الخميس، ٢٦ فبراير ٢٠٠٩

السفير إبراهيم يسري يكتب:عقد تصدير الغاز لـ «إسرائيل»ليس جزءاً من اتفاقية كامب ديفيد

البديل

لأن مصر لم تكن اكتشفت الغاز وقت توقيع الاتفاقية
تنشر «البديل» هذا المقال الذي كتبه السفير إبراهيم يسري للرد علي مقال الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد في «الأهرام» بتاريخ 21 فبراير.. وكان إبراهيم يسري قد أرسل المقال لـ «لأهرام» عملاً بحق الرد لكنه لم ينشر حتي تاريخ إرساله لـ «البديل» أمس.
لابد أن أقول في البداية إنني واحد من القراء الدائمين للأستاذ الكبير مكرم محمد أحمد، وهو أحد فرسان الصحافة المصرية لعدة عقود، وقد ترك في كتاباته وتحليلاته المتعمقة في الصحف القومية بصمات واضحة تثري الصحافة، وترسم الطريق أمام شباب الصحفيين الجدد، كما أنه يتحمل- فضلاً عن ذلك- مسئولية كبيرة باعتباره نقيباً للصحفيين وأميناً علي السلطة الرابعة في الدولة.
وأرجو أن أعبر لكاتبنا الكبير عن شيء كبير من الامتنان، لأنه اهتم بموضوع تصدير الغاز لإسرائيل، وإذ أسمح لنفسي، بموجب حق الرد، أن أعقب- ضمن الجانب القانوني الذي اتحمل مع زملاء من كبار المحامين الوطنيين مسئوليته أمام القضاء- علي مقاله المنشور بجريدة الأهرام يوم 21/فبراير/2009، كما أكرر امتناني لأنه نجح بحكم إتصالاته الوثيقة بلوبي البترول في الحصول علي معلومات قيمة تنشر لأول مرة مما يساعد في تبديد ظلام السرية الكثيفة التي أضفتها وزارة البترول علي كل ما يتعلق بهذه الصفقة، لأسباب مازالت غامضة تثير الكثير من التساؤلات، ونرجو أن يكون ذلك فاتحة لسياسة جديدة تتناول فيها وزارة البترول هذا الموضوع بشفافية كاملة تبين للشعب كيف تتم إدارة ثرواته الطبيعية، بدلاً من أن تنكر علي الشعب ونواب الشعب حق معرفة تفاصيل الصفقة التي سجلناها أمام قضاء مصر الشامخ، وحصلنا منه علي حكم تاريخي سينضم لغيره من أهم إنجازات قضاء مجلس الدولة منذ قيامه.
وأحب أن أكرر هنا ما أكدت عليه في وثائق الدعوي من أننا لا نقوم بالتشكيك في نزاهة أو وطنية رجال البترول، وإننا نختصم قرار إبرام الصفقة دون التعرض للأشخاص بصفتهم.
ومن واجبي أن أشيد بما ذكره أستاذنا الكبير- من واقع اتصالاته الوثيقة برجال البترول- من حقائق لم تعلن من قبل، وأخص بالذكر النقاط الإيجابية التالية:
> إن عقد توريد الغاز المصري إلي إسرائيل لا ينطوي علي أي نوع من الإذعان يكبل إرادة الجانب المصري، وهو الاعتقاد السائد المتولد عن عدم الشفافية وعن وضع خطوط حمراء حول تناول الموضوع في البرلمان ووسائل الإعلام وهذا يزيل من الأذهان ما رسخ لدي البعض من أن هذه الصفقة مفروضة علينا بإرادة إسرائيلية ولا نستطيع الفكاك منها.
> إن عقد تصدير الغاز يكفل لمصر حق إعادة التفاوض حول بنود الأسعار متي ثبت أن الاتفاق أصبح غير متوازن بسبب المتغيرات المفاجئة التي طرأت علي أسعار الغاز، ولا تحميه نصوص خفية في اتفاقية السلام، ولا تحصنه أعمال السيادة من رقابة القضاء، وهو كل مرادنا من طرح دعوانا علي القضاء بعد ما شهدناه من امتناع يسوده الغموض من رجال البترول عن بحث ضرورة إعادة النظر في الصفقة.
> إنه قد كيف الصفقة بأنها قد تمت بموجب عقد تجاري مصري مع إسرائيل شأنه شأن كل عقود تصدير الغاز طويلة الأمد، وليس باتفاقية أو عمل من أعمال السيادة، كما ذهبت وزارة البترول، وأصرت علي ذلك في كل وقائع دفاعها عن الصفقة، بل قوّلت المدعي ما لم يقله من أنه يطعن في اتفاقية السلام التي تستخدم كفزاعة هذه الأيام، وهو ما لم يرد له ذكر في أوراق الدعوي، وعلي كل حال فما زال الأمر محل نظر القضاء في الطعن غير المبرر علي الحكم التاريخي الصادر لمصلحة الشعب.
> إن هناك مفاوضات غير معلنة (لا أدري لماذا) تجري بين الجانبين المصري والإسرائيلي حول تحديد سعر جديد للغاز يوافق المتغيرات التي طرأت علي الأسعار العالمية وأنها قد قاربت علي الانتهاء وأن السعر الجديد لن يقل عن السعر الذي تم الاتفاق عليه أخيراً مع الإسبان، وأنه في إطار هذه السياسات الجديدة تعيد مصر التفاوض مع الجانب الإسرائيلي حول أسعار تصدير الغاز بحيث تواكب الأسعار العالمية التي تجاوزت في بعض العقود العالمية 7 دولارات لكل مليون وحدة حرارية.
أضيف هنا ما أكده الخبراء من أن أسعار الغاز تصل أحياناً إلي 16 دولارا للمليون وحدة حرارية، بينما نبيع هذه الوحدة بدولار وربع فقط، وهي تضحية ضخمة يصعب تبريرها لصالح الدولة العبرية، والأمل أن تتم هذه المفاوضات في وضح النهار وتحت رقابة البرلمان وموافقة رئيس الجمهورية.
وعلي قدر هذه الإيجابيات المهمة فليسمح لي كاتبنا الكبير أن اختلف معه- علي قدر علمي- في عدد من المقولات التي نقلها عن وزارة البترول، والتي تعتبر ترديداً لآرائها وتعزيزاً لدفاعها عن الصفقة:
يقول كاتبنا الكبير إن العقد المصري لتوريد الغاز مع إسرائيل هو جزء من اتفاقيات كامب ديفيد، وإذ لا صحة لهذا الاستنتاج من حيث الواقع حيث إننا لم نكتشف الغاز عند توقيع اتفاقية السلام (وليس إطار السلام) في كامب ديفيد، كما أنه لا يجد أساساً من القانون الدولي، حيث تقع باطلاً بطلانا مطلقاً أي قيود تضعها اتفاقيات السلام علي حرية الدولة في التصرف في ثروات شعبها، وإلا توفر الإذعان والخضوع لإرادة إسرائيل الذي يسرنا أن تفضل سيادته فنفاه عندما قال: يسعي البعض (لغرض في نفس يعقوب وهي إشارة غير مفهومة) إلي تصوير مصر وكأنها الطرف الأضعف في علاقة تملك فيها إسرائيل شرط الأسد كما يقولون.
وحول ما نفاه عن وجود سوق عالمية للغاز الطبيعي تفرض سعراً واحداً محدداً مثلما هو الحال بالنسبة للبترول، أشير إلي أن تسعير الغاز يتم بواسطة بيوت دولية منذ عام 1934 كما أفاد الخبراء، وأن ذلك إن صح فلا يمنع رجال البترول من الإصرار علي الحصول علي أعلي الأسعار السائدة، وأنبه إلي أنه تم إنشاء ناد للدول المصدرة للغاز في الدوحة، وأن بوتين رئيس وزراء روسيا (ولديها أكبر احتياطي للغاز في العالم)، قال لقد انتهي عقد الغاز الرخيص، كما أنه ضرب عرض الحائط بالأسعار التي سبق الاتفاق عليها لأوروبا الغربية، وحصل علي زيادات متوالية بعد الضغط عليها بإغلاق أنابيب الغاز، وهو أسلوب ينبغي أن تضعه الدول المصدرة للغاز.
ردد سيادته ما قالت به وزارة البترول من أنه شاءت العناية الإلهية رحمة بمصر أن ترتفع احتياطاته علي نحو متزايد وصل الآن إلي ما يقرب من 72 تريليون قدم مكعب، وهو الرقم الذي يرجوه- ويداعب خيال- كل مصري حتي ولو نقص عما صرح به وزير البترول من أن احتياطي الغاز وصل إلي 120 تريليون قدم مكعب، وهو تقدير مبالغ فيه، غير أنه في المقابل فإن بيوت الخبرة العالمية في آخر تقاريرها لعام 2008 قد تحدثت عن احتياطي غاز مصري مؤكد يتراوح بين 27 و30 تريليون قدم مكعب، ومازال الجدل مفتوحاً بين الاتجاهين.
إن القول بأن عائدات الغاز من النقد الأجنبي مولت استيراد احتياجات السوق المصرية من البوتاجاز والسولار اللذين يتم استيرادهما من الخارج، وتشغيل معظم محطات توليد الكهرباء وجميع مصانع الأسمدة، ونسبة عالية من مصانع الأسمنت بالغاز بدلاً من البترول، يتعارض مع ما نشر عن ديون وزارة البترول للشريك الأجنبي مما دفع بعض الشركات للتوقف عن العمل، وما أشارت إليه الصحف (المصري اليوم) من تصاعد الأزمة بين الكهرباء والبترول بسبب حصص الغاز الطبيعي، والمازوت، وإصرار الكهرباء علي استخدام الغاز بدلاً من المازوت في حين ترفض وزارة البترول ذلك بسبب التزاماتها الموسعة بالتصدير قبل الاكتفاء المحلي، ويسري ذات الأمر علي مصنع الفرو في سيناء الذي تعتمد عليه مصانع الحديد بسبب عدم كفاية مايضخ له من الغاز المصري.
يضاف إلي ذلك ما أشارت له الصحيفة من مستند مهم عن أن استخدام المازوت في محطات الكهرباء قفز من 6و1 مليون طن عام 2002/2003 إلي 3،4 مليون طن في 2006- 2007 مسجلاً زيادة قياسية بلغت 175%، والمعروف أن سعر وحدة المازوت المكافئة للغاز تبلغ عشرة أضعاف سعر وحدة الغاز، فكيف نفسر سياسة تصدير غازنا الرخيص والصديق للبيئة واستبداله باستيراد المازوت الغالي الملوث للبيئة، وكيف نفسر معطيات كثيرة أخري يشرحها الخبراء؟
وإذ يتناول زملائي من الخبراء البتروليين بالتفصيل والتوضيح المبني علي مستندات شرح حقائق الأمور التي تدحض أرقام وزارة البترول المغرقة في التفاؤل، يبقي لي أن أوضح الآتي:
دعوي الغاز تقوم علي ثلاثة أسس أولها يستند إلي انتهاك الدستور، وغصب سلطة رئيس الدولة والبرلمان، وانتفاء علاقته بفزاعة اتفاقية السلام، والثاني أن السعر الذي حددته الصفقة سعر متدن وفكاهي يصل إلي حد إهدار الثروة القومية، والثالث هو ما أكده الخبراء العالميون من أن المصلحة العامة تقضي بوقف تصدير الغاز لأي دولة حيث يكاد يكفي الاحتياجات المحلية، إذا مازال صعيد مصر محروماً من الغاز، ومازال عدد كبير من مصانعنا ومحطات توليد الطاقة يدور بالمازوت لعدم توفير الغاز بسبب تصديره للخارج.
وختاماً أري بعض علامات إيجابية للتخلص من التزامات هذه الصفقة المشئومة بعد أن أزاح كاتبنا الكبير الستار عن مفاوضات سرية قد ترفع سعر المصري إلي 7 دولارات، وإن كان أقل من نصف السعر العالمي، ولعل هذا أول الغيث، وكل الأمل معلق علي تكثيف العمل للتخلص من تلك الصفقة وبدء عهد جديد من الشفافية والمشروعية التي تعطي للشعب ونوابه حق الرقابة علي هذه الصفقات، وتحرم إبرامها في غرف مغلقة بعيداً عن رقابة الدولة، وسلطة رئيس الجمهورية، وفي سبيل الصالح العام لن يضير رجال البترول الوطنيين إعادة التفاوض في شروط تلك الصفقة وربما منع تصدير الغاز المصري للخارج قبل استيفاء حاجة المجتمع المصري.

ليست هناك تعليقات: