواقعة على حدود مصر الشرقية، بما فيها إسرائيل، غير أن هذه الأخيرة أصرت على أن يتم توريد الغاز لها من خلال خط منفصل خاص بها. لذا سارع حسين ببيع أسهمه فى «غاز الشرق»، ربما بناء على طلب الرئيس، وإنشاء شركة شرق المتوسط عام ٢٠٠٠ التى امتلك فيها حصة تعادل ٥٦% من الأسهم، وبمشاركة كل من الحكومة المصرية (١٠%) ورجل الأعمال الإسرائيلى لوسى ميمان (٢٥%).

٥ - يقال إن حسين سالم لم يعد يمتلك فى شركة شرق المتوسط سوى ١٨% من الأسهم وباع مؤخرا الجزء الأكبر من حصته بمبلغ ٩٦٧ مليون دولار (على الرغم من أن نصيبه فى تكلفة المشروع كله لم يتجاوز ٣٠٥ ملايين دولار، سدد معظمها بقروض قدمها البنك الأهلى!).

لا يوجد فى هذه المعلومات بحد ذاتها ما يدين حسين سالم أو حتى يصلح لاتهامه بالفساد، لكن أظن أن فيها ما يكفى لإثارة شبهات كثيرة حول احتمال إساءة استغلال النفوذ فى قضية سياج. ولأن أحدا لا يملك توجيه الاتهام لكائنٍ مَن كان، ناهيك عن إدانته أو التشهير به، فلا نملك سوى المطالبة باستجلاء الحقيقة بواسطة لجنة تحقيق مستقلة.

وربما يتصور البعض أن أهمية هذه المطالبة تكمن فى إمكانية تحميل حسين سالم، وليس الدولة، مسؤولية دفع التعويض فى حالة ثبوت دوره فى قضية سياج، غير أن هذا ليس سوى الجزء العائم من جبل الثلج.

أما الجزء الغاطس منه فهو أكبر وأهم بكثير. فأى لجنة تحقيق مستقلة فى هذه القضية لا بد وأن تكشف النقاب عن أمرين على جانب كبير من الأهمية، الأول: التبديد الذى تعرضت له ثروة مصر من الغاز الطبيعى ولحساب من؟

والثانى: ماذا فعلت شركة «غاز الشرق» ببقية الأرض المصادرة من سياج، والتى لم تكن تحتاج منها سوى خط طولى بعرض ١٥٠ متراً فقط لمد أنابيب النفط؟.. فى قضية سياج رائحة فساد كبير.. من مصلحة مصر ومستقبلها، بل ومصلحة الرئيس مبارك شخصياً، الكشف عنه بأقصى قدر من الشفافية.

ليست هناك تعليقات: