الاثنين، ١٢ مايو ٢٠٠٨

كارثة توريد الغاز لإسرائيل

المصرى اليوم

بقلم د.يحيى الجمل

من المواد الدستورية التقليدية، التي ترد في كثير من دساتير العالم والتي تفهم ضمناً من مجمل نصوص الدستور المادة التي تقول: «الثروات الطبيعية سواء في باطن الأرض أو في المياه الإقليمية ملك للدولة».

وعلي هذا النحو فإن هذه الثروات هي من قبيل الملكية العامة للدولة، والملكية العامة للدولة لا يجوز التصرف فيها بالبيع أو الهبة أو التأجير إلا وفقاً لأحكام معينة تنص عليها الدساتير.

والأصل ألا يتم أي من هذه التصرفات في الملكية العامة إلا بعد موافقة ممثلي الشعب، باعتبار أن الشعب كله هو المالك الحقيقي للثروات الطبيعية، والدولة هي التشخيص القانوني للشعب.

هذه القواعد الدستورية المقررة خولفت كلها في جريمة بيع الغاز لإسرائيل عن طريق الالتفاف حول القواعد الدستورية المسلمة، وذلك بإنشاء شركة خاصة بين مجموعة من الأفراد والتصريح لهذه الشركة بالتصرف في ثروة طبيعية من ثروات الشعب، التي تعتبر قولاً واحداً ملكية عامة وهي الغاز الطبيعي المستخرج من باطن الأرض،

بل التصريح لها بمد خط أنابيب يحمل هذا الغاز الطبيعي إلي حيث يريد ملاك هذه الشركة من الأفراد -شركة غاز شرق المتوسط- إلي إسرائيل وبأسعار أدني من الأسعار العالمية بكثير، والارتباط بتصدير هذه الثروة القومية بهذا السعر المتدني إلي فترة طويلة قادمة (خمسة عشر عاماً، وفي قول آخر عشرون عاماً)، وأحد الشركاء الرئيسيين في هذه الشركة المريبة المثيرة للجدل والتي تخفي في باطنها رائحة العفن والفساد، تردد اسمه في مشكلة أجريوم في دمياط، وتردد اسمه في أرض طابا، التي نزعت من عائلة سياج وأعطيت له وأصبح الموضوع محل قضية أمام المحاكم الدولية.

المهم أن هذا الشخص المريب كان يمتلك حصة في هذه الشركة وباع من حصته ما يساوي ١٢% من رأسمال الشركة كله إلي أجانب إسرائيليين وأمريكيين بمليارات الدولارات.

وهكذا انتهي الأمر إلي الصورة الغريبة العجيبة الآتية: شركة أصبحت بحكم المالكين لها شركة إسرائيلية تبيع وتصدر لإسرائيل الغاز الطبيعي المصري، الذي يعد ثروة طبيعية وملكية عامة بأسعار متدنية ولمدد طويلة قادمة.

ماذا يكون إهدار المال العام وماذا تكون المخالفة الدستورية وماذا يكون اغتيال مقدرات هذا الشعب إن لم يكن هذا الذي حدث يمثل ذلك كله؟

وهل يصدق أحد أن الغاز المصري يباع في إسرائيل بسعر أقل من السعر الذي يباع به لصاحبه الأصلي المواطن المصري، الذي يشتري الغاز المصري بسعر أعلي من السعر الذي يباع به هذا الغاز نفسه لإسرائيل؟

ماذا تكون الخيانة في حق هذا البلد إن لم تكن هذا الذي يحدث؟

ماذا تكون الجريمة في حق هذا الشعب ما لم تكن هذا الذي يجري في هذه الأيام؟

ومن حق الناس أن تتساءل: أي قوة يملكها هذا الشخص المريب، الذي نصادفه في أغلب الصفقات المريبة وما سر نفوذه؟ وهل هو يعمل لحساب نفسه فقط أم لحساب آخرين، يقدمون له الدعم والحماية ويسهلون له مخالفة القانون، بل مخالفة الدستور؟

ومن حق الناس أيضاً أن تتساءل: لماذا تبيع مصر جزءاً من ثروتها الطبيعية المهددة بالتناقص بل النضوب الكامل في عدد قليل من السنين لإسرائيل، بسعر يقل عن كل سعر معقول؟ بسعر أقل من (عُشر) السعر الطبيعي السائد في السوق العالمية؟ تباع لإسرائيل الوحدة بحوالي دولار ونصف وسعرها في السوق العالمية يزيد علي خمسة عشر دولاراً وفي تزايد مستمر.

قال البعض إن الحكومة المصرية أرادت أن تقدم لإسرائيل بمناسبة العيد الستين لتأسيسها واغتيالها الأرض العربية هدية سخية، فاختارت أن يبدأ ضخ الغاز في مناسبة الاحتفالات بالأعياد الإسرائيلية.

وقال البعض، بل إن الحكومة المصرية أرادت أن تساعد إسرائيل علي توفير الطاقة لمصانعها وأسلحتها كي تدمر غزة والضفة والسلام.

وقال البعض الآخر، بل إن الهدف الأصلي للحكومة المصرية من بيع الغاز الطبيعي بهذا السعر المتدني هو تجويع الشعب المصري وإرهاقه برفع كل أسعار ما يحتاجه في حياته، ذلك أن الحكومة المصرية كانت تستطيع لو أنها باعت هذا الغاز بسعره الطبيعي في السوق العالمية أن توفر من العوائد ما يغنيها عما ارتكبته في حق هذا الشعب من إثم وعدوان وإرهاق في الأيام الأخيرة.

ومن الخبثاء، من يقول: ومن يدريكم أن الحكومة المصرية لم تقصد تحقيق كل هذه الأغراض مجتمعة في صفقة واحدة؟

وقال أحد المدافعين عن الحكومة وعن هذه الآثام إن ما أبرمه وزير مصري ووزير إسرائيلي لكي يمهد لتمرير هذه الصفقة ليس من قبيل المعاهدات الدولية، وهو نفسه يعلم قبل غيره أن اتفاقية فيينا الشارعة للمعاهدات الدولية تقرر أن كل اتفاق بين دولتين -أياً كانت صورته أو اسمه- هو اتفاق دولي ينطبق عليه وصف المعاهدة.

يا ناس مصر لم تسئ إليكم فلماذا تنتقمون منها هذا الانتقام؟

يا ناس حرام.. حرام.. حرام.

وما أظن أن يوم الحساب سيتأخر طويلاً.

ليست هناك تعليقات: