السبت، ١٩ يوليو ٢٠٠٨

صاحب دعوى إلغاء التصدير.. السفير إبراهيم يسري لـ «الوقت»

الوقت

القاهرة - كارم يحيى :

لاتزال صفقة تصدير الغاز إلى إسرائيل مثار جدل في المجتمع المصري. وبعد جولات في الصحافة والبرلمان تقدم السفير السابق ''إبراهيم يسري'' بدعوى امام القضاء الاداري يطلب فيها وقف والغاء تصدير الغاز الى إسرائيل. والسفير يسري بالأصل كان مديرا للإدارة القانونية والمعاهدات بوزارة الخارجية المصرية كما كان له دوره في معركة استعادة طابا من إسرائيل وهي معركة دارت جولات منها في ساحة القانون الدولي وبأدواته ومرجعياته. وفيما يلي حوار مع السفير إبراهيم يسري عن الدعوى التي بدأ القضاء الاداري (مجلس الدولة) في مصر نظرها نهاية الشهر الماضي وقرر تأجيل جلساتها إلى الأول من سبتمبر/ أيلول المقبل.
؟ كيف نشأت فكرة الدعوى؟
ـ استفزني القول بأن الصفقة سرية واستفزني أيضا رفض الحكومة اطلاع البرلمان على هذه الصفقة. وبحثت في كافة المراجع القانونية هل هناك سند من القانون والدستور كي تفرض الحكومة ستارا كثيفا من السرية على هذه الصفقة في حين ان الغاز ملك الشعب بحكم الدستور، وعلما بأن الكثير من مواد القانون الدولي تؤكد على ان الثروات الطبيعة ملك للشعوب. والمؤسف أنني وجدت ان البرلمان لا يستطيع التأثير على الدوائر الحكومية التي صممت على موقفها وعلى إخفاء شروط الصفقة على المصريين. ومن هنا وجدت من اللازم اللجوء للقضاء.. والقضاء عندنا اثبت انه شامخ وعادل.. وأملنا كبير فيه.
؟ من هو الخصم في هذه الدعوى؟
ـ الحكومة بوجه عام، لكن بالأساس وزير البترول ومعه رئيس الوزراء ووزيرا المالية والاقتصاد حتى يكون الحكم حجة عليهم وفي مواجهتهم. وعندما تذهب الى القضاء الإداري أنت تطعن على قرار اداري.
قرار إداري واتفاقية دولية
؟ هنا اتفاقات دولية وليس قراراً إدارياً؟
ـ انا وجدت قرارا صادرا من وزير البترول رقم 100 لسنة 2004 ويتضمن بعض تفاصيل صفقة الغاز ويفوض اثنين من كبار موظفي الوزارة والهيئة العامة للبترول بالتوقيع على عقود بيع الغاز كمالكين.
؟ بأي صفة؟
ـ حقا هما بلا صفة وهذا ما نطعن به في الدعوى.. وهنا أحب ان أشير إلى وثائق مهمة أفادت الدعوى كان قد نشرها الصحافي عادل حمودة رئيس تحرير الفجر وأنا قمت من جانبي باستكمال الوثائق مما حصلت عليه من بعض الجهات الرسمية وما زودني به خبراء بتروليون شرفاء. وجانب منها يثبت ان الغاز في مصر ناضب وشحيح.
؟ من انضم إلى الدعوى؟
ـ ذهبت إلى المحكمة بعشرات التوكيلات التي وصلتني من مواطنين عاديين لا اعرفهم ومن مختلف محافظات الجمهورية. وما أسعدني وأبكاني ان العديد من هذه التوكيلات جاءت من أبناء الجيل الجديد. وعلاوة على ذلك فإن عددا من كبار المحامين تدخلوا أثناء الجلسة. وبلغ عدد المحامين الى حينه ثلاثين محاميا.
؟ من هم ابرز الشخصيات العامة؟
ـ الوزير السابق الدكتور يحيى الجمل والمحاميان البارزان محمد سليم العوا وعصام الاسلامبولي ونائب مجلس الشعب سعد عبود والنائب السابق محمد انور السادات.. وآخرون.
؟ هل هناك سابقة لمثل هذه الدعوى؟
ـ بالقطع هناك طعون على قرارات إدارية عديدة
؟ من حيث ان القضية ذات طابع دولي؟
ـ نحن لا نطعن على الاتفاقية بل على القرار الإداري. وهو قرار صدر وفقا لأحكام الاتفاقية. ومن بين أوجه بطلان القرار الإداري ان الاتفاقية التي استند إليها القرار لم تعرض على البرلمان. والحكومة كانت قد احتجت امام مجلس الشعب بأن بيع الغاز ينظمه مجرد بروتوكول وبالتالي هي ليست اتفاقية يتعين عرضها على مجلس الشعب. وهذا الكلام مردود عليه بأن اتفاقية فينا بشأن المعاهدات الدولية للعام 1980 تجعل أي اتفاق بين حكومتين اتفاقية دولية ايا كانت تسميتها بمصطلحات من قبيل بروتوكول أو مذكرة تفاهم. وهذا ما كنت اعمل به أثناء تولي مسؤولية الإدارة القانونية والمعاهدات بوزارة الخارجية.
؟ ما خطورة تصدير الغاز إلى إسرائيل في نظركم؟
ـ تصدير اي وحدة غاز يعتبر خسارة لمصر وتضحية بحقوق الأجيال الجديدة والمقبلة. لان الغاز مادة ناضبة. والاحتياطي الموجود في مصر حسب بيوت الخبرة العالمية تقل كثيرا عما تزعمه وزارة البترول. وتقديرات الوزارة للاحتياطيات وصلت الى 90 ترليون متر مكعب والخبراء تتراوح تقديراتهم بين 25 و38 ترليون متر مكعب.
من السفه بالأصل تصدير الغاز في بلد كمصر يستورد غاز المواقد (البوتوجاز) وبعشرات الاضعاف مقارنة بسعر الغاز الطبيعي. وغاز المواقد ماهو الا غاز مسال.
والأغرب من هذا أننا نعطي الغاز للشركة التي تصدر لاسرائيل بأسعار زهيدة من 75 سنتا الى دولار ونصف للوحدة المعتمدة لقياسه. والفارق كبير بين هذا السعر وبين الأسعار العالمية. وهذا يعني وفق معطيات الخبراء ان مصر تخسر يوميا 5,9 مليون دولار. وهذا إهدار في وقت نبحث عن تمويل دعم الخبز.
؟ هل هناك جوانب أخرى في خطورة هذه الصفقة؟
ـ هناك جوانب خفية لا نعلمها. لكن هناك تساؤلات عن معنى اجتماع الهيئة المصرية للبترول بشكل عاجل قبيل يوم واحد من زيارة وزير البنية التحتية الإسرائيلي وتوقيعه على الصفقة. هذه ثروة البلد أي تصرف بها يجب ان تعرضه الحكومة على مجلس الشعب ويوافق عليها بصرف النظر عن أيه ضغوط سياسية. ثم أنا مؤمن كمواطن عربي ان هناك تناقضا شديدا في تزويد إسرائيل بالغاز في الوقت الذي يعاني فيه قطاع غزة من الحصار ولا تزوده بالطاقة. هذا غير مقبول لا منطقيا ولا شعبيا ولا سياسيا.
توقيع بين وزيرين
؟ الحكومة تقول أنها لم توقع مع إسرائيل اي اتفاق دولي بشأن بيع الغاز وتحتج انها اتفاقات بين شركات خاصة لا دخل لها بها؟
ـ لاالتوقيع تم بين وزيرين.. ولدينا الصور المنشورة في الصحف وفي التليفزيون وتظهر الوزيرين (البترول المصري والبنية التحتية الإسرائيلي) يتصافحان مبتسمين وهما يتبادلان وثائق التوقيع كما يجري في المعاهدات الدولية وبينهما رئيس الوزراء المصري وعلى شفتيه ابتسامه عريضة. فكيف لا تكون الحكومة طرفا.
؟ الحكومة نفت في البرلمان؟
ـ نفي لا صلة له بما حدث بالفعل
؟ كيف ترى في هذه الاتفاقية انتهاكا للدستور المصري؟
ـ العديد من مواد الدستور تعرضت للانتهاك. فالمادة 23 تقول ''ينظم الاقتصاد القومي وفقا لخطة تنمية تكفل زيادة الدخل القومي وعدالة التوزيع'' ''بينما هذه الصفقة تهدف إلى إفقار الدخل القومي. والمادة 24 تلزم الدولة برعاية الإنتاج القومي والصفقة تهدر الإنتاج القومي. والمادة 25 تقول ان لكل مواطن نصيب من الناتج القومي يحدده القانون والصفقة تصرفت في ثروة الشعب دون سؤال الشعب. والمادة 30 تؤكد ان الملكية للشعب وحده والحكومة لم تأخذ رأي الشعب في هكذا صفقة.. والمادة 32 تتحدث عن رأس مال خاص غير مستغل بينما الشركة التي تم انشاؤها لتصدير الغاز لإسرائيل أقيمت بمقتضى قانون الاستثمار وهي لا تقوم بأي استثمار، لم تنشئ مصانع أو مصافي. فهل سرقة الغاز المصري استثمار؟ والمادة 33 تشدد على انه لا يجوز ان تتعارض أنشطة القطاع الخاص مع الخير العام للشعب. فأين الخير العام للشعب في هكذا صفقة.. والمادة 165 تتعلق باليمين الدستوري لرئيس الوزراء والوزراء والذي ينص على ان يرعوا مصالح الشعب رعاية كاملة وهنا هم حنثوا باليمين. وبمقتضى الدستور والقانون الدولي فإن من يبرم الاتفاقات الدولية هو رئيس الجمهورية ووزير الخارجية وفي بعض الحالات المحدودة رئيس الوزراء. وهنا فان وزير البترول عندما وقع هذه الاتفاقية فإنه قد غصب سلطة رئيس الجمهورية. والمادة 151 توجب عرض هذه الاتفاقية على مجلس الشعب قبل تصديق رئيس الجمهورية عليها لأنها من اتفاقات التجارة. وهو ما لم يحدث.
برلمان بلا دور رقابي
؟ لماذا تم التعامل مع مجلس الشعب بهذا الشكل؟
ـ بصفة عامة مجلس الشعب لا يقوم بدوره الرقابي مع الأسف الشديد ولم يفرض سلطته على الحكومة في اي وقت من الأوقات. لم يسقط وزيرا واحدا منذ إنشائه الى الآن ولم يتخذ قرارا في استجواب واحد. والاستجوابات تناقش ثم يجري الانتقال لجدول الأعمال من دون نتائج. ولذا فانا أرى ان موقف مجلس الشعب في صفقة الغاز غير مستغرب.. وهذا هو حصاد غالبية الحزب الحاكم.
* هل تعتقد ان دور مجلس الشعب في قضية الغاز قد وصل إلى نهايته؟
ـ باجتماع لجنة الطاقة وصل بالفعل إلى نهايته.
؟ ماذا تتوقعون للدعوى التي رفعتموها؟
ـ الطريق مسدود في مجلس الشعب وبالفعل لم يبق من أمل إلا هذه الدعوى. ولو صدر الحكم لصالحنا سيكون في حد ذاته حكما تاريخيا سواء جرى تنفيذه او لم يجر.
؟ ألا يخشى ان تحصل إسرائيل على تعويض حينها؟
ـ من وقع الصفقة مع إسرائيل وزير غير مفوض بإبرام الاتفاقات وبالتالي لا سند لإسرائيل في طلب التعويض.
؟ ولو حدث وخسرتم القضية؟
ـ سنلجأ إلى الدرجة العالية ونرفع القضية أمام المحكمة الإدارية العليا.
؟ الطريق طويل؟
ـ هناك شق مستعجل استنادا إلى ان الاقتصاد القومي يخسر يوميا نحو عشرة ملايين دولار جراء هذه الصفقة.
؟ كمدير سابق للإدارة القانونية لوزارة الخارجية كيف تقيم هذه الصفقات؟
ـ غير قانونية تهدر أموال الشعب ويجري إخفاؤها عن الشعب ولم يوافق عليها لا الشعب أو مجلس الشعب. هذه الاتفاقات محكوم عليها بالبطلان المطلق ويصل إلى درجة الانعدام بلغة القانون. وفي هذه الحالة هناك انعدام للأثر القانوني للقرار الإداري والاتفاقية. هي كأنها لم تكن.
؟ اذا تحدثنا ابعد من الجانب القانوني، ما هي الأطراف المحلية المستفيدة من هذه الصفقة؟
ـ المستفيد بشكل أساسي هي إسرائيل وليس لدي معلومات عن الإطراف المحلية باستثناء الوسيط الممثل في الطرف المصري في الشركة التي تتولى بيع الغاز والمسماة بشركة شرق البحر المتوسط.
؟ ما موقع هذه الدعوى التي ترفعونها من حملة لا لنكسة تصدير الغاز لاسرائيل؟
ـ القضية منفصلة تماما عن هذه الحملة. انا اعمل على القانون والحملة سياسية. وحقيقة أتمنى للحملة السياسية النجاح. في القضاء الإداري انا لا اختصم أشخاصا لكنني اختصم القرار الصادر عنهم. وفي الحملة هم يتعرضون الى أشخاص. هناك فارق بين الجانب القانوني والجانب السياسي.. ولكل اساليبه.

ليست هناك تعليقات: