الجمعة، ٢٣ مايو ٢٠٠٨

المستشار الخضيري يكتب: رفع سعر تصدير الغاز لإسرائيل لا يكفي

المصرى اليوم

طالعتنا الصحف الصادرة صباح يوم الأربعاء الموافق ٢١ مايو ٢٠٠٨، بنبأ إجراء الحكومة مفاوضات مع الدول التي نصدر لها الغاز الطبيعي المصري، ومنها إسرائيل، لرفع سعر تصديره لتتماشي مع الأسعار العالمية، وقال الخبر إن ذلك التعديل يمكن أن يأتي لمصر بمبلغ ١٨ مليار دولار في مدة العقد، وهذا النبأ وإن كان يعتبر نبأ سعيداً، كان يجب أن نسمعه منذ زمن مضي، ضاعت فيه علي مصر مليارات الدولارات، إلا أنه بلا شك نبأ غير سعيد مطلقاً، بالنسبة لتصدير الغاز إلي إسرائيل، الذي يجب أن يتوقف مهما كان العائد المادي من ورائه، لأن تصديره لبلد عدو يتنافي مع أبسط مبادئ القيم والأخلاق الوطنية، وهو جريمة خيانة عظمي وتعريض الأمن القومي المصري والعربي للخطر.

واضح من سلوك الحكومة في هذا الأمر، أنها لا تنوي ولا تستطيع القيام بمنع تصدير هذا الغاز إلي إسرائيل، لما يمكن أن يترتب علي ذلك من إغضاب الأخت الكبري الراعي الرسمي للحكام العرب أمريكا، والحكام لا يقولون ذلك بالطبع، إنما هم يحتجون علينا بأن هناك اتفاقاً دولياً يمكن أن تترتب عليه خسائر مادية، تتمثل في التعويض الذي تدفعه مصر، والحقيقة أن هذه الحجة ساقطة، والدليل علي ذلك أن الحكومة عند ردها علي السؤال الموجه إليها عن سبب عدم عرض هذه الاتفاقية في مجلس الشعب، إعمالاً للمادة ١٥١ من الدستور، التي توجب عرض هذه الاتفاقيات علي مجلس الشعب لإقرارها، قالت إن هذه الاتفاقية ليست اتفاقية بين مصر وإسرائيل حتي يتم عرضها علي مجلس الشعب، بل هي اتفاقية بين الشركة التي تملك حصة في هذا الغاز، وشركة إسرائيلية، فإذا كانت هذه الإجابة صحيحة، فإنه لن يقع علي مصر خسارة مالية من جراء قطع الغاز عن إسرائيل، بل الذي سيتحمل الخسارة هي الشركة المالكة للغاز، وهذه يمكن أن تعوض الخسارة عن طريق تصديره لبلد آخر بسعر أكبر.

الحقيقة التي لا يجب أن تغيب عنا، أن الحكومة ليست راغبة في قطع الغاز عن إسرائيل، وحتي إذا رغبت لا تقوي علي ذلك، ولذلك فإنه لا مناص من أن يقوم الشعب بدوره في هذا الشأن، ويبدو أن الحملة التي يقوم بها بعض الغيورين علي مصلحة مصر في هذا الشأن، قد بدأت تؤتي ثمارها، ومطلوب منها أن تستمر وتقوي وتنشط وتوحد صفوفها، حتي تستطيع أن تبلغ غايتها في هذا الأمر، وقد كان لبيان جبهة علماء الأزهر، أكرمهم الله، أثر بالغ في هذا الشأن، لأن المصريين بطبعهم شعب متدين يعملون حساباً كبيراً لحكم الدين، فيما يقومون به من أعمال، ويعرفون الفرق بين المال الحرام والمال الحلال، لا يشذ عن ذلك إلا من ابتلاه الله بمنصب حكومي، جعل ضميره في إجازة إلي أن يخرج منه ويجلس إلي جوار الحائط يجتر الذكريات ويعض بنان الندم، علي ما قدمت يداه.

إذا كانت الحكومة لا تقوي علي قطع إمداد إسرائيل بالغاز وهي مصرة علي فعلتها الشنعاء، فإن شعب مصر كله بلا شك لا يرغب في ذلك، ويشمئز من هذا التصرف، وإذا كان الأمر كذلك، فلابد من موقف شعبي في هذا الأمر، وهذا الموقف لا يكون إلا بمساعدة عمال شركة توريد الغاز لإسرائيل علي الامتناع عن العمل بعد أن وضح تماماً رأي الدين في هذا العمل، و ما ينجم عنه من مال حرام، فلا يوجد إنسان في مصر مهما كانت ديانته، يقبل أن يعيش ويربي أولاده من مال حرام، إلا أنه إلي جوار ذلك لا يجب أن نترك هؤلاء العمال يواجهون وحدهم هذا الأمر الصعب، وتجب مساعدتهم علي ذلك بأن نوفر لهم عملاً شريفاً محترماً في مكان آخر بأجر مماثل أو مقارب للأجر الذي يتقاضونه في الشركة التي تقوم بتصدير الغاز إلي إسرائيل، وبذلك نعينهم ونشجعهم علي ترك هذا العمل، أما أن نقول لهم هذا عمل شائن ونتاجه حرام، ونطلب منهم تركه وهم في حاجة إلي هذا المال مصدر رزقهم ورزق أولادهم، فهذا أمر غير واقعي، وسيجدون من شياطين الإنس من يزين لهم البقاء في عملهم الحرام، هذا بحجة أن الضرورات تبيح المحظورات، لأنه حتي وإن كان العمل حراماً، فإنهم في حاجة إلي الراتب الناجم عنه.

ومن هنا لن نكون عمليين إذا طلبنا من العاملين في هذه الشركة ترك عملهم فيها دون أن نوفر لهم مصدراً آخر حلالاً للرزق وعملاً شريفاً يلتحقون به بعد ترك عملهم في هذه الشركة الملعونة، وأري الحل الأمثل لذلك أن الجهة التي أخذت علي عاتقها محاربة تصدير الغاز إلي إسرائيل عليها أن تقوم بعملين في وقت واحد، الأول: إنشاء صندوق لرعاية أسر هؤلاء العاملين بالشركة، تتكون حصيلته من تبرعات أهل الخير لكي نقدم المساعدة المالية العاجلة لكل رب أسرة يترك عمله في هذه الشركة، علي أن يجد عملا شريفاً في شركة أخري، والثاني: مساعدته في ذلك، وأعتقد أن شعب مصر كله سيقف إلي جوار إخوانهم العاملين في هذه الشركة الراغبين في ترك العمل بها سواء في مساعدتهم بعد تركه أو إيجاد عمل شريف لهم.

هذا أحد الحلول العملية التي نقدمها لمنع تصدير الغاز لإسرائيل، والذي أعتقد أن كل مصري غيور علي بلده وعرضه ودينه وثروته، يتألم منه ويشعر بالخزي والعار من جرائه، ولقد لفت نظري ما قاله الصديق الأستاذ مجدي الجلاد، واصفاً شعوره وهو يقف في أحد شوارع إسبانيا ليلاً متطلعاً علي أحد أعمدة الإنارة التي تستمد طاقتها من الغاز المصري، وهو بلا شك شعور كل مصري، وإذا كان هذا شعورنا إزاء تصدير الغاز إلي دولة الروابط بها عادية، لمجرد أن السعر الذي تحصل به علي الغاز أقل مما يجب أن يكون عليه.

فما بالك بشعور المصريين إزاء تصدير الغاز إلي بلد عدو يستعمله لكي يقوي علينا وعلي إخواننا ويعمل فينا القتل والتشريد، إنه شعور مرير لا يستطيع مصري شرب من ماء النيل وتربي بين أحضان هذا البلد الأصيل وعشق ترابه وهواءه أن يقبل به، ولن يمنعنا من محاربة تصدير الغاز إلي إسرائيل أو يثني العاملين في الشركة التي تقوم بتصديره ما تقوم به بعض الجهات الأمنية من محاولات لإثناء العاملين فيها عن الإضراب، بل سيزيدنا ذلك إصراراً علي ما نقوم به لأنه عمل وطني قومي لأجل شعب مصر والشعوب العربية والإسلامية جميعاً.

صرخة في وجه الرئيس الأمريكي: عدونا الحقيقي هو إسرائيل ومن يقف وراءها ويؤيدها ولا نعرف لنا عدواً آخر، أما الإخوة في فلسطين فهم الأشقاء معنا في السراء والضراء، وستكون نهاية الظلم علي يديهم، لأن دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلي قيام الساعة، ويكفي حزب الله فخراً أنه هزم صديقتك إسرائيل التي تضمن أمريكا تفوقها في السلاح علي كل البلاد العربية جميعاً، ولتعلم أن ديننا قد علمنا أنه كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، لأن الفئة القليلة مسلحة بالحق والإيمان القوي، أما الفئة الكثيرة فهي مسلحة بالغرور القاتل الذي جعل السلحفاء تسبق الثعلب، والنملة تقتل الأسد، وإن شاء الله يحتفل العرب والمسلمون بعد ستين عاماً بالعيد الماسي لزوال إسرائيل.

ليست هناك تعليقات: