الأربعاء، ٢٥ أغسطس ٢٠١٠

هل أصبحت المصلحة الإسرائيلية أولى بالرعاية؟

المصرى اليوم

بقلم د. حسن نافعة

بات على الحكومة المصرية أن توضح للشعب المصرى، وبطريقة لا تحتمل أى لبس، حقيقة العلاقة بين أزمة انقطاع التيار الكهربائى، وصفقة بيع الغاز المصرى لإسرائيل. فحتى وقت قريب كان الانطباع السائد أن الحركة الوطنية المصرية تؤسس معارضتها لصفقة بيع الغاز لإسرائيل على سببين رئيسيين، الأول: وطنى يرى فى إسرائيل مصدرا رئيسيا للتهديد، ومن ثم يعتبر أن مدها بسلعة الغاز الاستراتيجية يشكل خطرا كبيرا على أمنها، والثانى: اقتصادى يرى أن سعر بيع الغاز المصرى لإسرائيل يقل كثيرا عن سعره العالمى، ومن ثم يمثل هدرا للموارد المصرية. والآن أضيف سبباً ثالثاً أخطر كثيرا، هو أن الحكومة تبيع الغاز لإسرائيل خصما من الكميات اللازمة لتشغيل مصانع مصر وإضاءة منازلها.

لقد اعترفت وزارة الكهرباء، أخيرا، بأن السبب الرئيسى فى اتخاذها قرار تخفيف الأحمال يعود إلى قيام وزارة البترول بخفض كمية الغاز الطبيعى المورد للشركة القابضة للكهرباء بنسبة ٢% منذ عام ٢٠٠٤، والذى تواكب مع صفقة بيع الغاز لإسرائيل بكميات ضخمة، مما ترتب عليه انخفاض نسبة الغاز المستخدم فى محطات الكهرباء من ٩٨% فى ذلك الوقت إلى ٧٨%. ولأن وحدات الشبكة مجهزة للعمل بالغاز الطبيعى كوقود أساسى، والمازوت كوقود احتياطى، فقد كان من الطبيعى أن يؤدى خفض الكمية التى تحصل عليها من الغاز الطبيعى، من ناحية، وسوء حالة المازوت المستخدم، من ناحية أخرى، إلى قرار تخفيض الأحمال فى مناخ شديد الصعوبة - إلى كارثة حقيقية وخسائر يصعب حصرها فى هذه اللحظة.

كانت الجهود التى بذلتها رموز مهمة فى الحركة الوطنية المصرية، على رأسها السفير إبراهيم يسرى، قد أسفرت عن صدور حكم نهائى من المحكمة الإدارية العليا يوم ٢٧/٢/٢٠١٠ بوقف تنفيذ قرارى مجلس الوزراء ووزير البترول ببيع الغاز إلى إسرائيل، مستندا فى ذلك لأسباب اقتصادية فى المقام الأول. فصفقة البيع، وفقا لحكم المحكمة، لا تتضمن آلية للمراجعة الدورية لكمية الغاز المصدر وأسعاره خلال مدة التعاقد، وفق القواعد والأصول الفنية المتبعة.

لذا طالب الحكم بإلغاء الاسترشاد بسعر البترول الخام عند حدود ٣٥ دولاراً، وبمراجعة الحدين الأدنى والأعلى لسعر الغاز إلى إسرائيل، بما يتوافق مع تطور الأسعار فى السوق العالمية وما يتفق مع الصالح العام المصرى، وبوجوب مراعاة شروط محددة، أهمها عدم التصدير إلا بعد سد حاجة الاستهلاك المحلى، وأن يكون البيع بالأسعار العالمية، وأن يراجع كل سنة.

لقد بدا إصرار الحكومة على عدم تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا النهائى والملزم، طوال الشهور الستة الماضية، أمرا غير مفهوم، وغير مبرر، بل يشكل استخفافا غير لائق بالقضاء.

أما الآن، وبعد أن تكشفت فضيحة الكهرباء، وثبت أن مصر تقتطع من لحمها الحى لتعطى لإسرائيل، لم تعد الحكومة المصرية حتى فى حاجة إلى حكم قضائى لإلغاء صفقة توريد الغاز فورا. وقد رأينا أن الحكومة الروسية أوقفت على الفور تصدير القمح بسبب الجفاف. ولأنه لا يمكن لأى حكومة وطنية أن تبيع سلعة يحتاجها بيتها الداخلى، فما بالك إذا كانت الدولة التى تبيعها لها معادية وتشكل خطرا حقيقيا على أمنها، فعلى الحكومة المصرية،

أولا: أن تشرح لشعبها حقيقة ما حدث وأن تفسره، وثانيا: أن توقف على الفور تصدير الغاز لإسرائيل. أما إذا ضربت كعادتها بمشاعر المصريين عرض الحائط فسوف تترسخ القناعة لدى الأغلبية الساحقة من شعب مصر بأن النظام الحاكم يعتبر، ولأسباب لا تخفى على فطنته، أن المصلحة الإسرائيلية أولى بالرعاية من المصلحة الوطنية.

ليست هناك تعليقات: