الاهرام
بقلم : احمد السيد النجار
في عام2005 نشر لي كتاب عن الوضع الاقتصادي في مصر, وبه فصل عن تفاصيل اتفاقيه تصدير الغاز لاسرائيل, وبرغم اعتراضي علي تصدير الغاز لاسرائيل ككيان يحتل اراضي عربيه ويمتلك ترسانه نوويه تشكل نوعا من الضغط لكل الدول العربيه الا انني ناقشت الصفقه من منطلق اقتصادي وبالتحديد ما تضمنته من تقديم الغاز الطبيعي المصري لهذا الكيان المعادي باسعار تبلغ نحو43% من السعر في السوق العالميه انذاك, علما بان هذا السعر هو سعر وصوله الي هذا الكيان شامله تكاليف النقل والتامين, ولم تشر الاتفاقيه الي تحريك السعر بما يعني ان السعر من المفترض ان يظل ثابتا لمده15 عاما قابله للمد خمسه اعوام اخري, واذا كان سعر تصدير الغاز المصري لاسرائيل قد بلغ نحو1,5 دولار للمليون وحده حراريه بريطانيه, ترتفع الي2,65 دولارباضافه تكاليف النقل والتامين, فان السعر في السوق الدوليه كان6,2 دولار للمليون وحده حراريه بريطانيه عند عقد الاتفاق, في حين كانت الاسعار الاجله للغاز عند عقد الاتفاقيه في منتصف عام2005 تشير الي ان سعر المليون وحده حراريه بريطانيه سوف يرتفع الي13 دولارا في يناير2006, بما يعني ان الاسعار تاخذ اتجاها صعوديا بالغ
القوه يفرض علي اي مفاوض ان ياخذ ذلك في اعتباره, وللعلم فان سعر تصدير الغاز لاسرائيل يعني ان الغاز الطبيعي الذي يكافئ برميلا واحدا من النفط يخرج من مصر بسعر8,7 دولار, ويصل اسرائيل بسعر15,4 دولار في وقت يصل سعر مكافئ برميل النفط من الغاز نحو52,2 دولار في صفقه تصدير الغاز من روسيا لاوكرانيا, وهو سعر يتغير سنويا, بينما يصل السعر في السوق الدوليه حاليا الي54,5 دولار.
وبرغم اهميه القضيه الا انها لم تاخذ الاهتمام الذي تستحقه, الي ان اقترب موعد ضخ الغاز لاسرائيل, وتدخل تعارض المصالح بين بعض رجال الاعمال المستفيدين وغير المستفيدين من هذه الصفقه, لتثار من جديد, وهو امر طيب في كل الاحوال, بغض النظر عن ادعاءات البعض حول كشفهم لقضيه مكشوفه اصلا في كتاب نشر في سبتمبر2005, وتم عمل عروض له في عدد كبير من الصحف والدوريات.
وفي المقال السابق الذي نشرته في هذا المكان من اسبوعين, اشرت الي ان تعديل اتفاقيات تصدير الغاز للدول الاخري سيضيف قرابه15 مليار جنيه كايرادات للموازنه العامه في السنه قابله للتصاعد مع تزايد اسعار الغاز, وهي اموال تذهب لدعم اسرائيل واسبانيا بالاساس, واحداهما دوله معاديه ودخل الفرد فيها اكثر من13,8 ضعف دخل الفرد في مصر وفقا لتقرير البنك الدولي عن التنميه في العالم2008, والثانيه دوله شديده الثراء ودخل الفرد فيها اكثر من20,4 ضعف نظيره في مصر, وهي ليست في حاجه للدعم من مصر, وبالطبع هناك اتفاقيات لتصدير الغاز المصري للاردن وغيرها من الدول, وهي تحتاج بدورها للتغيير للحصول علي ثمن عادل لثروه طبيعيه لا تملكها اي حكومه, ولكن يملكها كل ابناء مصر بالتساوي شان اي ثروه طبيعيه في اي بلد.
وقد اعلن وزير البترول منذ ايام, ان الوزاره بصدد تعديل عقود تصدير الغاز, وان العائدات الاضافيه المتوقعه من هذه التعديلات في الفتره المتبقيه من هذه العقود, تبلغ نحو18 مليار دولار, اي نحو96 مليار جنيه مصري, وفقا لسعر الصرف الحالي, والحقيقه ان هذا الاعلان هو اقرار متاخر للغايه بعدم صلاحيه هذه الاتفاقيه منذ البدايه, وعدم حفاظها علي المصالح المصريه في الحصول علي سعر عادل لصادراتها من مواردها الطبيعيه الناضبه من الغاز, والحقيقه ان الصفقات التي عقدت بهذه الصوره تستدعي محاسبه كل من شارك فيها وتقديمها كقضايا فساد بما يتيح لمصر تعديل الاتفاقيات واسعار البيع بدون تحمل اي جزاءات. وهناك تخوف مشروع من ان يتم تعديل الاتفاقيات بالاتفاق علي اسعار ثابته جديده, واذا حدث هذا الامر فانه سيكون مشكله او بالاحري كارثه جديده, لان الحد الادني من اعتبارات الكفاءه في ابرام اتفاقيات طويله الاجل بشان تصدير الغاز الطبيعي وهو سلعه اوليه ناضبه ومتصاعده السعر, هو ان تكون الاسعار متغيره وتاخذ بمتوسط السعر السنوي في سوق التبادل القاري في لندن بالنسبه للصادرات المتوجهه للاردن وللكيان الصهيوني, او في سوق نايمكس في نيو
يورك بالنسبه للصادرات لاسبانيا, وهذا الامر مهم للغايه لان الاسعار الاجله للغاز الطبيعي تشير الي ارتفاع كبير في الاسعار, ففي سوق التبادل القاري في لندن, بلغ سعر المليون وحده حراريه بريطانيه نحو15,6 دولار في التعاقدات الاجله تسليم شهر يناير2009, بما يعني ان سعر الغاز المكافئ لبرميل واحد من النفط سوف يبلغ نحو90,5 دولار, في حين بلغ السعر في سوق نايمكس نحو10,9 دولار للمليون وحده حراريه بريطانيه اي ما يعادل63,2 دولار للغاز المكافئ لبرميل واحد من النفط.
وبعيدا عن اتفاقيات تصدير الغاز التي ابرمت والتعديلات الضروريه لها, ومحاسبه من ابرموها بشروط جائره ومجحفه بمصر, فان تصدير الغاز نفسه يمثل مشكله كبيره وتكرارا لخطا تصدير النفط الذي سيودي في النهايه الي تحول مصر لمستورد للطاقه باسعار خياليه في المستقبل بما يضر الاجيال القادمه ضررا جسيما, عندما تنضب الاحتياطيات المصريه من النفط والغاز.
وتشير بيانات منظمه الدول العربيه المصدره للبترول( اوابك) الي ان اجمالي احتياطيات مصر من النفط يبلغ3,72 مليار برميل, ووفقا لمعدل الانتاج الراهن فانها تنضب خلال عشره اعوام فقط, وبعدها تتحول مصر الي دوله مستورده لكل احتياجاتها من النفط باسعار خياليه لا يتحملها اقتصادها النامي, اما احتياطيات الغاز, فانها بلغت نحو1943 مليار متر مكعب اي نحو12,8 مليار من مكافئ برميل النفط, ووفقا لمعدلات الانتاج الحاليه فان هذا الاحتياطي ينتهي تماما في منتصف هذا القرن, والحقيقه ان تصدير النفط والغاز في صورتهما الخام هو قدر للدول الاقل نموا او المتخلفه, في حين ان مصر التي بدات الصناعه فيها بالمعني الحديث قبل قرن وثلاثه ارباع القرن في عهد محمد علي, تستحق ان يعمل ابناوها علي صناعه مستقبل ومصير افضل واكثر رقيا من هذا, من خلال استخدام ثروتها الطبيعيه المحدوده من النفط والغاز في صناعه منتجات مباشره منهما مثل منتجات النفط او البتروكيماويات, او استخدامهما في صناعه سلع وخدمات في داخل مصر بما يعني ايجاد فرص عمل ورفع القيمه المضافه والناتج المحلي الاجمالي ومتوسط نصيب الفرد منه, وترتيبا علي ما سبق فانه ينبغي التوق
ف تماما عن عقد اي اتفاقيات لتصدير النفط او الغاز لان مصر الحاليه والمستقبليه تحتاج هذه الثروه بدلا من تصديرها باسعار منخفضه حاليا والاستيراد باسعار اسطوريه في المستقبل, كذلك فانه من الضروري تعديل اتفاقيات تصدير الغاز بحيث يكون السعر مطابقا لمتوسط السعر في الاسواق الدوليه, ومتغيرا تبعا لتغير هذه الاسعار, اما من ابرم اتفاقيات الغاز القديمه مع اسرائيل والاردن واسبانيا وغيرها, فانه يستحق المحاسبه علي اهدار المال العام العائد للشعب.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق