الخميس، ٢٠ نوفمبر ٢٠٠٨

حكم أحرج الحكومة

اخوان اون لاين

بقلم: فهمي هويدي

حُكْم القضاء الإداري بوقف تصدير الغاز إلى الكيان الصهيوني وبعض الدول الأخرى لم يحرج الحكومة فقط، وإنما أدانها أيضًا وشكَّك في نواياها، على نحوٍ لو أُخذ مأخذ الجد في أي بلد ديمقراطي لأدَّى إلى سحب الثقة من الحكومة وإسقاطها، بل لعليَّ لا أبالغ إذا قلت إن محكمة القضاء الإداري فضحت تلك الصفقة المريبة؛ الأمر الذي يُثير عديدًا من الأسئلة الكبرى حول حقيقة الأطراف التي تقف وراءها، وحجم النفوذ الذي يتمتع به هؤلاء، الذي دفع الحكومة إلى ارتكاب مجموعةٍ من المخالفات الجسيمة للإسراع بعقد الصفقة وتمريرها من وراء ظهر مجلس الشعب.

وهو ما دفع مجموعةً من العناصر الوطنية التي استفزَّها هذا السلوك، إلى مقاضاة الحكومة ووزير البترول والطعن في تصرفاتهما، وشاءت المقادير أن تنظر القضيةَ محكمةٌ يرأسها قاضٍ نزيه من جيل الرجال المحترمين الذين لم ينقرضوا من مصر بعد، فجاء حكمها مفاجئًا في منطوقه وحيثياته؛ الأمر الذي أحرج الحكومة وأربكها؛ إذ في حين امتنع المتحدث الرسمي باسمها عن التعليق على الحكم، محتجًّا بأنه لم يطَّلع على نصه، فإن الإعلام الرسمي حاول تشويهه.

فقد ذكر شريط الأخبار الذي بثَّه التليفزيون أن المحكمة قرَّرت وقف بيع الغاز للكيان الصهيوني بأسعار تقل عن الأسعار العالمية وقيمتها السوقية، وهو ما أبرزته أيضًا الصحف القومية الثلاث على صفحاتها الأولى، وهذا لم يكن صحيحًا؛ لأن المحكمة أصدرت قرارها استنادًا إلى وجود مخالفة دستورية وقانونية في عملية البيع، وليس بسبب انخفاض سعر بيع الغاز، الذي هو بمثابة مسألة تقديرية، وكان واضحًا في معالجة الصحف القومية حرصها على التقليل من شأن الحكم وتأكيد أن الحكومة ستطعن فيه.

فعنوان الخبر في (الأهرام) كان كالتالي: "القضاء الإداري يوقف بيع الغاز لإسرائيل وهيئة قضاء الدولة تستشكل"، أما (الأخبار) فقد قدمت الاستشكال على قرار المحكمة؛ فقال عنوان الصفحة الأولى: إن هيئة قضايا الدولة سوف تستشكل في تنفيذ حكم وقف تصدير الغاز "لإسرائيل"، أما (الجمهورية) التي أبرزت في قلب الصفحة الأولى بالعناوين الحمراء خبر افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي، فإنها نشرت في زاوية تحتية قرار المحكمة على النحو التالي: "الحكومة تتقدم باستشكال اليوم- القضاء الإداري: وقف بيع الغاز لإسرائيل بأسعار تقل عن السوق العالمية" (!!).

لقد مارس الإعلام القومي التدليس في عرض حيثيات الحكم، ولولا ضيق المساحة لأوردتُ النصَّ الذي نشرت الصحف المستقلة خلاصةً وافيةً له، لكني لا يفوتني أن أشير إلى نقطتين مهمتين فيه: الأولى: نص الحكم على أن الالتزام ببيع الثروات الطبيعية كان ينبغي أن يُعرَض على مجلس الشعب طبقًا لنص الدستور، ولكن ذلك لم يحدث، وإنما تم التكتم على الأمر بحيث لم يعرف أحدٌ مضمون عقد بيع الغاز أو شروطه، وهو ما يجعل قرار التفويض في البيع معدومًا؛ لمخالفته لأحكام الدستور، ولا يترتب عليه أي أثر قانوني.

النقطة الثانية: أن القاضي انتقد السرعة المتناهية التي تمت بها عملية إنشاء شركة خاصة فُوِّضت في البيع، ومنحها دون غيرها حق امتياز واحتكار الغاز المصدر للكيان الصهيوني؛ الأمر الذي يثير التساؤل عن أسباب ذلك التزامن والتكتم الشديد الذي فرضته الإدارة على العملية؛ مما يتعارض مع الشفافية ويُخِلُّ بالثقة الواجب توافرها في تعاملات جهة الإدارة.

وهذه العبارة الأخيرة منقولة عن منطوق الحكم الذي أصدره القاضي المستشار محمد أحمد عطية، وفيها إشارة كافية إلى الملابسات المريبة التي أحاطت بالموضوع.

نكمل غدًا بإذن الله.

ليست هناك تعليقات: