الجمعة، ٢ يناير ٢٠٠٩

إهانة مضاعفة

بقلم سليمان جودة

جريدة المصرى اليوم

يتصور كثيرون أننا، كحكومة، نقف إزاء ما يحدث فى غزة، بينما ظهورنا إلى الحائط، لا نملك، والحال كذلك، فعل شىء بخلاف الكلام، فأيدينا تبدو مكتوفة، وعقولنا تبدو عاجزة، وإرادتنا تبدو مشلولة!
وهذا كله ليس صحيحاً، فهناك ما يمكن أن نفعله على الأرض، وهناك بدائل متاحة وأمامنا خيارات فى إمكاننا أن نختار من بينها!
وعلى كثرة ما جاء فى الصحافة، من اجتهادات، تجاه ما يجرى فى قطاع غزة، لم أتوقف أمام اجتهاد جاد، ومهم، بمثل ما توقفت أمام ما كتبته الدكتورة منار الشوربجى فى «المصرى اليوم» صباح أمس الأول، فى مقالتها الأسبوعية، على الصفحة الثانية.
الدكتورة منار متخصصة فى الشأن الأمريكى، ولها كتابات أكثر من ممتازة فى هذا الاتجاه، وهى حين تكتب فى هذا الملف، إنما تتكلم فيما تفهم فيه، وقد كتبت تقول: علاقة مصر بإسرائيل ليست أقوى من علاقة الأخيرة بتركيا، التى أعلنت اعتبارها التمويه الذى مارسته إسرائيل معها بشأن هذا العدوان، إهانة لتركيا،
وقررت تعليق الاجتماعات مع المسؤولين الإسرائيليين فى الوقت الحالى.. وليس صحيحاً، أن معاهدة السلام تكبل يد مصر، بشكل كامل، فمصر ليست مطالبة بالاختيار بين السلام مع إسرائيل والحرب ضدها، إذ توجد عشرات البدائل بين هذا وذاك، تحفظ لمصر كرامتها،
وتجبر إسرائيل على أن تحسب حساباً لعلاقتها بمصر، أو حتى على الأقل تحترم معاهدتها معها.. ثم تقول الدكتورة الشوربجى: ماذا مثلاً عن استدعاء السفير المصرى من تل أبيب؟! وماذا أيضاً عن امتثال الحكومة المصرية لقرار محكمة القضاء الإدارى، بوقف تصدير الغاز لإسرائيل؟!
هناك ـ إذن ـ عشرات البدائل، كما تشير كاتبة المقال، وإن كانت لم تتوقف إلا عند بديلين اثنين متاحين، يمكن العمل بهما، لو شئنا، بعد ساعة من هذه اللحظة.. وهى بدائل، كما نرى، لا تصطدم بمعاهدة السلام مع تل أبيب، ولا تجعل القاهرة فى حالة حرب معها، وإنما فقط تعيد تذكيرها بأن لدى القاهرة أوراقاً تستطيع أن تلعب بها عند الضرورة، وأن تكون هذه الأوراق، أو بعضها على الأقل، موجعاً لهم فى إسرائيل، وحافظاً لكرامة ومكانة بلد بالنسبة لنا!
تستطيع الحكومة المصرية أن تجد فى هذين البديلين منفذاً، إذا شاءت، وتستطيع، إذا أرادت، أن تقول لإسرائيل ـ عملياً ـ هذه المرة إن تركيا، إذا كانت قد أعلنت، على لسان رئيس وزرائها نفسه، أن ما جرى مع غزة، ولايزال يجرى فيها، إهانة للأتراك، فهو معنا فى مصر، لا يقل، وبالتالى فإن لدينا ما يرغم قادة إسرائيل على أن يعملوا لنا حساباً، وعلى أن يحسبوها جيداً، قبل أن يرتكبوا ما من شأنه الإساءة إلى مصر!
موقفنا واضح، وقرارنا فى العلاقة مع هذه الدولة على حدودنا، اتخذناه منذ عام ١٩٧٩ بتوقيع معاهدة السلام، ولكن ليس معنى هذا مطلقاً أننا مقيدون إلى هذه الدرجة عن الفعل، وليس معناه أن أيادينا خالية من أى بديل،
وليس معنى هذا البديل، عند إنجازه، أنه ينقض سلاماً، أو يقيم حرباً، وإنما يضع الأمور فى نصابها الصحيح، ويضع علاقتنا بها، حيث يجب أن توضع، وحيث يجب أن تكون..
وما نرجوه من الجميع، من أول وزير خارجيتنا أبوالغيط إلى أى مجتهد آخر فى غمرة الأحداث، أن نعيد معاً قراءة هذه الفقرة من مقال الدكتورة منار، من جديد، اللهم إلا إذا كنا لا نجد فيما جرى أى إهانة! فتكون الإهانة مضاعفة، مرة فى أننا لا نشعر بها، ومرة فى أننا عاجزون عن ردها!

ليست هناك تعليقات: