الاثنين، ٢٤ مارس ٢٠٠٨

قالت إنها لم تصدر غازا إليها ولكن الشركات هي التي تصدره ..الحكومة ترفض الكشف عن أسعار بيع الغاز لإسرائيل بذريعة "سرية الصفقة

المصريون

كتب صلاح الدين أحمد

شهد مجلس الشعب أمس جلسة ساخنة زاد من سخونتها الأجواء الحارة التي تشهدها مصر هذه الأيام، وذلك أثناء رد الحكومة على استفسارات نواب البرلمان حول صفقة تصدير الغاز المصري لإسرائيل المثيرة للجدل، والتي كان مقررا دخولها حيز التنفيذ اعتبارا من هذا العام، فيما وصفه النواب بأنه يمثل "فضيحة كبرى" للحكومة المصرية، في وقت لا تزال فيه مناطق عدة في مصر محرومة من إمدادها بالغاز، وكذا العديد من القلاع الصناعية الوطنية.
وعبر النواب عن عدم قناعتهم بردود الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشئون القانونية والمجالس النيابية، خاصة بعد رفضه الإفصاح عن سعر بيع الغاز لإسرائيل، وهو أثار استهجان النواب، الذين تساءلوا: كيف يتم حجب معلومات على البرلمان الذي يمثل الأمة، وهو أمر لا يحدث في برلمانات الدول الأخرى؟.
بدوره، نفى شهاب توقيع اتفاقيات بين مصر وإسرائيل لتصدير الغاز إليها، وقال إن هناك عقودا مبرمة بين الحكومة وبعض الشركات الكبرى، وإن دور الدولة يتحدد في إبرام مذكرات تفاهم مع الدول المستوردة للغاز المصري لإمدادها بالأنابيب اللازمة لنقل الغاز.
وأوضح أن كافة الشركات المصرية التي تقوم بإمداد الغاز لإسرائيل تخضع لقانون الاستثمار، ونفي بدء هذه الشركات في تصدير الغاز لإسرائيل، وقال إن ما يحدث هو تجارب لبدء تشغيل الخطوط.
وأشار إلى أن العقود تم توقيعها بين الهيئة العامة للبترول كطرف بائع، والشركات المصرية الاستثمارية كطرف مشتري، لافتا إلى أن كافة الاتفاقيات البترولية التي تعرض على مجلس الشعب تضمن نصوصا صريحة تسمح بالتصدير إلى الخارج ولا تشترط موافقات أخرى.
وكان وزير البترول المصري المهندس سامح فهمي وقع اتفاقا بهذا الصدد مع وزير البنية التحتية الإسرائيلي السابق بنيامين بن إليعازر في يونيو 2005، ومهد ذلك لتوقيع صفقة بين شركة دوراد الإسرائيلية للطاقة مع شركة "إي إم جي"، المصرية الإسرائيلية في ديسمبر 2006 بقيمة ملياري دولار لشراء الغاز الطبيعي من مصر. وتبلغ مدة العقد بين 15 و20 عاما، ويقضي بتسليم ما يصل إلى 1.2 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا، اعتبارا من عام 2008.
وأشار شهاب إلى أن مذكرة التفاهم الموقعة بين الطرفين المصري والإسرائيلي لتسهيل مرور أنابيب الغاز إلى إسرائيل لا تأخذ طابعًا ماليًا، ولا تتطلب عرضها على مجلس الشعب للموافقة عليها.
وشدد على سرية بنود الاتفاقيات حول تحديد سعر تصدير الغاز الطبيعي، وقال "لابد من موافقة الطرفين للكشف عن هذه البنود"، لافتا إلى صعوبة تحديد سعر محدد لتصدير الغاز المصري لإسرائيل بسبب تذبذب أسعار الغاز في العالم.
وأكد أن سعر تصدير 7 مليون وحدة حرارية للغاز وصل الآن 10 دولارات بعد أن كان 3.5 دولار، لافتا إلى أن أسعار تصدير الغاز المصري لإسرائيل غير معلنة لكنها تزيد عن 1.5 دولار لكل 7 مليون وحدة حرارية وتزيد عن سعر السوق المحلي.
ورد الدكتور سرور، قائلا "من حق النائب طرح أي سؤال في الجلسة ويتعين على الوزير المختص الإجابة فورا. وأن أراد التأجيل فهو حق مشروع له"، واستطرد قائلا "نواب البرلمان من حقهم أن يسألوا الحكومة فجأة".
وكان المهندس سامح فهمي وزير البترول قد تغيب عن حضور جلسة البرلمان أمس بسبب سفره إلى موسكو في زيارة رسمية.
وأكد شهاب أنه يتم مراجعة قطاع البترول كافة عقود تصدير الغاز الطبيعي إلى الخارج من خلال مخطط قومي يستهدف تحقيق 18 مليار دولار، موضحا أن متوسط تكلفة إنتاج الغاز الطبيعي يتراوح ما بين 65 إلى 70% دولار لكل مليون وحدة حرارية.
من جهة ثانية، عزا الوزير عدم رده على الأسئلة التي أثارها النائب حمدين صباحي في مجلس أمس الأول إلى عدم معرفته بالمعلومات الفنية الكافية، بالإضافة إلى أن وزير البترول لم يتناول أمس كافة البيانات التفصيلة للموضوع.
وأكد أن الحكومة لم تحجب أية بيانات عن الاتفاقية, مذكرا بأن الاتفاقية الخاصة بتصدير الغاز مع إسرائيل ليست دولية مما لا يستدعى عرضها على البرلمان، وإنما هي عقد بين شركتين مصريتين، وأضاف أن الحكومة لن تقبل أن يتهمها أحد بدن مبرر.
وحول عدم تناسب أسعار بيع الغاز، اعترف شهاب بصحة ذلك، وأضاف أن قطاع البترول يقوم حاليا بمراجعة كل عقود تصدير الغاز بلا استثناء ومن المتوقع أن تحقق التعديلات 18 مليار دولار للموازنة العامة بعد أن ارتفعت الأسعار العالمية للغاز.
وطلب الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب إحالة الموضوع إلى لجنة الصناعة بمجلس الشعب لدراسة البيان الفني لوزارة البترول عن ملف تصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل وعقود التصدير التي أبرمتها الشركات، وأكد على ضرورة إعداد تقرير عن القضية برمتها وعرضه على البرلمان.
وقد أثار النواب اعتراضهم على الصفقة، مبدين دهشتهم من رفض الحكومة الكشف عن تفاصيل الصفقة بداعي السرية.
وأوضح النائب حسين إبراهيم أن الحكومة ردت على لسان الدكتور مفيد شهاب بينما كان وزير البترول موجودا أثناء إثارة الأزمة في جلسة أمس الأول، وأبدى دهشته من إصرار الحكومة على سرية المعلومات الواردة في عقد تصدير الغاز وحجبها عن نواب مجلس الشعب.
في حين ندد النائب رجب هلال حميدة، بما وصفها بـ "الصفقة الفضيحة"، مستندا إلى ما ذكره الوزير من أن أسعار الغاز في الأسواق العالمية بلغت نحو 10 دولارات لكل 7 مليون وحدة حرارية بينما تصدره مصر لإسرائيل بأقل من دولارين، ما اعتبره فضيحة تستلزم أن تتدخل الحكومة لمنع الصفقة.
وقال إن مصر بحاجة إلى توصيل الغاز للمساكن والمصانع كثيفة العمالة، مشيرا إلى أن هناك "سماسرة" يختارهم النظام للمتاجرة مع إسرائيل، وهتف قائلا: "تسقط إسرائيل ويسقط كل حليف أو متاجر مع إسرائيل"، في الوقت الذي أعرب فيه عن خشيته من أن تمد مياه نهر النيل لإسرائيل.
من جانبه، تساءل النائب الدكتور جمال زهران عن دور الحكومة في تنفيذ البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك لتوصيل الغاز للمنازل لإسرائيل بكميات غير معلومة لمجلس الشعب، مبديا رفض النواب تصدير الغاز لإسرائيل، باعتباره يمثل "مؤامرة" على القضية الفلسطينية.
وطالب الدكتور مصطفي السعيد رئيس اللجنة الاقتصادية بتوفير أن تكون البيانات متوافرة لدي المجلس عن الصفقة برمتها مشيرا إلى ضرورة أن تكون العقود المبرمة محققة لمقتضيات الأمن القومي لمصر وأن تكون أسعارها عادية وتحقق مصالح الشعب المصري.
من جهته، طالب النائب محمود أباظة بإطلاع البرلمان المصري على أسعار الغاز، مقترحا إجراء تعديل تشريع بما يسمح بمعرفة كافة البيانات مع إمكانية تعديل تلك العقود.
وأكد أن الشعب المصري لا يقبل وجود أية علاقات مع إسرائيل في ظل سياستها ضد الشعب الفلسطيني وما تشكله من خطر لأمن المنطقة وأمن مصر، وأشار إلى ضرورة رفع حظر المعلومات المفروضة على العقود المبرمة مع منح النواب حرية الإطلاع على كافة المعلومات الخاصة بعقود التصدير سواء كانت غاز أو غيرها.
أما النائب طلعت السادات، فقد عبر عن رفضه لتصدير الغاز المصري لإسرائيل، مدللا بالمثل الدارج "إن ما يحتاجه الناس يحرم على الجامع"، معتبرا أنه من غير المعقول أن السماح بتصدير الغاز بينما محطات الكهرباء ومصانع الأسمدة في مصر تحتاج إليه، وطالب بسحب الثقة من الحكومة بعدما اتهمها بأن تضيع أموال الشعب المصري لصالح الأجانب.
فيما توقع النائب رجب القلا أن تشهد الأيام المقبلة أزمة في الوقود في وقت تعاني فيه العديد من المصانع من عدم توفر الوقود، خاصة في طنطا والإسكندرية، بينما توجه الحكومة الغاز لإسرائيل. وتساءل مستنكرا: كيف تصدر الغاز ومصانعنا لا تجد السولار أو الوقود الذي تعمل به وبها ألاف العمال المهددين بالتشرد.
من ناحيته، أكد النائب فايز أبو حرب على حق مجلس الشعب في مراجعة كافة الاتفاقيات الخاصة بالتصدير، مما يستدعى إعادة عرض اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل للنظر فيها وتعديل سعر الغاز.
وأبدى النائب حسن يوسف اندهاشه من تهرب الحكومة من مسئوليتها عن تصدير الغاز لإسرائيل في وقت وافقت فيه على إقامة أنابيب لتصدير الغاز لإسرائيل، وعقب النائب محمد حسين بسخرية قائلا: الأنابيب ستستخدم في تصدير عصير القصب.
ودعا النائب محمد البلتاجي إلى إطلاع مجلس الشعب على معرفة تفاصيل صفقة تصدير الغاز لإسرائيل وإلغاء الاتفاقية التي وقعتها الشركات، لأنها اعتمدت على وضع أسعار مدعومة على حساب رغيف الخبز، ووصف إجراء التعاقد بأنه باطل ويجب قطعه.
وطالب النائب علاء عبد المنعم من وزير الشئون البرلمانية تحديد مصير استخدام الغاز وعلى أرض الدولة، متسائلا: كيف يتم التصرف في ثروات البلد بعيدا عن الحكومة؟، وقال: "ردود الوزير لا تقال في برلمان ولا قهوة بلدي"، مبديا دهشته من تحويل عقود التصدير إلى "سر حربي" محجوب عن نواب الشعب.
وأشار النائب سعد الحسيني إلى أن اتفاقية تصدير البترول مصدق عليها من وزير العدل مما يدل على أن الحكومة تدرك كافة أبعادها، وهو ما قال النائب مصطفي الجندي إن شعب مصر يرفضه، مطالبا بمعرفة أسعار وكميات التصدير مؤكدا أن الدولة لا تجد وقودا مما يحتم حل مشاكلنا بدلا من حل مشاكل إسرائيل

ليست هناك تعليقات: