الأربعاء، ١٨ مارس ٢٠٠٩

طاقة أمل

الاهرام

بقلم‏:‏ د‏.‏يحيي الجمل

تفضلت الجمعية المصرية للبترول ودعتني لندوة لنستمع في هذه الندوة إلي خبراء ثلاثة من مؤسسة وود ماكنزي وهي من أشهر مؤسسات الدراسات والأبحاث في الولايات المتحدة بل وفي العالم ومن اهتماماتها الأساسية دراسة مناطق مخزون النفط والغاز في العالم‏.‏

والدراسات التي قدمها الخبراء الثلاث تدور حول هذا المخزون في شمال أفريقيا وتفتح أمام مصر بابا من الأمل في هذا المجال البالغ الأهمية‏.‏ وقد قدر خبراء مؤسسة وود ماكنزي أن الاحتياطي المصري المؤكد من الغاز الطبيعي يزيد علي معدل‏70‏ تريليون قدم مكعب‏-‏ كانت وزارة البترول قد قدرت مقدار الاحتياطي بـ‏76‏ تريليون قدم مكعب‏-‏ والفارق بين التقديرين ليس بعيدا خاصة إذا أدركنا أنها في الحالتين مجرد تقديرات‏.‏ ويقول خبراء مؤسسة وود ماكنزي إن مصر تعتبر من أهم المناطق الجاذبة للبحث عن واكتشاف البترول والغاز علي المستوي العالمي خاصة في منطقة دلتا النيل والمياه الإقليمية في البحر الأبيض المتوسط وأنها‏-‏ أي مصر‏-‏ من أكثر الدول نشاطا في عقد الاتفاقيات البترولية واتفاقيات البحث عن مخزون الغاز الطبيعي إذ استطاعت أن تعقد خلال بضعة أعوام قليلة اتفاقيات للبحث والاستكشاف مع أكثر من‏75‏ شركة عالمية‏,‏ وهذه الاتفاقيات تغطي أكثر من نصف مساحة مصر كلها ومن الواضح من هذا التقرير أن مصر تكتسب في هذا المجال وضعا تنافسيا مهما بالنسبة لدول شمال افريقيا الأخري‏,‏ إذ إن مصر حققت أكبر رقم بالنسبة للآبار المكتشفة خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إذ بلغت الآبار التي تم حفرها في بلاد الشمال الأفريقي‏1633‏ بئرا وأن نصيب مصر من هذه الآبار بلغ‏900‏ بئر أي أن مصر وحدها حفرت ما نسبته‏56%‏ من مجموع الآبار التي تم حفرها في دول الشمال الأفريقي كله‏.‏ وهذا إنجاز واضح بكل المعايير‏.‏

ويقدر خبراء هذه المؤسسة المتخصصة أن أرض دلتا النيل والمياه الإقليمية الملاصقة لها تحتوي علي مخزون من الغاز الطبيعي يقترب من ستين تريليون قدم مكعب‏,‏ هذا بخلاف احتياطات المناطق الأخري في الصحراء الغربية وخليج السويس وهو ما يجعل مصر في مقدمة البلاد الجاذبة للاستثمارات التي تتجه إلي نشاط البحث والاستشكاف في هذا المجال الحيوي‏.‏ وإذا كان ذلك كله يعطي طاقة نور ومساحة أمل كبيرة في أن تؤدي هذه الاكتشافات إلي ضخ دماء جديدة ومهمة في عروق الاقتصاد المصري فإن الأمر يحتاج إلي جهد كبير في تحسين المناخ الإداري الذي يتعامل مع هذا الاستثمارات ومع الشركات العالمية العاملة في هذا المجال‏.‏

إن البيروقراطية المصرية كفيلة بإرهاق أي مستثمر جاد حريص علي أن تسير خطواته علي النحو الذي يقدره هو لا علي النحو الذي تقدره هذه البيروقراطية‏.‏

إن المستثمر سواء في هذا المجال أو في غيره يأتي إلي مصر ويسمع كلاما مشجعا من رئيس الجمهورية ومن رئيس الوزراء ومن الوزراء المختصين ولكنه بعد ذلك عندما يغوص في بحار ودهاليز الإدارة الحكومية الروتينية يصيبه الإحباط إن لم نقل اليأس ويفكر أكثر من مرة في العودة من حيث جاء‏.‏

ولكن من حسن الحظ أن الشركات العاملة في مجال الاستكشاف والتنقيب في مجال النفط والغاز الطبيعي لا تتعامل مع البيروقراطية المصرية بعامة وإنما تتعامل مع جهة محددة هي وزارة البترول والهيئة العامة للبترول ويكاد يكون هناك شبه إجماع علي أن ثمة ميراثا في هذا القطاع يختلف عن الميراث الذي تراكم علي أجهزة الإدارة المصرية العادية‏.‏

إن ما أرساه آباء البترول ورواده من أحمد هلال ومن بعده حتي اليوم ليشهد لهذا الجهاز بأنه قاوم الصدأ الذي ران علي الأجهزة الإدارية الأخري وأنه ما زال حتي الآن أحد الآمال التي تتعلق بها مصر وتتطلع من ورائه إلي مساحة أمل‏.‏

وشيء آخر بالغ الأهمية وهو التخطيط لكي يكون عائد هذه الثروات الطبيعية للمصريين جميعا وليس لحفنة من ذوي الحظ والحظوة‏.‏

وقل عسي أن يكون ذلك صحيحا بإذن الله‏.‏

ليست هناك تعليقات: