بقلم سليمان جودة
المصرى اليوم
لا أعرف لماذا طافت صورة الأمير الوليد بن طلال فى ذهنى، حين رحت أتأمل فى لحظة، موقفنا إزاء العدوان الإسرائيلى الجبان على غزة.. فظاهرياً، ليس هناك أدنى علاقة بين الوليد، من ناحية، وبين عجزنا عن فعل شىء حقيقى، تجاه ما يحدث فى قطاع غزة من ناحية أخرى.. ولكن المضمون، أو المحتوى، سوف يتضح فوراً، أنه واحد، وأن هناك علاقة وثيقة، وقوية.. كيف؟!
فالوليد واحد من الذين خسروا من جراء الأزمة المالية العالمية الحالية، وخسارته كما قيل، فى أكثر من موضع، ليست بالملايين، ولكنها فى الغالب بالمليارات، ولكن ليس معنى هذا، أن هذا الأمير السعودى الشهير، قد تحول فى لحظة، من ملياردير عالمى، إلى إنسان فقير لا يجد ما يأكله، فهو إذا كان قد خسر مليارين من الدولارات - مثلاً - فالمؤكد أن لديه ضعف هذا الرقم فى جيبه، ومع ذلك، فالغالب أن الأمير يشعر، الآن، بالخسارة الفادحة، ويشعر - على مستواه - وهذا هو موضوعنا، بأنه فقير، أو مهدد بالفقر، على الأقل، مع أنه فى المطلق، ليس فقيراً، ولن يكون، حتى ولو خسر مليارين آخرين!
لكن الفكرة هنا، هى مدى إحساسه، تحت وقع تداعيات الأزمة، بتأثيرها عليه، وعلى حجم ثروته، ثم إحساسه هو نفسه، وعلى مستواه هو فقط، بالفقر، خصوصاً حين يقارن بين ما كان لديه من مال، وما أصبح عنده!.. وبمعنى آخر، هناك فارق هائل، وأساسى، بين أن تكون فقيراً، وبين أن تحس بالفقر فى فمك.. فقد تكون فقيراً، ولكن لا يكون لديك «إحساس» بالفقر،
وبالتالى فأنت، فى هذه الحالة - أمام نفسك - لست فقيراً.. وقد تكون مظلوماً فعلاً، ولكنك لا تشعر ولا تحس بالظلم فى داخلك، وبالتالى أيضاً، فأنت عندئذ لست مظلوماً، لأنك، لا تحس بما أنت فيه!.. فالإحساس بالأمر، سواء كان ظلماً، أو جوعاً، أو فقراً، هو الفيصل فى الأمر كله.. وسوف يسأل سائل، ويقول: وما علاقة كل هذا بغزة، وموقفنا منها؟!وسوف أقول بأن علاقته لا تتجسد فى عجزنا، بقدر ما تتجسد فى «الإحساس» ذاته بالعجز عن تقديم أى شىء، أو طرح أى بديل يُخرجنا من هذه الحالة.
ومن هذه النقطة تحديداً كنت قد توقفت، أمس الأول، فى هذا المكان، عند الفكرة التى كتبتها الدكتورة منار الشوربجى، فى مقالتها الأسبوعية فى «المصرى اليوم» صباح الأربعاء الماضى، حين قالت إنه ليس صحيحاً، أن معاهدة السلام، بين مصر وإسرائيل، تكبل أيدينا إلى هذا الحد.. وأن الصحيح، أن مصر لديها ما تستطيع أن تفعله على الأرض، لو شاءت، بدءاً من استدعاء سفيرنا من تل أبيب، وانتهاء بامتثال الحكومة المصرية لحكم القضاء، بعدم تصدير الغاز إلى إسرائيل.
وما يجب أن نلتفت إليه هنا، أن استدعاء السفير المصرى، من تل أبيب، لن يوقف الحياة هناك، وأن وقف تصدير الغاز لن يؤدى إلى تركيع إسرائيل على ركبها، فالمطلوب ليس تركيعها، ولا وقف الحياة عن الحركة فى داخل تلك أبيب، وليس فى إمكاننا، عملياً، أن نفعل ذلك، وإنما الهدف كله، هو أن يفهموا هم، ويفهم غيرهم فى العالم أننا قادرون على فعل شىء، خصوصاً إذا كان هذا الشىء، سوف يخلصنا من هذا الإحساس بالعجز!
«الإحساس» بالعجز فى حالتنا هذه هو عدم القدرة على تقديم بديل فورى جاهز وهو الأخطر، كما أن تقديم هذا البديل، الذى هو فى يدنا، سوف يرفع عنا هذا «الإحساس» الذى يطارد كل مواطن، فى كل مكان، فى القاهرة، وفى غير القاهرة!
ارفعوا عنا هذا الإحساس بالعجز، حتى ولو كانت الحصيلة، هى مجرد إحساسنا جميعاً بأننا فعلنا ما يجب علينا أن نفعله، وبصرف النظر عن نوع النتيجة التى سوف تتحقق على الأرض.. فالمطلوب هو مجرد تبديد «إحساس»!!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق