الأحد، ١١ يناير ٢٠٠٩
الرصاص المصبوب.. والدور المطلوب
بقلم محمد بغدادى
الأيام تمر على أهالى غزة، وعلى كل شعوب العالم، وكأنها كاسحات ألغام تسحق الجميع، وتصيبهم بالهم والغم واليأس والقنوط، كل الشعوب تتظاهر وتسب وتلعن إسرائيل، وتحرق الأعلام الإسرائيلية والأمريكية وتدوسها بالأحذية، ولكن ما من مغيث لأطفال غزة الذين تحصد أرواحهم آلة الحرب الإسرائيلية المتوحشة، ويبدو أن هذا المسلسل الدامى، والجارح لكل الأنظمة العربية لن يمر بسلام، وبالتأكيد سوف تكون له عواقب وتداعيات ستظهر تباعا مع تصاعد وتيرة الأحداث،
ما لم يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه حفظا لماء وجه الأنظمة العربية التى باتت عاجزة تماما، أمام غطرسة إسرائيل الوحشية، التى (تلغ) فى دماء أطفال غزة ونسائها وشيوخها وشبابها، ومما زاد الموقف تعقيدا سوء الأداء السياسى العربى بجميع توجهاته، ومن ضمنها مصر.
فمصر التى بالفعل لا يستطيع أحد، مهما كان، أن يزايد عليها، منحت كل المتربصين بها فرصة ذهبية للمزايدة، بل ولأول مرة تتظاهر الجماهير أمام السفارات المصرية. إن العمليات الإسرائيلية الفاشية التى سمتها إسرائيل (الرصاص المصبوب) كان يجب التعامل معها بآليات مختلفة تماما عما يحدث الآن على أرض الواقع، خاصة أننا نملك الكثير من الأوراق التى كان يمكن توظيفها دبلوماسيا بطريقة أفضل كثيرا مما حدث.
وأول أخطاء السياسة المصرية استقبال ليفنى فى مصر قبل بدء العمليات العسكرية وخروجها مع وزير الخارجية المصرية فى مؤتمر صحفى لتبدو وكأنها جاءت لتعلن الحرب على غزة من القاهرة، كما فعلها «بيجين» مع السادات قبل ضرب المفاعل الذرى العراقى بأربع وعشرين ساعة، فاتهمنا الجميع بأننا أعطيناه الضوء الأخضر، حتى عندما أعلن بعدها أبوالغيط أن مصر استدعت ليفنى لتحذرها من خطورة الإقدام على ضرب غزة،
كان قد فات الأوان، وكان يجب على أبوالغيط أن يرد عليها فى نفس المؤتمر الصحفى الذى أعلنت فيه أن الأوضاع فى غزة لابد أن تتغير. النقطة الثانية: كان لدى مصر، وبالصدفة البحتة، ورقة رابحة أرسلها لنا القدر ولم نحسن استخدامها، وهى تأييد حكم وقف تصدير الغاز إلى إسرائيل، وكان يجب على الحكومة المصرية على الأقل أن تماطل ولا تطعن على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا، وتعلن أمام العالم كله أن الحكومة المصرية تحترم القانون، وتوقف الغاز ولو مؤقتا.. أما قصة المعابر فكان لابد أن تعلن الحكومة المصرية موقفها منها بوضوح لا يحتمل أى لبس،
خاصة الموقف من البعثات والمساعدات الطبية، فلم أفهم، ولا أحد استطاع أن يفهم، لماذا يقف حتى الآن الفريق الطبى اليونانى والتركى وفريق اتحاد الأطباء العرب على معبر رفح منذ أسبوع ولم يتم إدخالهم حتى الآن، رغم أنهم أعلنوا أنهم سيتحملون المسؤولية الكاملة عن حياتهم، وأعذار وزير الصحة حاتم الجبلى بأن الطريق إلى غزة ليس آمناً، حجج واهية وبدت مضحكة أمام أطباء يعلمون تماما إلى أين هم ذاهبون.
أما المبادرة المصرية مع الجانب الفرنسى فكان لابد أن يقال بوضوح تام إنها تتم بالتنسيق مع الحكومة الفلسطينية وحماس، وأن هدفها الأول والأخير هو وقف المجازر الإسرائيلية حتى لا يعتقد البعض أنها مبادرة إسرائيلية فرنسية ومصر متواطئة مع الجانب الفرنسى لتمريرها، خاصة أن هناك اتصالات تمت بالفعل بين مصر وعديد من الأطراف الفلسطينية.
أما حماس فهى ترتكب حماقات سياسية لا يمكن أن تغتفر، فقد عاصرنا كل ثورات الشعوب، وكل حركات التحرر، ولكن لم نر مطلقا ثورة شعبية تبدأ بالاختلاف مع القوى الوطنية التى تقف معها فى نفس الخندق فى مواجهة العدو، بل سبقتها بسنوات طويلة من الخبرة فى التعامل مع العدو الصهيونى، فإقصاء الفصائل كافة وإلغاؤها فى ساعات المواجهة مع العدو أمر بالغ الخطورة والحمق، وكيف يمكن إقصاء «فتح» و«الشعبية» و«الديمقراطية» وفصائل وطنية أخرى مهما كانت درجة الخلاف فى هذه اللحظة الراهنة: ثانيا أى قيادة مهما بلغت درجة الإلهام الثورى لديها لا يمكن أن تقول ما قاله إسماعيل هنية: «إننا لن نخضع حتى لو أبادوا غزة»، إيه يا عم الحاج!!
هىّ غزة كانت من ممتلكاتك الخاصة حتى تضحى بإبادتها من أجل تحقيق أهدافك السياسية، إن خطاب قيادات حماس الصادم لا يمكن أن يمر هكذا دون حساب من الشعب الفلسطينى، ففى كل لحظة يخرج علينا أحد القادة المقيمين فى (نعيم !!) خارج غزة ليقول لنا: «نحن نطمئن الشعب العربى أن الحركة وقياداتها بخير ولا توجد سوى خسائر قليلة جدا فى صفوف مناضلينا، وبالتالى فإن العدوان الإسرائيلى قد فشل فى تحقيق أهدافه».. يا سلام!!
وكيف يمكن أن يتجاهل القادة كل شلالات الدماء الطاهرة الذكية لكل هؤلاء الأطفال الأبرياء والأمهات والبنات والشيوخ، والشباب الأعزل من السلاح، كيف بالله عليكم يمكن تجاهل ذلك؟ ولماذا لا تقبل حماس بوقف إطلاق النار الآن الآن وليس غدا أياً كانت الشروط؟،
لقد قبل القائد الفيتنامى العظيم (هوشى منه) شروطا تكاد تكون مهينة فى مؤتمر باريس ١٩٦٩عندما وقع المعاهدة الفرنسية الأمريكية، ليوقف نزيف الدم عن شعبه ولحماية رصيده الاستراتيجى من المقاتلين المدربين، وليعد العدة ويستكمل عناصر النصر الذى هزم به أعتى القوى العسكرية فى العالم وأجبر الأمريكيين على الخروج من فيتنام بعد هزيمة منكرة، وبعد أن يتم تعديل أوضاعك وتمتلك عناصر جديدة من القوى تستطيع أن تجلس وتفاوض وتفرض شروطك على طاولة المفاوضات وأنت أقوى من ذلك بكثير، كل المطلوب الآن وقف المجازر الوحشية بأى ثمن، وبعد ذلك الدنيا لم تنته بعد، والقيامة لم تقم بعد، استجمع قواك وقم بإبادة إسرائيل لو استطعت بدلا من إبادة غزة بلا مقابل.
أما المطلب الأخير فهو تكاتف كل القوى العربية من أجل إعداد ملف قوى لتقديم السفاحين الإسرائيليين (ليفنى، أولمرت، باراك) لمحكمة دولية كمجرمى حرب.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق