السبت، ٢٢ نوفمبر ٢٠٠٨

حكم قضائي تاريخي

البيان

بقلم :ممدوح طه

الحكم القضائي المصري بإلزام الحكومة المصرية بوقف تصدير الغاز المصري لإسرائيل الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري، يمثل حكما تاريخيا بكل المقاييس من حيث دلالاته القانونية والسياسية والاقتصادية، ومن حيث توافقه مع إرادة التيار الغالب من الشعب المصري الذي عبر عن رفضه لصفقة الغاز، بعاصفة من الغضب بالمسيرات والوقفات الاحتجاجية وحملة التوقيعات الشعبية الالكترونية والاستجوابات البرلمانية والجدل السياسي والإعلامي، منذ بداية تسرب المعلومات عنها من مصادر إسرائيلية!

ويكفي أن المصريين لم يعلموا بهذه الصفقة المريبة من مصادر حكومية مصرية، سواء بالنشر أو بالعودة إلى البرلمان المصري لإقرار قرار مجلس الوزراء بالموافقة، إلا بعد أن ثارت الحملات الصحافية المعارضة للصفقة والاستجوابات البرلمانية المصرية المسائلة للحكومة! ولم يعلن الخبر بعد توقيع مذكرة التفاهم بين الوزير الإسرائيلي ونظيره المصري، إلا الوزير الصهيوني بنيامين بن إليعازر وزير البنية التحتية بقوله: «إن هذه الصفقة فضلا عن صفقات أخرى تشيّد تطورات العلاقات الاقتصادية المصرية الإسرائيلية»!

ولم تفلح كل هذه الاحتجاجات بالوسائل البرلمانية والشعبية في دفع الإدارة المصرية إلى مراجعة قرارها المثير للريبة، الذي تمت خطواته في سرية وبأساليب التفافية تتيح لها التهرب من إعلانه أو عرضه على مجلس الشعب بعيدا عن الدستورية وعن الشرعية، وحتى في ردودها على الأسئلة والاستجوابات أثارت من الأسئلة ما هو أكثر من الإجابات، وبالتالي ظل الأمر باعثا على الريبة والتساؤلات الشعبية والبرلمانية المصرية والعربية!

ومع إصرار الإدارة المصرية على السير في إجراءات الصفقة بتكوين شركات خاصة وتفويضها للتعاقد، بل وتولت علانية مد خطوط الأنابيب بنفسها من العريش المصرية إلى عسقلان الإسرائيلية، وعلى رفضها الاستجابة للإرادة الشعبية التي هي مصدر شرعية أي قرار سياسي أو اقتصادي، لجأ السفير إبراهيم يسري بتفويض شعبي لمحكمة القضاء الإداري المصرية باعتبارها الجهة صاحبة الولاية القضائية على الإدارة المصرية، لتصدر حكمها التاريخي الذي سيبقى تاريخيا حتى لو جرى نقضه..

وأسست المحكمة الموقرة حكمها باعتبار القرار الحكومي قرارا معدوماً، على «أن ما ثبت من الأوراق أن وزير البترول فوض رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية، ورئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للبترول، دون عرض الالتزام على مجلس الشعب، مما يعد اعتداء على المجلس وسلطته المختصة دستوريا.. إن هذه الحالة تجعل القرار معدوما لمخالفته أحكام الدستور ولا يترتب عليه أي أثر قانوني».

كما أوضحت المحكمة في حيثيات حكمها التاريخي «أن الظاهر من الأوراق أن القرار لم ينشر كما لم تنشر منه تفاصيل وشروط التصرف ببيع هذه الكميات الكبيرة من الغاز الطبيعي المصري إلى الشركة ومنها إلى إسرائيل، رغم مطالبة العديد من أعضاء مجلس الشعب والخبراء المتخصصين في مصر بالاطلاع على تفاصيل الصفقة.

ورغم الجدل الكبير الذي يدور في الأوساط العلمية حول حجم احتياطي مصر من هذه الثروة على نحو ما ورد بالمستندات المقدمة من المدعي، الأمر الذي يثير التساؤل عن أسباب ذلك التزامن وعن السرية والتكتم الشديد الذي فرضته الإدارة قبل صفقة بيع الغاز المصري لإسرائيل، والمترتبة على صدور القرار المطعون فيه وحجب تفاصيلها عن الشعب ونوابه، وذلك ما يتعارض مع الشفافية التي بات أمرها مستقرا في ضمير الأمة والعالم المتحضر ومع المسيرة الديمقراطية التي تشهدها البلاد، كما أنه يخل بالثقة الواجب توافرها في تعاملات جهة الإدارة».. ولا تعليق!

ليست هناك تعليقات: