السبت، ٢١ فبراير ٢٠٠٩

ألغـاز .. فى تصدير الغاز

المصرى اليوم

أسامة هيكل
فى مصر وزراء مكشوف عنهم الحجاب ، وقلبهم دليلهم .. فى يومين متتاليين ، سئل المهندس سامح فهمى ،وزير البترول ،عن أسباب عدم تنفيذ حكم "القضاء الإدارى" الخاص بوقف تصدير الغاز لإسرائيل ، فأجاب : حينما يصدر حكم نهائى بوقفه سننفذه ..
وفى اليوم التالى مباشرة سألوا الدكتور هانى هلال ،وزير التعليم العالى، عن أسباب عدم تنفيذ الحكم بعدم جواز تواجد الحرس الجامعى داخل الحرم الجامعى ، أفاد بأنه حينما يصدر حكم نهائى سينفذه .. ويبدو أن بصيرة الوزيرين كانت نافذة لدرجة أن حكمين نهائيين صدرا بعد عدة أيام فقط ، الأول يقضى بجواز تصدير الغاز لإسرائيل ، والثانى يقضى بجواز الحرس الجامعى داخل الحرم .
والحقيقة أن تصدير الغاز لإسرائيل قضية أخلاقية فى المقام الأول حتى لو كان الحكم القضائى النهائى قد صدر بجوازه .. فليس معقولا ولامقبولا أبدا أن تضخ مصر قسطا من ثرواتها الطبيعية لإسرائيل بأبخس الأسعار ، بينما تواصل قواتها قصف الفلسطينيين فى غزة بالقنابل الفسفورية المحرمة دوليا ، ولاتتورع أبدا عن قتل أى عربى لأنها دولة قامت على اغتصاب الحقوق والقتل والإرهاب .. ولا تكفى حالة السلام النظرى القائمة حاليا أن تكون مبررا لتصدير الغاز لها ..
وحتى لو فرضنا جدلا أن الوقت الذى اتخذ فيه القرار بالتصدير كان مناسبا - وهذا غير حقيقى - فمن المؤكد أن فترة الاعتداء الغاشم على غزة كانت مناسبة جدا لقطعه عنها .. فليس من الحكمة أن تقطع إسرائيل مصادر الطاقة عن الفلسطينيين فى غزة ، بينما نصدر نحن الطاقة لها مجانا تقريبا .وحتى من باب الحسابات الاقتصادية ، فلا بد أن يكون لتصدير الغاز المصرى لإسرائيل مقابل .. ولو كان المقابل المادى رمزيا ضعيفا كما هو الحال ، فعلى الأقل يجب أن يكون العائد معنويا .. أو حتى فى صورة مجاملات سياسية ..
ولكن إسرائيل تستفيد من الغاز المصرى ، وترد الجميل فى صورة إهانات .. فمثلا تسيبى ليفنى، المرشحة لتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، أحرجت مصر حرجًا بالغًا متعمدًا ، حينما أعلنت من مصر أن إسرائيل ستضرب حماس فى غزة ، وهو ما ترجمه البعض على أنه موافقة ضمنية مصرية ..
ولم تفكر ليفنى إلا فى مصلحتها ومصلحة حزبها ومصلحة بلادها ، ولم تضع فى تلك الحسابات أن المدفأة التى تستخدمها فى منزلها أو مكتبها تعمل بالغاز المصرى.. وكأن ليفنى تثق ثقة عمياء فى أن مصر لن تقطع الغاز عن إسرائيل مهما حدث ..
وأنا أيضا أثق فى ذلك ، لأن تصدير الغاز فى مثل هذة الحالة يمكن أن يتحول لورقة ضغط سياسى مهمة للغاية ، ولو تم استخدامها لصفق الجميع - مصريين وعربًا - لها ، ولوقفوا صفًا واحدًا ضد إسرائيل ، ولتم إغلاق الباب فى وجه المزايدين ،الذين ظهروا وقت ضرب غزة .. والطبيعى أن تلك الورقة التى لم تستخدم فى تلك الظروف الحالكة التى شهدناها ، لن تستخدم فى وقت آخر مهما حدث .
والمؤسف أن مصر تعانى خلال الشهور الماضية من أزمة غاز طبيعى ، والناس تنتظر بالساعات أمام مستودعات الأنابيب ، وبعض الموزعين يبيعون الأسطوانه بأكثر من ١٠ أضعاف سعرها .. وهى أزمة ليست خفية على أحد ، فالصحف على اختلاف انتماءاتها وتوجهاتها - حكومية ومعارضة - كانت تتابع الأزمة فى تحقيقات مصورة ومطولة .. بل إن بعض مصانع الزجاج التى تستخدم الغاز أصبحت معرضة للإفلاس لأنها لا تجد الغاز ، ولأن أسعاره ترتفع .. ورغم ذلك ينعم الإسرائيليون بالغاز المصرى الرخيص .. وأبسط القواعد أن ما يحتاجه البيت يحرم على الجامع .
فما بالك أن ما نملكه نحن وما نحتاجه يذهب لإسرائيل .. ولن أتحدث هنا إلى تصدير الغاز المصرى لإسبانيا بطريقة يتعجب لها الإسبان أنفسهم لدرجة دفعت أحد صحفييهم لسؤال المهندس رشيد محمد رشيد ،وزير التجارة ،عن أسباب هذا الكرم المصرى فى أسلوب تصدير الغاز المصرى لإسبانيا .. فعلى الأقل إسبانيا ليست إسرائيل .
هذا الوضع المهين والمؤسف يفتح بابا ،لا يمكن أن يغلق ،من التساؤلات التى لا إجابات منطقية لها .. فلماذا تصر مصر على أن تصدر الغاز المصرى لإسرائيل رغم كل الظروف التى تدفعنا جميعا لقطعه عنها ؟ ولماذا تبدو مصر مرتعشة وخائفة من تصحيح قرارها الخاطئ بتصدير الغاز لإسرائيل ؟
ومن الذى منح الحق لأى مسؤول مصرى فى أن يتصرف فى الثروة الطبيعية لمصر بهذه الحرية دون خوف أو وخز من الضمير ، خاصة أن ١٠٠% تقريبا من الشعب المصرى يرفضون هذا الأمر رفضًا قاطعًا ؟ ومن الذى منح المسؤولين المصريين المتورطين فى تصدير الغاز المصرى لإسرائيل الحق فى إهدار حقوق الأجيال القادمة من الثروات الطبيعية المصرية ؟
ياعالم .. قولوا لنا فائدة واحدة فقط تحققت من تصدير الغاز المصرى لإسرائيل .ياعالم .. القضية ليست قانونية أو قضائية بحيث تستريح الحكومة إذا صدر فيها حكم قضائى .. ولكنها مسألة أخلاقية ووطنية وسياسية واقتصادية .. وكلها جوانب تم إهدارها فى قضية تصدير الغاز المصرى لإسرائيل .. فلماذا .؟. ولمصلحة من ؟ وإلى متى ؟.

ليست هناك تعليقات: