الجمعة، ١٥ مايو ٢٠٠٩

الحكومة زادت 9 مليارات جنيه علي موازنة الأجور في 2010..

الدستور

لكن التضخم يتجاوز الـ20% ليأكل أضعاف هذا الرقم من جيوب الموظفين

خبراء: الحكومة تتعمد اعتماد حساب الأجور الرسمية في مؤشراتها دون الأجور الحقيقية التي تراعي معدل التضخم
الموظف يتقاضي من 20 إلي 112 جنيهاً كراتب أساسي.. والبنك الدولي يؤكد أن الحد الأدني للكرامة 1500 جنيه شهرياً

كتب ـ كرم أصلان:

لا يجد وزير المالية يوسف بطرس غالي حرجاً من الاحتفاظ بإجابة واحدة لا يعرف غيرها.. كلما واجه طلباً شعبياً أو برلمانياً بزيادة الأجور والرواتب وغيرها من مطالب إنقاذ الفقراء في مصر ألا وهي «هنجيب منين».

بينما يعرف غالي جيداً الكثير من إجابات التبرير لمطالبه المستمرة، بزيادة مخصصات الدعم «لرجال الأعمال» كانت آخرتها إلحاحه علي نواب مجلس الشعب للموافقة علي زيادة دعم صندوق الصادرات بمبلغ 2،2 مليار جنيه دفعة واحدة.

حتي بات 28% من قوة العمل «العاملين بالجهاز الحكومي» يتقاضون ما بين 20 و40 جنيهاً كراتب أساسي للأغلبية منهم.. وصار جملة ما يتقاضاه موظف الدرجة الثالثة في عام كامل 1608 جنيهات فقط.. في وقت تؤكد تقارير البنك الدولي أن العامل لابد أن يتقاضي ما لا يقل عن 1500 جنيهاً شهرياً فقط ليعيش بأدني حد للكرامة.


كما طالب العاملون بزيادة الحد الأدني للأجور وإصلاح هيكل الأجور والرواتب المطبق منذ عقود طويلة، تحججت الحكومة بأنه لا توجد موارد مالية كافية وأن أي زيادة حقيقية في الأجور والرواتب سوف تؤدي إلي تفاقم وزيادة عجز الموازنة.

وتعتبر الأجور قضية مصيرية بالنسبة للعاملين والموظفين الذين بلغ عددهم وفقاً لما جاء في مشروع الموازنة العامة للدولة في العام المالي الجديد 2009/2010 نحو 6 ملايين عامل وموظف يعولون قرابة الـ 28 مليون نسمة أي نحو 28% من إجمالي سكان مصر، حيث تفتقر سياسة الأجور التي تطبقها حكومات الحزب الوطني الديمقراطي المتعاقبة في عهد الرئيس مبارك إلي أبسط قواعد العدالة، حيث إن الأجر الأساسي في كل القوانين المنظمة للأجور في مصر هو أجر هزلي تماماً لا يكاد يكفي احتياجات فرد واحد فما بالنا إذا كان هذا الفرد يعول أسرة مكونة من 5 إلي 6 أفراد بينما يصل الأجر المتغير إلي أضعاف الراتب الأساسي وهو ما يجعل العامل أو الموظف يستجدي رضا رؤسائه حتي لا يحرم من نعيم الأجر المتغير والمتمثل في الجوافز والبدلات.. فالأجر الأساسي الشهري لموظف درجة السادسة في الجهاز الحكومي يبدأ من 20 إلي 40 جنيهاً وعلاوته الدورية لا تزيد علي بضع جنيهات، إذ يرتفع هذا الأجر الأساسي لنفس الدرجة «السادسة» للعاملين في القطاع العام إلي ما بين 35 و67 جنيهاً، أما الراتب الأساسي لخريج الجامعة من حملة المؤهلات العليا والذي ظل طوال 16 عاماً في المتوسط يدرس ويجتهد ويكرس جهده ليتمكن من الحياة بكرامة، يحصل في النهاية علي وظيفة لا يزيد أجرها علي 33 جنيهاً لموظف الدرجة الثالثة وينتهي عند نحو 112 جنيهاً بحد أقصي 1608 جنيهات سنوياً وعلاوة دورية لا تزيد علي بضع جنيهات أيضاً، أما وكيل الوزارة الذي يعمل في الجهاز الحكومي، فإن راتبه الأساسي يبلغ 181 جنيهاً و25 قرشاً فقط، بينما لا يحصل علي علاوات دورية في حين يبلغ راتب نظيره في القطاع العام نحو 217 جنيهاً فقط.

ومما يزيد من معاناة العاملين بالجهاز الحكومي للدولة تلك الفروق بين متوسط أقل وأعلي أجر شهري التي بلغت حسب الدراسة التي قام بها الدكتور سمير رضوان رئيس منتدي البحوث الاقتصادية السابق والخبير الاقتصادي المعروف نحو 30 ضعفاً حيث بلغ متوسط الأجر الشهري لموظفي قطاع الأعمال العام نحو 7156 جنيهاً سنوياً في حين أن متوسط هذا الأجر الشهري للعاملين في وزارة الأوقاف 235 جنيهاً فقط ويرتفع إلي 408 جنيهات في وزارة القوي العاملة بينما يصل إلي 432 جنيهاً في وزارة الري في حين يقفز هذا الأجر إلي نحو 5283 جنيهاً للعاملين في المجلس القومي للمرأة، وينمو بشكل كبير ليصل إلي نحو 6059 جنيهاً للعاملين بوزارة الخارجية.

وتشير بيانات الموازنة العامة الجديدة للعام المالي 2009/2010 التي أعلنها وزير المالية أمام مجلس الشعب الأحد الماضي إلي أن مخصصات الأجور سوف ترتفع إلي نحو 86 مليار جنيه مقارنة بـ77 مليار جنيه في موازنة العام المنتهي 2008/2009 أي بزيادة نسبتها 7،11 في حين أن معدل التضخم بلغ نحو 2،20 في نهاية عام 2008، فيما انخفض إلي نحو 5،13% في نهاية فبراير الماضي، ورغم ذلك فإن تقديرات صندوق النقد الدولي للتضخم في مصر خلال عام 2009 الجاري تصل به إلي نحو 1،16 مما يعني أن القدرة الشرائية لمخصصات الأجور «أي الأجور الحقيقية في الموازنة العامة للدولة» لم ترتفع وإنما تراجعت وأن مستويات معيشة العاملين في الدولة وأسرهم سوف تتعرض للمزيد من التراجع رغم أن غالبيتهم الساحقة يتراوحون بين حد الفقر المدقع «أقل من دولار واحد في اليوم» وبين حد الفقر العام «أقل من دولارين للفرد في اليوم»، وذلك في حالة اعتمادهم علي أجورهم فقط في إعاشة أنفسهم ومن يعولونهم.

وتشير بيانات وزارة المالية إلي أن مخصصات الأجور في الموازنة العامة للدولة بلغت نحو 42 مليار جنيه خلال عام 2004/2005 وزادت إلي 7،63 مليار في عام 2007 وهذا يعني أن حصة أجور العاملين بالدولة من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية بلغت نحو 8،7، 7،7% 1،7% في الأعوام المالية المذكورة بالترتيب أما في الموازنة الجديدة، فإن هذه المخصصات الخاصة بالأجور بلغت نحو 2،7% من الناتج المحلي الإجمالي وهو ما يعني أن مخصصات الأجور نسبة إلي الناتج المحلي الإجمالي تراجعت مع نظيف من 8،7% إلي 2،7% طبقاً لمشروع الموازنة العامة للعام المالي المقبل.. ووفقاً لما جاء في دراسة «الموازنة العامة للدولة ـ التمويل والإنفاق والانحيازات الاجتماعية والاقتصادية» التي أعدها «التجار» فإن حصة المكافآت والبدلات والمزايا النقدية بلغت نحو 7،56% من مخصصات الزجور وما في حكمها في موازنة العام المالي المقبل 2009.2010 بينما تبلغ حصة المزايا التأمينية نحو 10% من مخصصات الأجور، أي أن الأجور الأساسية تشكل أقلية صغيرة من إجمالي مخصصات الأجور وما في حكمها، الأمر الذي يترتب عليه أن يصبح ولاء العامل لرئيسه وليس للعمل نفسه، لأن هذا الرئيس بيده تحديد قيمة الدخول الإضافية للعامل أو الموظف، من مكافآت وبدلات وحوافز وأرباح، ولابد أن يكون الأجر الأساسي للعامل هو أساسي دخله من العمل ولا تزيد الدخول الإضافية من بدلات وحوافز ومكافآت شهرية علي 100% من هذا الراتب الأساسي.

وتوضح الدراسة أن مشكلة الأجور في مصر تكمن في أن كل الحسابات الحكومية حول الأجور وزيادتها تتعامل مع الأجور الاسمية وليس مع الأجور الحقيقية، رغم أن الأخيرة وحدها هي التي تعكس التحسن أو التراجع في أجور العاملين ومستويات معيشتهم، فلابد من مراعاة التغيرات في الأسعار عند تقدير الأجور الاسمية حتي يتم رفع الأجور الحقيقية ومستويات معيشة العاملين فعلياً.

كما أوضحت الدراسة أنه فضلاً عن ضعف مخصصات الأجور، فإن توزيع الأجور وما في حكمها علي العاملين يتسم بعدم عدالة حقيقية، فمقابل التدني الشديد للأجور الأساسية للموظفين في الجهاز الحكومي هناك قلة من القيادات الإدارية تحصل علي دخول أسطورية من البدلات والعمولات والحوافز والمصاريف والأرباح والمكافآت، ولا توجد أي علاقة بين أقصي دخل وأقل دخل في الجهاز الحكومي والقطاع العام والهيئات الاقتصادية، مع أن كل نظم الأجور المحترمة تشترط ألا يزيد أعلي أجر شامل علي 15 ضعف أقل أجر.

فيما طالبت الدراسة بإصلاح نظام الأجور ووضع حد أدني لها يرتبط بتكاليف المعيشة 550 جنيهاً وفقاً لتقديرات المجلس القومي للأجور و835 جنيهاً وفقاً لتقديرات اتحاد العمال، كما أن إصلاح نظام الأجور الفاسد يتطلب تغيير الحد الأدني للأجور سنوياً بنفس معدل التضخم علي الأقل.

ويري جمال زهران ـ عضو مجلس الشعب ـ أن نظام الأجور في مصر متهالك ولم يعد يجدي معه الترقيع الذي تقوم به الحكومة من وقت لآخر عبر العلاوة الاجتماعية.

وأضاف: ذرائع الحكومة بعدم وجود موارد مالية كافية لرفع العلاوة إلي نحو 20%، ووضع حد أدني معقول للأجور ذرائع واهية ولا أساس لها من الصحة.

وطالب زهران بضرورة تعديل قانون الضرائب لتصبح الضريبة علي الدخل ضريبة تصاعدية أسوة بما هو معمول به في أكبر النظم الرأسمالية في العالم والذي تصل فيه نسبة الضريبة علي الدخل لنحو 45% وليس 20% فقط كما هي الحال لدينا.

فضلاً عن ضرورة تعديل أسعار تصدير الغاز إلي الخارج لأن ذلك سوف يوفر مبالغ كبيرة نستطيع من خلالها توفير الموارد المالية اللازمة لإصلاح نظام الأجور والرواتب دون التحجج لا بعجز الموازنة أو عدم توافر موارد مالية لتغطيتها أو ترديد السؤال السخيف: هنجيب منين؟

فيما يؤكد إلهامي المرغني ـ الخبير الاقتصادي ـ أن زيادة العلاوة الاجتماعية لم تعد تجدي نفعاً مع نظام الأجور المتهالك، كما لن تساعد علي توفير الحد الأدني من الحياة الكريمة للعاملين، لأنه وفقاً لتقدير البنك الأول فإن الأجر الأساسي للعامل لا يجب أن يقل عن 1500 جنيه حتي يستطيع إشباع الحاجات الأساسية من مأكل وملبس بينما سياسة الأجور التي تطبقها الحكومة وتصر عليها هي سياسة تشجع علي الفساد وتجعل الموظف يضطر إلي قبول الرشوة حتي يستطيع تلبية احتياجاته الشخصية واحتياجات أسرته.

ليست هناك تعليقات: