بقلم د.محمود خليل
المصرى اليوم
يقول الله تعالى «إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون».
نزل الروح الأمين بهذه الآيات المباركات - منذ ما يزيد على أربعة عشر قرناً من الزمان - ليطمئن الجماعة المؤمنة التى ترفع شعار المقاومة ويدعوها إلى مواصلة جهادها ونضالها ضد عدوها المتغطرس الذى لا يؤمن بحق ولا عدل.
ولا أجد خيراً من هذا المعنى يمكن أن نهديه إلى أهلنـا فى غزة الذين يعيشـون معنى القوة التى تخرج من رحم الضعف، والعناد الذى يواجه القهر، الذين قالوا لا فى وجه من قالوا نعم. كذلك يقول الله تعالى «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيــرة بإذن الله» وهى آية كريمة تؤكد المعنى الحقيقى للقوة، وأنها تكمن فى الإيمان بقضية، وليس فى سلاح أو عتاد.
الحكومة المصرية – وكذلك إسرائيل - تزعم أن السبب فيما يحدث فى غزة هو تلك الصواريخ التى تسقط من حين إلى آخر على سكان «المستعمرات» فى جنوب إسرائيل، وأن حماس هى المسؤولة عن الأرواح الفلسطينية التى سقطت على مدار الأيام الماضية جراء القصف الإسرائيلى، وبذلك فالحل بسيط، يتحدد فى أن تتخلى حماس عن فكرة المقاومة وأن تصبح جزءاً من القطيع الفلسطينى الذى ينتظر «الفرج الإسرائيلى».
وربما أزالت حكاية «القطيع» تلك ذلك الاستغراب الذى شعر به البعض حين حللوا موقف مصر والمصريين مما يحدث لفلسطينيى غزة. فمنذ أن انخرطت مصر فى اتفاقية سلام مع إسرائيل منذ ما يقرب من ثلاثين سنة، وهناك جهد حثيث ومحسوس من جانب الحكومة المصرية لتحويل هذا الشعب إلى قطيع بشرى، مشكلته الأساسية هى الحصول على الطعام والشراب، بالإضافة إلى الاحتياجات السريرية.
لذلك فأنا لا أجد محلاً للاستغراب من موقف الحكومة المصرية «البارد» إزاء عمليات القتل والسحق والتخريب الذى تقوم به إسرائيل ضد الفلسطينيين فى غزة، فهل تــرحم الحكومــــة المصرية أبناء شعبها لكى ترحم أبناء شعوب أخرى؟!. وكم شهيداً «غزاوياً» سقط من جراء العدوان الإسرائيلى، وكم عددهم قياساً إلى ما يزيد على ١٥٠٠ مواطن غرقوا فى عبارة «السلام»؟!.
ذلك شأن الحكومات الضعيفة، إنها أسد على شعوبها، ونعامة أمام الآخرين، لذلك فهى لا تستطيع أن تستجيب لمطالب من نوع طرد السفير الإسرائيلى، أو وقف تصدير الغاز الطبيعى، أو فتح المعابر، خصوصاً أنه لا يوجد ضغط حقيقى عليها فى الشارع المصرى لكى تتخذ إجراء حقيقياً يهز - ولو قليلاً - الصلف الإسرائيلى. فقد أصبحت القوى السياسية – القادرة على تحريك هذا الشارع – فى خبر كان.
فالجميع قابع يفكر فى الحسابات الدقيقة للأمن القومى المصرى!، وكأن حماية الأمن المصرى الآن أصبحت تعنى تصدير الغاز بأبخس ثمن إلى إسرائيل، وعدم فتح المعابر إلا بعد أن تكمل إسرائيل عمليتها العسكرية فى غزة وتؤدب حماس، وتمكين رئيس السلطة الفلسطينية من دخول غزة، حتى ولو كان يمتطى ظهر دبابة إسرائيلية.
مشكلة الحكومة أمام إسرائيل أنها لا تؤمن بمنطق «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله»، ومشكلة من يريدون تغيير الأوضاع فى مصر أمام الحكومة أنهم أيضاً لا يؤمنون بالمنطق نفسه !.
لذلك فالحكومة ترى أن التفاوض مع إسرائيل هو الحل، حتى ولو لم يؤد إلى تحقيق شىء على الأرض، فهو – على الأقل – سوف يجنب الفلسطينيين القتل. كذلك تقدر القوى الراغبة فى التغيير فى مصر الأمر، فهى ترى أن الخير فى أن تفاوض الحكومة وتستجديها من أجل تغيير الأوضاع، وهى تعلم أن ذلك لن يغير من الأمر شيئاً، لكنه على الأقل يحميها من بطش السلطة !.
إنها ثقافة القطيع وفكر القطيع الذين قال الله تعالى فيهم «ولتجدنهم أحرص الناس على حياة» «أى حياة»!! المهم أن يستمر ويعيش، حتى ولو كان «ميتاً بالحياة»!.
إخواننا فى غزة يعيشون ظروفاً صعبة، لكننا نحيا ظروفاً أصعب بكثير. فهم لديهم أمل، لأنهم مازالوا يملكون القدرة على المقاومة، والأمر لدينا يختلف فنحن نحيا بالعجز، ومن أجل استمرار روح العجز، ويخرج علينا بعض المثقفين ليقولوا لنا إن ذلك هو قمة الحكمة!.
الشعب الأعزل فى «غزة» ليس ضعيفاً أمام الطيران والصواريخ الإسرائيلية، الضعيف حقيقة هو إسرائيل التى تشعر بالعجز أمام صواريخ حماس التى لا تثير إلا التراب ونادراً ما تقتل أحداً، ورغم ذلك فهى ترعب اليهود. فالمواطن الإسرائيلى «يألم» مثلما «يألم» الفلسطينى «لكن الأخير يرجو من الله ما لا يرجوه الأول، لأن الله وعد المؤمنين إيماناً حقيقياً بالنصر «وكان حقاً علينا نصر المؤمنين».
لو أن جماعة الإخوان – فى مصر مثلاً - آمنت بهذه الحقيقة لغيرت الكثير فى نفسها وفى الواقع الذى نعيش فى ظلاله، لكنها للأسف اكتفت بإنتاج الشعارات والأفكار، وتركت لغيرها مهمة تطبيقها، وأصبحت جزءاً من القطيع المصرى، رغم ما يحيط بها من تجارب استوعبت درس «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة»، وعرفت كيف تقرن بين المقاومة والبناء، وبذلك تفوقت علينا كشعب وحكومة استبدلت بالمقاومة العجز والاستسلام، واستبدلت بالبناء التخريب، وأصبحت «فرجة» للعالم، وشاهداً على دولة أصبحت فى خبر كان!.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق