الثلاثاء، ٨ يوليو ٢٠٠٨

«الحرام الوطني» في قضية الغاز الطبيعي!

المصرى اليوم

بقلم مجدى الجلاد

من المؤكد أن الخبر الذي نشرته «المصري اليوم»، علي صدر صفحتها الأولي أمس، أثلج صدور الملايين، وأراح قلوبا أتعبها التفريط في ثروة وطنية لن تعوض.. الخبر يقول إن مجلس الوزراء أصدر قرارا بتطبيق زيادات الأسعار الجديدة علي الطاقة للمصانع كثيفة الاستهلاك، ومنها مصانع الحديد والأسمنت والأسمدة والبتروكيماويات، وهو الإجراء الذي نادينا به كثيرا، وغضبت منا الحكومة بسببه لأشهر عديدة.

وبعيدا عن حالة الشد والجذب الدائمة بين الصحافة والحكومة في قضية الغاز الطبيعي، فإن الإنصاف يفرض علينا الآن تقدير هذه الخطوة من قطاع البترول، إذ كان مثيراً للاستفزاز والذهول أن تحصل هذه المصانع الضخمة علي الغاز والكهرباء بأسعار مدعومة من أموال الشعب، بينما لا تقدم الكثير للاقتصاد الوطني،

ففي أرقام وإحصاءات وزارة التجارة والصناعة ألف ومليون دليل، إذ تستهلك هذه المصانع ٥٥% من الطاقة المخصصة للصناعة، وتستحوذ علي ٧٢% من الدعم، بينما لا تساهم بأكثر من ٢٠% من الناتج الصناعي الوطني، و٧% فقط من العمالة، فضلا عن تمتعها بالإعفاء من الضرائب، وفقا لقانون المنطقة الحرة.

ولأن الصحافة لا تحرث في البحر دائما.. فقد نجح الكثير من الأقلام في اقناع الحكومة بضرورة تعديل أسعار الطاقة لهذه المصانع، وإلغاء المنطقة الحرة، في محاولة وطنية مخلصة لمنح خزينة الدولة قسطا قليلا من مليارات الجنيهات، التي يحصدها عدد محدود من كبار المستثمرين.

وإذا كانت الحكومة قد استجابت لضغوط الرأي العام، فأصلحت ما أفسدته السياسات السابقة في عقود الغاز الطبيعي داخليا، فإن الجانب الأهم من هذه القضية لايزال عالقا بلا حل أو مواجهة،

وأقصد بذلك «ماسورة الغاز» الواسعة، التي تعبر الحدود المصرية إلي دول عديدة ليست أفضل ـ قطعا ـ من المستثمرين ورجال الأعمال المصريين، دول مثل إسرائيل وإسبانيا وفرنسا والأردن، تحصل علي الغاز الطبيعي المصري بعقود طويلة المدي، وبأسعار أرخص من التراب، فليس عدلا،

ولا حكمة، ولا شفافية أن ترفع الحكومة أسعار الغاز للمصانع المصرية، بينما تترك أسعار التصدير للخارج دون مراجعة شاملة و«قاسية»، حفاظا علي ثروة طبيعية هي ملك أصيل للأجيال القادمة.

ولمن لا يعرف.. فإن هذه العقود يتراوح السعر فيها ما بين ٢٥.١ و٢٥.٤ دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية، بينما ارتفع السعر العالمي إلي أضعاف ذلك، كما تفرض الدول المصدرة ومنها روسيا، أسعارا جديدة وتعديلات علي العقود كل عام، «واللي مش عاجبه يشتري من بره»،

و«بره» طبعا هو مصر، التي وقعت عقودا لفترات تتجاوز العشرين عاما، وبأسعار ثابتة تقل في حالات كثيرة عن تكلفة إنتاج الغاز علي «راس البير» كما يقولون.

والمفارقة أن الحكومة استندت في رفع الأسعار لمصانع الأسمدة المصرية إلي أن الغاز يستخدم كمادة خام في إنتاج «اليوريا»، وبالتالي فلا يعقل أن تصدره المصانع للخارج بالسعر العالمي،

وهي تحصل عليه من الحكومة بالسعر المدعوم، بينما تدرك ـ حتماً ـ أنها تصدر الغاز الخام للخارج بأسعار أقل، وهو ما يعني دون جهد في الحساب أنها تقدم الدعم المباشر لدول وشعوب أكثر ثراءً من الشعب المصري، الذي يملك ولا يملك.. يعرف ولا يقرر.. يفهم ولا يحاسب أو يراجع.

إن الرأي العام في انتظار الإعلان عن الأسعار الجديدة لعقود تصدير الغاز إلي الخارج.. ولو لم يحدث، فعلي الحكومة أن تعترف بأنها أهدرت أهم وأخطر ثروة طبيعية في مصر.. وساعتها سيكون علينا انتظار محاسبة أو محاكمة المسؤول عن هذه الجريمة.

ليست هناك تعليقات: