الأربعاء، ٢٥ يونيو ٢٠٠٨

القس والداعية

المصرى اليوم

بقلم خالد صلاح

كنت أعرف أن ما كتبته هنا حول الحرام الديني والحرام الوطني قد يغضب عددا كبيرا من إخوتي الذين لا يقبلون حراما إلا ما قاله رجال الدين، ولا يرون زاوية للنظر إلا من خلال ما يقوله رجال الدين ولا يخافون، كما أخاف أنا، أن تسقط الأمة بأسرها في دائرة الجدل حول الحلال والحرام في السياسة والاقتصاد والتصدير والصناعة في حين يعلو الموقف الوطني والضمير الشعبي فوق كل شيء فينحاز للحق والمصلحة العامة حتي من قبل أن ينطق محترفو الفتاوي بكلمتهم، أو يجرونا علي أرضية التراشق بالفتاوي بخطورتها وتضاربها أحيانا حسب المصالح.
هذا الغضب ضد ما كتبت تجسد في رسالة من الدكتور طارق قريطم المدرس بكلية الطب في الإسكندرية والذي أرسل لي رأيا جادا ومتكاملا يختلف تماما مع وجهة نظري، وقد رأيت أن الأمانة تقتضي عرض وجهة النظر الأخري مكتملة لإثراء الحوار، أيا كان حجم الاختلاف. وهنا نص الرسالة:
الأستاذ الفاضل... اسمح لي أولا أن أعبر لك عن إعجابي بكثير مما تكتب وأن أختلف معك في مقالك (الحرام الديني والحرام الوطني) أولا ما هو الحرام؟ الحرام هو لفظ فقهي اصطلح علي استخدامه لوصف العمل الذي أمر الشارع بتركه أو تجنبه مع التقرير بأن المخالف لهذا الترك يعرض نفسه للعقاب.
ومن ثم فإذا كنت تعيب علي الداعية الإسلامي والقس الإنجيلي إقحام هذا اللفظ علي قرارات سياسية واقتصادية وإسباغ صفتي الحلال والحرام عليهما، وأنه لا توجد آية في إنجيل أو قرآن تحرم تصدير الغاز إلي إسرائيل، أقول أنه إذا عبت عليهما هذا، فقد فعلت أنت الشيء نفسه فأقحمت لفظ الحرام وهو لفظ فقهي واستخدمته في سياق الحرام الوطني فأدخلت ما هو ديني علي ما هو دنيوي فوقعت في نفس الخطأ الذي اتهمتهما به وهما منه براء، وإلا فمن أين لك بمصطلح الحرام الوطني.
قد أفهم سيدي أن تبدي اعتراضا علي «إقحام» الحلال والحرام علي ما لا يجب إقحامهما فيه، فمثلا إذا كان التصدير إلي إسبانيا أو إيطاليا أو روسيا أو أية دولة في العالم فغالبا لا مجال للحرام والحلال الديني وإنما هي مصلحة الشعب والوطن (والتي تسعي الشريعة إلي الحفاظ عليها بكافة السبل)، أما إذا كان التصدير لإسرائيل فليس هناك مجال إلا للحرام الديني حتي وإن كانت المصلحة الوطنية تقتضي غير هذا (كأن تعطينا إسرائيل مثلا سعرا هو الأعلي علي الإطلاق).
أقول إن ما دفع الداعية الإسلامي والقس الإنجيلي إلي ما قالاه ليس هو شق «تصدير الغاز» وإنما هو شق «إلي إسرائيل» فليس الأمر أمر «قرارات سياسية واقتصادية» وإنما هو أمر «قرارات مقاومة ومبدأ» فليس يا أخي العزيز قد تبقي لنا من شرف مثل شرف هذه المقاومة.
أما ما يجعل مقاومة إسرائيل من الشأن الديني فهو أمر من عدة نقاط، أولها أن الله أمرنا أن نرد الاعتداء إذا وقع علينا بمثله وأن نقاومه حتي نرفعه أو أن نموت وقد أدينا غاية وسعنا فنكون قد أعذرنا.
وأظن إن كانت المقاومة المسلحة الآن غير واردة في حساباتنا كمصريين لأسباب متعددة فأضعف الإيمان أن نتوقف عن دعم الكيان الصهيوني بغاز مصري مدعوم يستخدمه العدو في قتل أبنائنا وأخوتنا من أهل فلسطين المحتلة أو يتدفئون به من برد الشتاء وهم يضعون الخطط لهذا القتل.
وثانيها أننا مأمورون باتباع أولي أمرنا ومنهم علماؤنا الثقات أصحاب العقل المتزن الذين جمعوا فقه الواقع إلي فقه أمهات الكتب، وأخص هنا بالذكر الفقيه القانوني والإسلامي الأستاذ الدكتور/ محمد سليم العوا فراجع إن شئت كل أقواله في هذا الشأن والتي تصب كلها في مثل هذه المعاني التي أحاول إيصالها إليك ولكن ضعف لغتي وأدواتي تعجز عن الأداء.
وثالثها أن إسرائيل نفسها تقر بأنها دولة قامت علي أيديولوجية دينية، وتطالب العالم والعرب بالاعتراف بها كدولة دينية، وإصرارها علي قضية القدس هو من قبيل الشأن الديني فلماذا نخطئ إن حاولنا فل الحديد بالحديد، يا سيدي إن نزعنا نحن سلاح الدين في صراعنا مع العدو الصهيوني فقد ألقينا بسلاح مهم - إن لم يكن الأهم - في وجه عدو لا يتردد في استخدام كل الأسلحة وأولها إلهاب الشعور الديني اليهودي بأرض الميعاد وشعب الله المختار وكل هذه الادعاءات الزائفة، فهل ترضي أن يتمسك العدو بباطله ونتخلي نحن عن حقنا؟!
وعلي هذا أري أن الصواب قد جانبك حين طلبت منهما ألا يتحدثا باسم الله حين يقولان رأيهما وهذا خطأ رهيب يا سيدي ففي الإسلام ليس هناك رأي شخصي محض كما أنه ليس هناك من يتحدث باسم الله فلا كهنوت في الإسلام وإنما هو أمر وسط بين هذا وذاك فعالم الدين أو المفتي إنما ينظر في الأدلة الشرعية بترتيبها ثم يضع في اعتباره ما يلزم أن يؤخذ في الاعتبار من فقه الواقع وفقه الأولويات وفقه الموازنات وفقه المآلات إلي آخره ثم يستنبط الحكم الذي يراه صوابا من وجهة نظره بعد أن يغلب علي ظنه أنه بلغ الغاية في بذل المجهود، فإن أخطأ بعد ذلك فله أجر وإن أصاب فله أجران أما إذا ادعي أحد أنه يتكلم باسم الله أو يحكم بتوكيل من الله فذلك هو الحكم الديني الذي يرفضه الإسلام ولم يقل به أحد من أبي بكر إلي سقوط الخلافة العثمانية فالحكم في الإسلام ليس دينيا وإنما مدني ذو مرجعية دينية، وإن أغضب هذا من لا عقل له.
وأخيرا، إن كنت تخشي أن يقوم علينا ممن يوالي السلطة فيحل ما قد حرم فهذا ليس بمنطق، فقد خرج علينا من يقول إن التدخين لا يبطل الصيام (وفي السيجارة ٣٠٠٠ مادة مسرطنة منها ١٠٠٠ تذوب في اللعاب وتدخل إلي الجوف!!) ويقول إن القبلات والأحضان بين الشباب ليست بحرام وإنما الذي يحرم هو الزني فقط، أقول خرج علينا هذا دون أن تثار هذه المسائل أصلا فإسلامنا يا أخي كما تعلم لا يحجر علي قول أو فكر وإنما يرد علي القول بما هو أبلغ وعلي الفكر بما هو أنصع.
د.طارق يوسف قريطم
مدرس الجراحة العامة بكلية الطب - جامعة الإسكندرية

ليست هناك تعليقات: