- الحكم القضائي فرصة ذهبية لمصر لوقف الغاز
- الاستعداد لمواجهة الحكومة في البرلمان والقضاء
تحقيق- نورا النجار:
بصورة نهائية.. قرَّرت محكمة القضاء الإداري في السادس من يناير الجاري رفض استشكال هيئة قضايا الدولة وتأييد حكمها السابق بإلزام وزارة البترول المصرية بوقف تصدير الغاز إلى الكيان الصهيوني، إلا أن الرد الحكومي- والذي جاء بصورةٍ غير مباشرة عن طريق حملات في بعض الصحف تدافع عن صفقة الغاز المشبوهة وتحذر من خسائر باهظة من المتوقع أن تتكبدها مصر إذا ما تم إيقاف عملية التصدير- يثير الكثير من المخاوف بالتفاف جديد للحكومة المصرية على القرار والاستمرار في تصدير 1.7 مليار متر مكعب من الغاز سنويًّا إلى الكيان، بتكلفة دولار وربع الدولار للمتر المكعب مدة 15 عامًا؛ وذلك من خلال شركة شرق المتوسط للغاز وصاحبها حسين سالم.
الرد الحكومي أثار تساؤلات عديدة حول إصرار الحكومة الشرس على الاستمرار في تصدير الغاز إلى العدو، وهل من الحكمة السياسية أن تتبنَّى الحكومة هذا الموقف في ظل الأوضاع الحاليَّة في قطاع غزة؟ وما هي ردود الفعل من قِبل المهتمين بهذه القضية نوابًا وحقوقيين إذا ما رفضت الحكومة الانصياع لهذا القرار؟ وهل من ضغوط سياسية تمارس على مصر من أجل استمرار هذه الصفقة؟
(إخوان أون لاين) حاول الإجابة على هذه التساؤلات من خلال الخبراء في التحقيق التالي:
بدايةً.. يتحدث السفير إبراهيم يسري محامي الحملة الشعبية لوقف تصدير الغاز إلى العدو وصاحب الدعوى القضائية ضد الحكومة قائلاً: "أولاً أحيِّي هذا القضاء النزيه الذي عبَّر عن رأي المصريين جميعًا باتخاذه هذا القرار الذي أحيا الأمل في نفوسنا جميعًا"
وأضاف: "لقد بدأنا النزاع القانوني مع وزارة البترول منذ فترة طويلة، وحكم لنا القضاء في هذه القضية، إلا أن الحكومة حاولت الالتفاف على القانون والتحايل على الحكم بتقديم استشكالها الأخير للطعن على الحكم ووقف القرار الملزم بإيقاف تصدير الغاز إلى العدو؛ وذلك بعد أن أظهرت- وبشكلٍ سافرٍ- عدم احترامها للقانون في المرة الأولى بعدم تنفيذ القرار".
وعن توقعاته للرد القانوني المتوقع من الحكومة أجاب: "في البداية وبعد صدور الحكم الأول من محكمة القضاء الإداري توقَّعت أن تنفِّذ الحكومة القرار؛ لأنه وفي الحقيقة هدية على طبق من ذهب للحكومة المصرية وبشكل قانوني لتعفيَها من المساءلة القانونية ولتتدارك موقفها الذي ورَّطت فيه البلاد بهذه الصفقة المشبوهة، إلا أن الحكومة رفضت الهدية بطعنها على القرار ورفض تنفيذه"، ويضيف: "والآن وبعد رفض الاستشكال فلا أتوقَّع شيئًا إلى الآن، ولا أدري أتلجأ الحكومة إلى الالتفاف مرةً ثانيةً أم لا؟.. نحن في انتظار ما ستسفر عنه الأحداث القادمة".
وبعيدًا عن كواليس القضاء والقانون وعن توقعاته كمواطن يقول: "حقيقةً.. ما يدور في نفسي كمواطن تجاه ردود الأفعال الحكومية تجاه هذه القضية أستطيع أن أقول وبكل ثقة إن الحكومة لن تستسلم ولن تنفِّذ القرار.. صحيح أنني على غير علم بما تنوي فعله، إلا أن حكومتنا- وللأسف الشديد- أعطتنا تاريخًا غير مشرِّف في تنفيذ أحكام القضاء، وهذا تصرفٌ مَشين من مصر كدولةٍ تجاه قضائها التي طالما نادت بسيادة القانون وسيادة الدولة، فأية سيادة تلك التي يتحدثون عنها؟!".
وعن ردود فعله القانونية حالة ما إذا لم تلتزم الحكومة بتنفيذ القرار، يقول السفير إبراهيم يسري: "لن نصمت، وسنلجأ إلى أروقة القضاء مرةً أخرى، لكننا هذه المرة سنصطحب الشعب معنا، وسنصعِّد الأمر ونثيره شعبيًّا؛ فالشعب أَوْلى بالدفاع عن حقِّه، فعليه أن يستميت في حماية ثرواته التي تتركها حكومته للعدو يتمتع بها دونما أي اعتبار للمصلحة القومية والشعبية".
ادعاءات كاذبة
وحول ما أثير من خسائر متوقَّعة إذا ما تم إيقاف تصدير الغاز إلى الكيان الصهيوني يقول د. حمدي عبد العظيم أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة: "هذه ادِّعاءات كاذبة؛ فوقف تصدير الغاز إلى الكيان سيحقِّق مكاسب أكيدة للشعب والاقتصاد المصري؛ فخسارتنا في تصديره لا في إيقافه؛ فنحن نخسر يوميًّا ما يعادل 9 ملايين دولار بسبب تصديرنا الغاز بسعرٍ قل من السعر العالمي، حتى أقل من الأسعار العادية في أية صفقة على المستوى العالمي، وهذا ما استندت إليه محكمة القضاء الإداري في رفضها استشكال الحكومة الأخير".
وعما يتردد بمساس إيقاف التصدير باتفاقية الجات العالمية، والتي وقَّعت عليه مصر، يقول: "هذا أيضًا كلام غير صحيح؛ فالغاز الطبيعي ورد فقط في صفقة بين العدو وشركات القطاع الخاص المصرية برعاية حكومية رسمية من مصر.. ما هو وارد فقط هو البترول في اتفاقية كامب ديفيد منذ تحرير سيناء وحتى الآن؛ حيث يُصدَّر البترول إلى الصهاينة، وبالتالي لا علاقةَ لاتفاقية الجات ولا غيرها بالأمر".
وعن أول الشروط الجزائية في هذا العقد التي قد تدفعها مصر يقول: "إذا تم إيقاف التصدير فسينظر إلى بنود العقد؛ إن كان بها شرط جزائي فسيحال الأمر إلى القضاء، سواء أكان داخليًّا أم دوليًّا حسب شروط العقد، وسيحق للكيان أخذ قيمة هذا الشرط، وعلى أية حال حتى لو دفعت مصر مبلغًا ما كشرط جزائي لتل أبيب فإنه سيعوَّض من مكاسبها عند استغلال هذا الغاز للصالح الوطني أو تصديره إلى جهاتٍ أخرى؛ حيث سيتم التعامل بالسعر العالمي، والذي سيحقِّق مكاسب طائلة.
وعن المجالات المتوقَّع استثمار الغاز المصري فيها يقول: "هناك العديد من المجالات التي لا بد من استغلال الغاز الطبيعي فيها، كصناعة الحديد، والأسمنت، والمصانع كثيفة الطاقة، إضافةً إلى الاستخدامات المنزلية، وبهذا يوفِّر قدرًا كبيرًا من الكهرباء المستخدمة في هذه المجالات، ناهيك عن توفير الدعم الذي تخصِّصه الحكومة لقطاع الكهرباء، والذي قُدِّر بـ70 مليار دولار نحن أَوْلى بتوفيرها، وبالتالي فإن الحديث عن أي خسائر- حتى وإن صح- لا يُقارن بالمكاسب المتوقعة على الأجلين القصير والطويل المدى، والتي ستزداد، خاصةً في ظل الأزمة المالية العالمية الحاليَّ
الأهداف الخفية
أبو العز الحريري القيادي وعضو المكتب السياسي بحزب التجمع يتحدَّث عن الأهداف الخفية وراء هذه الصفقة قائلاً: "حقيقةً.. لا أرى أي مبرر لدولةٍ تعطي جزءًا من ثروتها عدوَّها بدعوى التعاون وتبادل العلاقات؛ فالغاز المصري سلعة ناضبة؛ يُتوقَّع انتهاء مخزونها خلال عشرين عامًا على الأقل، وأنا لا أرى أي أهداف خلف هذه الصفقة المشبوهة سوى أنها صفقة فساد سياسي تُديرها الحكومة مع العدو ترجمة لضعفها.
ويضيف: "لا أرى مكانًا لما يثار عن ضغوط سياسية على مصر للاستمرار في تصدير الغاز حتى وإن جدت، فلا ينبغي علينا الانصياع لها".
وعما إذا كانت هناك أي خسائر سياسية يقول: "على العكس لن يحدث أي نوع من الخسائر السياسية، بل مكاسب كبيرة.. يكفي أن تتحسَّن صورة مصر أمام العالم بإيقافها تصدير الغاز تضامنًا مع الشعب الفلسطيني وإخواننا في غزة، ويكفي أن نحرم عدوَّنا من سلعة إستراتيجية مهمة ستؤثر في قوته العسكرية، ويكفي أنها وسيلة ضغط في الوقت الحاليِّ لإيقاف المجازر البشعة التي يرتكبها العدو، وأخيرًا يكفي أنها ستحفظ ثرواتنا من السرقة والنهب الذي يمارس على شعبنا المصري".
وعن دور مجلس الشعب يقول النائب أشرف بدر الدين عضو اللجنة الاقتصادية للكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين: "إذا كانت هناك حكومة رشيدة تحترم القضاء وترعى مصالح شعبها لانصاعت لقرار المحكمة الإدارية منذ بادئ الأمر، ولما ماطلت فيه إلى الآن؛ فالقضاء بقراره الأخير قد وضع الحكومة في موقفٍ حرِجٍ أمام شعبها وأمام العالم، خاصةً في ظل الأوضاع الحاليَّة بقطاع عزة".
ويضيف: "إلا أن حكومتنا- للأسف- لا تراعي قانونًا ولا دستورًا ولا عرفًا؛ فهي التي تمد العدو بالبترول والغاز بدلاً من قطعهما عنه لإيقاف هجماته الشرسة على إخواننا في غزة، ولها تاريخ طويل في تعطيل أحكام القضاء ورفض تنفيذها، وبالتالي لا نتوقع كنواب معارضة أن تنفِّذ الحكومة قرار المحكمة".
ويضيف النائب: "إذا ما رفضت الحكومة تنفيذ القرار- وهذا هو المتوقع- فلا بد أن تُوقَّع عليها العقوبة الدستورية التي تنص على العزل أو الحبس لأي موظفٍ عام رفض تنفيذ لقرارات الصادرة إليه".
وبسؤاله عن خطتهم لمواجهة هذا الرد المتوقَّع كنواب برلمان يقول: "حقيقةً.. نحن إذا كنا على يقين بعدم احترام دولتنا للقانون، فمن الطبيعي ألا تحترم أي قرار من البرلمان، خاصةً مع وجود أغلبية نواب الوطني الذين يمرِّرون ما تريده الدولة دونما اعتراض".
واستدرك قائلاً: "إلا أننا نأمل كمعارضة في نواب الوطني هذه المرة أن يكون لديهم حسٌّ وطني لأجل من تراق دماؤهم في غزة ألا يوافقوا على إمضاء هذه الصفقة، إضافةً إلى أننا سنقوم بتعبئة الرأي العام من خلال الحركات الاحتجاجية المناهضة لتصدير الغاز إلى الكيان الصهيوني، وكلنا أمل في نتائج تثلج صدورنا جميعًا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق