السبت، ٢٩ نوفمبر ٢٠٠٨

على هامش حكم القضاء المصري بوقف تصدير الغاز لإسرائيل

صحيفة الاقتصاد الالكترونية

خالد أحمد عثمان

في 18/11/2008م أصدرت محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة المصري حكما يقضي بوقف تنفيذ قرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004م المتضمن بيع الغاز لإسرائيل. وجاء هذا الحكم فاصلاً في الدعوى التي أقامها المواطن المصري (سفير سابق) إبراهيم يسري، التي طالب فيها بوقف تنفيذ قرار بيع الغاز المصري إلى إسرائيل على اعتبار، (أنه ينتقص من السيادة الوطنية ومصالح مصر لكونه يحدد رسم وقيمة الغاز لمدة 20 عاماً بقيمة إجمالية قدرها 2.5 مليار دولار، ويمنع في الوقت نفسه أي تغيير في هذه الأسعار)، كما أشار المدعي في دعواه إلى أن مصر أتمت الصفقة مع إسرائيل على تصدير 1.7 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، وأن ذلك يعوق التنمية في مصر، كما يحرم البسطاء من المصريين من الاستفادة من فروق الأسعار العالمية.
وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن الدستور نص في المادة 123 على حماية موارد الثروة الطبيعية للبلاد باعتبارها مورداً من موارد الدولة وليست ملكاً للأجيال الحالية فقط بل ملك للأجيال المستقبلية، ونص الدستور على أن القانون هو الذي يحدد قواعد منح التزامات استغلال موارد الثروة الطبيعية والمرافق العامة. وأكدت أنه يجب على السلطة التنفيذية اللجوء إلى مجلس الشعب للحصول على موافقته على التزامات باستغلال موارد الثروة الطبيعية الموهبة للشعب.
وأضافت أنه ثبت أن قرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004م المطعون فيه قد فوض كلا من رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية ورئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للبترول لإنهاء إجراءات التعاقد كطرف بائع للغاز الطبيعي مع شركة البحر الأبيض المتوسط، وكطرف ثالث ضامن لكميات الغاز الطبيعي ومواصفاته ومدة التوريد في عقود شركة البحر الأبيض لتصدير الغاز الطبيعي من خلال خط أنابيب للشركات الواقعة في منطقة البحر المتوسط وأوروبا بما فيها شركة كهرباء إسرائيل، ولذلك فوض وزير البترول كلا من الهيئة المصرية العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية بالعمل بموجبه دون عرض هذا الالتزام المرتبط باستغلال أحد أهم موارد الثروة الطبيعية في البلاد على مجلس الشعب، وهو يعد اعتداء على اختصاص مجلس الشعب وسلطته المقررة الدستورية. لذلك فإن القرار المطعون فيه وما ترتب عليه من آثار يكون قد صدر معدوماً لمخالفته أحكام الدستور ولا يترتب عليه أي أثر قانوني.
وأوضحت المحكمة أن الحكومة لم تنشر تفاصيل وشروط تصرف الهيئة المصرية العامة للبترول والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية المتعلقة ببيع هذه الكميات الكبيرة من الغاز الطبيعي المصري إلى شركة البحر الأبيض المتوسط ومنها إلى إسرائيل رغم مطالبة العديد من نواب الشعب والخبراء المتخصصين في مصر بالاطلاع على تفاصيل هذه الصفقة، ورغم الجدل الكبير الذي يدور في الأوساط العلمية حول حجم الاحتياطي المصري من هذه الثروة الناضبة على نحو ما ورد في المستندات المقدمة من المدعي، إضافة إلى الأوراق، وتعاصر مريب في إنشاء الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية وإنشاء شركة البحر الأبيض المتوسط.
ورفضت المحكمة الدفوع التي أبدتها وزارة البترول ومجلس الوزراء بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوة وقبول تدخل عدد من المواطنين إلى جانب السفير إبراهيم يسري مقيم الدعوى. وسارعت الحكومة المصرية ممثلة في هيئة قضايا الدولة إلى رفع دعوى أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة تطلب فيها وقف تنفيذ الحكم إلى حين الفصل في استئناف سيقدم إلى المحكمة الإدارية العليا.
وجدير بالذكر هنا أن موضوع تصدير الغاز لإسرائيل سبق أن أثير في مجلس الشعب المصري بتاريخ 24 آذار (مارس) 2008م، حيث شهد المجلس مواجهة ساخنة بين الحكومة والمعارضة حيث نفى الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية وجود أية اتفاقيات بين الحكومتين المصرية والإسرائيلية لتصدير الغاز الطبيعي، موضحاً أن وزيري البترول في الدولتين وقعاً فقط مجرد مذكرة تفاهم بخصوص تسيير أنابيب الغاز الطبيعي عبر أراضيهما، ولا يوجد في المذكرة أية اتفاقيات ذات طابع مالي أو اقتصادي، موضحاً أن مذكرة التفاهم ليست في إطار الاتفاقيات المنصوص عليها في القانون الذي يتعين موافقة مجلس الشعب عليها، مؤكداً أن تصدير الغاز يتم بين الشركات المصدرة والمستوردة ودور الدولة فيها لا يتعدى تسيير خطوط الأنابيب التي تمر بأراضيها، موضحاً أن عقود تصدير الغاز تتضمن وضع حد أدنى للأسعار خاصة مع عدم وجود سعر عالمي للغاز الطبيعي مثل النفط الخام، وأن عقود الغاز تراوح مدتها من عشرة إلى 20 سنة.
وأوضح الوزير شهاب أن أسعار تصدير الغاز لإسرائيل غير معلنة ولكنها ليست 1.5 دولار، كما يرى البعض، بل تزيد على بيع الغاز في السوق المحلية للصناعات كثيفة الطاقة، موضحاً أن عقود تصدير الغاز فيها بنود سرية لا يتم الإعلان عنها إلا بموافقة الطرفين، مضيفاً أن قطاع البترول يراجع حالياً كل عقود تصدير الغاز من خلال مخطط يهدف لتحقيق عائد إضافي من تصدير الغاز يصل إلى 18 مليار دولار خلال الـ 20 عاماً المقبلة.
وعقب النائب حسين إبراهيم على رد الوزير قائلاً إن هذا الرد غير مطمئن لأن الدكتور مفيد شهاب يؤكد أن الحكومة لا تصدر الغاز لإسرائيل ولكن بعض الشركات هي التي تصدر الغاز، وتساءل: أليس الغاز الطبيعي هو ملك لمصر، فمن المسؤول عن تصديره هل هي شركات أم الحكومة هي التي تسمح للشركات بتصدير الغاز لإسرائيل؟ وأبدى النائب رجب هلال حميدة خشيته من أن يكون الاتفاق لنقل الغاز إلى إسرائيل وهي تحتل أراضينا العربية مقدمة لمد أنابيب لنقل مياه النيل إلى إسرائيل، وأن تصدير الغاز لإسرائيل بأقل من السعر العالمي غير مقبول، وطالب الحكومة بمراجعة هذه الاتفاقية والاستفادة من الغاز المصري في صناعة البتروكيماويات وصناعة الأسمدة وتوفير احتياجات الاستخدام المنزلي في مصر، وأنهى تعقيبه قائلاً: فسحقاً لإسرائيل ولتسقط إسرائيل وليسقط كل المتعاملين من أصحاب الشركات المتعاملة مع إسرائيل.
أما وقد انتهينا من سرد موجز وقائع هذه القضية كما أوردتها التقارير الإعلامية فإنني أسرد أبرز تعليقات بعض أهل الرأي والفكر في مصر وذلك على النحو التالي:
1- تعليقاً على نفي الوزير مفيد شهاب في مجلس الشعب مسؤولية الحكومة المصرية عن تصدير الغاز لإسرائيل وأن الذي يقوم بهذه العملية شركات خاصة، قال أحد النواب هذا كلام لا يليق قوله في مقهى بلدي، فعقب عليه الدكتور أحمد فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب بقوله (ولا في غرزة).
2- الكاتب الصحافي المصري المعروف مكرم محمد أحمد استغرب في مقاله المنشور في جريدة "الأهرام" بتاريخ 24/11/2008م مسارعة الحكومة إلى الطعن في حكم المحكمة الإدارية، ووصف اتفاق تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل، الذي يتم عبر شركتين إحداهما مصرية والأخرى إسرائيلية بأنه اتفاق غير متكافئ يمنح إسرائيل حقوقاً لا تستحقها على حساب المواطن المصري رغم الفارق الضخم في مستويات الحياة بين الشعبين، حيث تدفع إسرائيل التي يصل متوسط دخل الفرد فيها عشرات أضعاف متوسط دخل الفرد المصري، 75 سنتاً في الوحدة المعيارية الحرارية المتفق عليها بدلاً من تسعة دولارات تمثل سعرها العالمي في اتفاق طويل الأجل، تلتزم فيه مصر بتوريد الغاز لإسرائيل لمدة 15 عاماً يمكن أن تمتد خمسة أعوام أخرى. وتمنى الكاتب لو أن الحكومة صبرت بعض الشيء وبدأت تنفيذ الحكم وأخطرت الجانب الآخر بنص منطوقه وحيثياته واعتزامها احترام تنفيذه كي تلزم المفاوض الإسرائيلي بالاستجابة لمطالب الحكومة المصرية التي أعلنت بالفعل أن السعر غير عادل وأنها تعتزم إعادة التفاوض مع إسرائيل حول ضرورة تعديله. وأضاف لو أن الحكومة فعلت ذلك لكان موقفها التفاوضي أكثر قوة في قضية عادلة أقامها عدد من المصريين الوطنيين على أسس صحيحة، تحتكم فقط للتطورات العالمية التي طرأت على أسعار البترول والغاز.
3- الكاتب المصري حازم عبد الرحمن قال في مقاله المنشور في جريدة "الأهرام" بتاريخ 23/11/2008م إن الحكومة المصرية ارتكبت خطأ فادحاً عندما لم تلجأ إلى مجلس الشعب لتحصل على موافقته على عقد صفقة بيع الغاز الطبيعي لإسرائيل، وأغلب الظن أن الحكومة فعلت ذلك لأنها لا تريد أن تتعرض لنقد وتريد أن تتفادى أي حرج فآثرت التصرف وكأن المجلس غير موجود حتى لا تضطر للدفاع علناً عن شيء لا تريد أن تجاهر به، وأنه لو أدارت الحكومة هذه العلاقة بعلانية لتكشفت مزاياها وسلبياتها ونواقصها، وأن ذلك يتيح الفرصة كاملة لكي يتعرف الإسرائيليون مباشرة على رأي الناس في مصر في إجراءاتها تجاه الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. كما أشار الكاتب إلى أن حكم المحكمة يلفت النظر أيضا إلى أن مجلس الشعب قد تهاون في ممارسة اختصاصه، فقد سكت عن تخطيه وتجاوزه في حين أنه يجب أن يحذر من عواقب هذا التصرف وأن يرفض تماماً التعامل معه وكأنه غير موجود.
أما بشأن إصرار الحكومة المصرية على عدم كشف أسعار تصدير الغاز لإسرائيل بذريعة أن عقود تصدير الغاز تحتوي على بنود سرية لا يتم الإعلان عنها إلا بموافقة الطرفين، فإن هذا القول مردود عليه بما سبق أن ذكره الخبير النفطي المصري الدكتور حسين عبد الله في مقاله المنشور في جريدة "الأهرام" في 3/9/2007م حيث قال (ليس صحيحاً أن جميع عقود تصدير الغاز تتضمن بنداً بعدم إعلان سعر الغاز حتى يستطيع كل من الطرفين أن يتفاوض مستقبلاً بلا قيود أو حدود للأسعار مع أطراف آخرين والحصول على أكبر عائد أو مكسب. وكمثال، فإن أسعار الغاز الروسي الذي تتزود به أوروبا معلنة ويتم تعديلها تبعاً لتقلبات سعر النفط. وكذلك تتمتع أسعار الغاز في الولايات المتحدة بشفافية مطلقة وتعلن في بورصة نيويورك، كما تعلن اليابان الأسس المحددة لأسعار وارداتها من الغاز المسال. وفي رأينا أن التعتيم على سعر تصدير الغاز المصري لن يساعدها على الحصول على سعر أعلى في عقود تالية لأن الشركات العالمية – كما يعرف الخبراء المتخصصون – تتبادل المعلومات وتعلم كل شركة وهي تتفاوض مع الجانب المصري كل الشروط التجارية للعقود التي سبق إبرامها).
بقي أن أشير إلى أنه إذا أيدت المحكمة الإدارية العليا هذا الحكم وأصبح نهائياً بعد استنفاد جميع طرق الطعن فيه فإنه يكتسب الحجية القطعية ويصبح واجب التنفيذ، ولن يترتب على تنفيذه أي مسؤولية دولية على الدولة المصرية لأن عقد تصدير الغاز – كما تقول الحكومة المصرية – ليس اتفاقا بين دولتين أو دولة وشركة وإنما اتفاق بين شركات لها شخصيتها الاعتبارية، وتستطيع الشركة المصرية الموردة للغاز أن تدرأ على نفسها مسؤولية عدم تنفيذ التزاماتها بمسوغات قانونية عديدة أهمها مبدأ القوة القاهرة، فالحكم القضائي النهائي الذي ألزم الحكومة بوقف تصدير الغاز لإسرائيل يشكل في هذه الحالة قوة قاهرة تخول الشركة المتعاقدة الحق في وقف تنفيذ التزاماتها.

ليست هناك تعليقات: