الخميس، ٥ فبراير ٢٠٠٩

فى قضية «تصدير الغاز».. السيادة لمن؟!

المصرى اليوم

بقلم مجدى الجلاد

شخص مثلى يقف أمام القضاء الآن بتهمة اختراق حظر النشر فى قضية مقتل سوزان تميم، ويواجه كام وأربعين قضية أخرى.. يجب أن يفكر ألف مرة قبل التعليق على حكم قضائى.. شخص مثلى يخاف من «الضلمة» والقطط والأسانسير، لابد أن يخشى غياهب السجن.. لذا فكلامى هنا هو مجرد تساؤلات لمن يريد الإجابة عنها.. وإذا لم تجد الأسئلة إجابات.. فليس عيباً أن تظل معلقة بين السماء والأرض!
يقولون إن الحكم القضائى هو عنوان الحقيقة.. ويقولون أيضاً إن الأحكام تصدر باسم الشعب.. هذا هو المفترض.. وهذا أيضاً ما طرح على ذهنى تساؤلات حائرة حول قضية تصدير الغاز المصرى إلى إسرائيل.. فبعد أشهر طويلة من الشد والجذب والجدل، أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمها بإلغاء حكم «القضاء الإدارى» بوقف تصدير الغاز لإسرائيل، وقالت «الإدارية العليا» فى أسباب الحكم، إن قرار بيع فائض الغاز إلى دول شرق البحر المتوسط - ومنها إسرائيل - الذى أصدره وزير البترول، بناء على قرار رئيس مجلس الوزراء، يعد من الأعمال التى تصدر من الحكومة بوصفها سلطة حكم فى نطاق وظيفتها السياسية، مما يدخل فى أعمال «السيادة».
وبعيداً عن الحكم القضائى الذى أحترمه وأقدره.. لا أرى - مثل كثيرين غيرى - أن الحكومة تمتلك مكانة سيادية.. إذ نحتت السلطة الحاكمة فى مصر منذ سنوات طويلة كلمة «سيادية»، وأصبغتها على رئاسة الجمهورية وبعض الوزارات والأجهزة المهمة لمنع الاقتراب منها أوالتصوير، وهذا «النحت» غير البرىء للكلمة يتناقض مع نص الدستور المصرى الذى يقول فى المادة الثالثة «السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها ويصون الوحدة الوطنية على الوجه المبين فى الدستور».
المادة قاطعة جازمة حاسمة ولا تحتمل اللبس أو التأويل.. وسيادة الشعب تعنى أنه يقرر مصيره عبر السلطة التشريعية «البرلمان»، الذى ينتخب أعضاؤه، بصرف النظر عما يحدث فى الانتخابات.. وبالتالى كان واجباً على السلطة التنفيذية التى هى الحكومة، أن تذهب إلى مجلس الشعب ليوافق أو يرفض صفقة تصدير الغاز لإسرائيل، تماماً مثلما يحدث فى عقود اقتسام الثروة الطبيعية مع شركات التنقيب والاستخراج.. ولكن مصر كلها تعرف أن الحكومة برئيس وزرائها ووزير بترولها لم تأخذ رأى المجلس، وأبرمت العقود فى «الخفاء»، وكأن الثروة ثروتها والأرض بما عليها وما فى باطنها من أملاكها!
الدستور المصرى يا سادة لا يقر بسيادة الحكومة على البلد.. لاسيما أنها حكومة غير منتخبة.. حكومة «تعيين».. وليست شجاعة منى أن أقول إن رئيس الجمهورية لا يمتلك ثروات هذا الشعب، وإنما هو أمين عليها فى ظل مبدأ «سيادة الشعب»، ورئيس الوزراء ليس «سيداً» على هذا الشعب، ووزير البترول ليس من حقه التصرف فى ثروات ٨٠ مليون مصرى، دون الرجوع إليهم، ولو عبر نواب لا نختارهم دائماً بإرادة حرة.. ولكنه أضعف الإيمان!
لا أكذب عليكم إذا قلت إن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التى نشرتها «المصرى اليوم» أمس، نقلاً عن الصحف الإسرائيلية وقالوا فيها: «حصلنا على تطمينات من مصر باستمرار تصدير الغاز قبل صدور الحكم القضائى» لم تدهشنى.. والسبب أن واقعتين حدثتا قبل عدة أيام من الحكم تؤكدان ذلك.. الأولى تصريحات د. فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب، بأن الحكومة سوف تلتزم - ولابد أن تلتزم - بالحكم القضائى، والثانية كلام وزير البترول بعدها بأن مصر ستوقف تصدير الغاز لإسرائيل إذا صدر حكم «الإدارية العليا» بذلك!!
وما أعرفه.. وتعرفه أنت قطعاً، أنه لا سرور ولا وزير البترول ولا الحكومة كلها تمتلك قرار تصدير أو وقف تصدير الغاز لإسرائيل.. فلماذا هذه «التمثيليات» البايخة التى لم تعد تنطلى علينا؟!!

ليست هناك تعليقات: