الاثنين، ١٥ يونيو ٢٠٠٩

الحديث الأجرأ للتليفزيون المصري

الدستور

فادية الغزالي حرب

منذ فترة طويلة لم يجر التليفزيون المصري حديثا مع رئيس الجمهورية بهذا القدر من الوضوح والجرأة والحرفية كالذي اتسم به الحديث الأخير الذي أجراه الإعلامي المخضرم عبد اللطيف المناوي مع الرئيس مبارك في عز الحر بمدينة أسوان، فقد بدأ الحوار بعيدا عن الصيغ التقليدية التي يحفظها المواطن المصري أبا عن جد الجد! وأعني الشكر علي إتاحة الفرصة وسط المشاغل العديدة وكذلك الاعتذار عن التسبب في اقتطاع جزء من الوقت الثمين، تناول المحاور في حديثه عدة نقاط مهمة وخطيرة عبرت بقوة عما يجول بخاطر المصريين،
فسأل الرئيس عن مصير قانون الطوارئ وما أحدثه من آثار كارثية علي مصر وكيف أساء لسمعة حكمه المديد، سأله عن هوس التوريث الذي يسيطر علي العامة والخاصة وينشغل به جميع المحللين السياسيين في الداخل والخارج، وهل فكر سيادته في إلغاء التعديل سيئ السمعة للمادة 76من الدستور والتي تسمح بأكثر من مرشح لرئاسة الجمهورية عن طريق الانتخاب المباشر بشرط حصول المرشح علي تأييد 250 عضواً من المنتخبين في مجلسي الشعب والشوري والمجالس المحلية، ولماذا لم يفكر في تغيير المادة 74 الخاصة بسلطات رئيس الجمهورية والمادة 77 المتعلقة بمدة الرئاسة.. ولماذا وما الدوافع التي جعلته يقدم علي تغيير المادة 76 بعد أسابيع قليلة من تصريحه بأن التفكير في تعديل الدستور أمر باطل؟!.. ثم سأله عن مدي ثقته في نزاهة انتخابات مجلسي الشعب والشوري، وهل ضميره كإنسان وكرئيس راض عنها؟!.. ولأول مرة يتم مناقشة الرئيس عن وضع المنظمات الدولية مصر في مقدمة الدول التي تنتهك حقوق الإنسان، وانتهاك آدمية المواطنين في أقسام الشرطة وكيف يري ظاهرة الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية... سأله عن ظاهرة الفساد في مصر وهل تحميه السلطة كما يدعي البعض؟.. وضرب بعض الأمثلة الشهيرة، منها قضية المبيدات المسرطنة والعبارة، ومنح أحد وزراء الإسكان السابقين وساما رغم ثبوت ضلوعه في قضايا فساد، ثم استطرد الإعلامي الكبير فسأل بجرأة وبأدب جم: سيدي الرئيس لقد رفعتم شعار الشفافية منذ اليوم الأول لتوليكم السلطة في مصر ومن هذا المنطلق ماذا تقولون سيادة الرئيس للمواطن البسيط إذا أراد أن يعرف تفاصيل الذمة المالية لكل من يريد أن يرشح نفسه للرئاسة؟، ثم واصل: كنتم دائما نموذجا للجدية والتفاني في العمل فكيف ترون رجال أعمال جمعوا ثروات تقدر بالمليارات في فترة تتراوح بين عشرة وخمسة عشر عاما علي الأكثر وكيف تحقق لها ذلك في بلد يعيش أغلبيته علي الحد الأدني من الدخل وما دون ذلك بكثير ويموت صبية صغار في مراكب الهجرة غير الشرعية سعيا للحصول علي فرصة عمل في بلاد الغربة، وتساءل الإعلامي المعروف عن المقصود بالأمن القومي وهل الأمن القومي يعني أن ينفرد رئيس الجمهورية باتخاذ ما يراه من قرارات وعقد صفقات واتفاقيات أو معاهدات تمس هذا الأمن، بإرادته المنفردة؟، ولماذا لم تعرض اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل علي مجلس الشعب؟، وما شعوره كمحارب قديم في موضوع مد إسرائيل بالغاز المصري الذي يغزي المستوطنات والآلة العسكرية الإسرائيلية في مواجهة الشعب الفلسطيني الأعزل؟!، وتساءل في براءة عما إذا كان الرئيس الأمريكي أوباما قد سأله عن ما آلت إليه جامعة القاهرة التي خاطب تحت قبتها العالم الإسلامي وعن منزلتها بين جامعات العالم ومساهماتها في مجال البحث العلمي ولماذا لم يختر الدكتور أحمد زويل مستشارا له بدلا من أن يكون مستشارا لأوباما؟!، ولم يفت الإعلامي النابه أن يتعرف علي الجانب الآخر من شخصية الرئيس، فسأله عن الصفات المميزة والمؤهلات الخاصة لمسئولين رافقوه طوال فترة حكمه كالدكتور زكريا عزمي والسيد صفوت الشريف، وذكرياته، أصدقائه، طموحه وأحلامه في شبابه الأول، وهل كان يتصور عند اضطلاعه بمنصب رئيس الجمهورية أن يبقي كل هذه المدة؟.. ثم كانت خاتمة الحديث المفاجئة بسؤاله عن المخاوف من ترك كرسي الرئاسة وعزوفه عن اختيار نائب وهل صحيح أنه يتشاءم من وجود نائب له كما يعتقد البعض؟.. كان حديثا غير مسبوق بالفعل يحسب للإعلام الحكومي ويعلن فطاما حقيقيا بين الإعلام والحكومة، ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الإعلامي المحنك أجري حوارا حرا تماما، لم يمر من بوابة الأمن ولا خضع لتعليمات وزير الإعلام ولا للمحاذير الدقيقة لرجالات رئاسة الجمهورية، كان حوارا خالصا لوجه الله والوطن، وطن الناس في الحواري والأزقة التي لا تمر بها المواكب، وطن المشغولين بلقمة العيش الحلال والقانعين بشظف الحياة، الذين لا يملكون رفاهية الغضب والرغبة في حتي السؤال، لكنهم يضحكون ويلقون النكات كما فعلت أنا الآن، فهل أضحكتك عزيزي القارئ ؟!

ليست هناك تعليقات: