الجمعة، ٢٥ يوليو ٢٠٠٨

المستشار محمود الخضيري يكتب: مشروعية بيع الغاز لإسرائيل في رأي دار الإفتاء فيها قولان

المصرى اليوم

لا أملك بالطبع مقومات التعليق علي رأي دار الإفتاء بشأن تصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل وموقف العاملين في هذه الشركات التي تقوم بذلك والمنشور بجريدتي «المصري اليوم» و«الدستور» يوم الاثنين الموافق ٢١ يوليو سنة ٢٠٠٨، ولكن سأكتفي فقط ببيان ما فهمته من الفتوي باعتباري أحد المشاركين في طلبها من دار الإفتاء وإن لم تشر الفتوي لذلك،

وأبدأ بسؤال عن مقصود الفتوي، مما جاء في نهايتها من القول بأن دار الإفتاء تنوه إلي التأكيد علي أنها وهي تقوم بوظيفتها، لا تتخل عن مهمتها في بيان الحكم الشرعي، تري أن تقديم مثل هذه الأسئلة المتعلقة بالتصرفات المركبة، ومحاولة استعمالها في السياسة الحزبية أمر غير سديد ينبغي ـ بل يجب ـ ألا يصير أداة الجدل والمخاصمة بين الأطراف السياسية،

واللافت للنظر في هذا القول عدة أمور أولها وأهمها أن دار الإفتاء اعتبرت أن الخلاف إذا كان هناك خلاف حول تصدير الغاز الطبيعي إلي إسرائيل أمر يتعلق بالسياسة الحزبية وهذا في الحقيقة أمر عجيب تماماً، مثل من يعتبر الجهاد لمقاومة العدو الغازي ومقاومة المحتل للبلد من أمور السياسة الحزبية التي يمكن أن تختلف فيه الأحزاب وآراء الناس، البعض يقول نحارب العدو المحتل والبعض بقول نستسلم ونهادن ونتعاون، هل يمكن أن يقال هذا؟

أخوتي في دار الإفتاء أمر تصدير الغاز الطبيعي إلي إسرائيل من المسائل القومية وليس من أمور السياسة الحزبية وهو أمر لا يوجد فيه خلاف بين أفراد الشعب صاحب هذه الثروة، إنما الخلاف بين حكومة متواطئة مع العدو أو علي الأقل ضعيفة مقهورة وشعب مغلوب علي أمره يحاول أن يسترد حقه المسلوب، وإذا جاز أن يكون هناك خلاف حول مقاومة الغازي المحتل للبلد فيمكن أن يكون هناك خلاف حول إمداد هذا العدو بوسائل القوي التي تمكنه من مواصلة الاعتداء علينا وعلي إخواننا العرب في فلسطين ولبنان وغيرهما،

فالأمر إذن مصلحة قومية وليست سياسة حزبية كما ذهبت الفتوي، الأمر الآخر الذي ذكرته هذه الفقرة من البيان ولم أستطع فهمه هو استنكار طلب مثل هذه الفتوي عن التصرفات المركبة وفي الحقيقة لم أفهم المعني، الذي تعنيه الفتوي من التصرفات المركبة ومن أي شيء هي مركبة، ولماذا هي مركبة، الفتوي بسيطة للغاية نحن نمد إسرائيل عدو العرب الأول بالغاز الطبيعي وهي سلعة استراتيجية يستغلها العدو في مصانعه وحياته التي يقوي بها علينا ويشتد عودة ويرمينا يوميا بسهام الموت، فهل يمكن أن يكون هذا العمل مما يرضي الله ورسوله؟

وإذا كان إمداد العدو بمعلومات مفيدة في مهاجمتنا أو توقي الضربات التي نوجهها إليه هو خيانة عظمي، عقوبتها الإعدام، فهل يمكن أن يكون إمداده بأسباب القوة المادية عملاً مركباً يصعب إبداء رأي الدين فيه؟

وأخيرا بالنسبة لهذه الفقرة تقول دار الإفتاء بإنها وهي تصدر هذه الفتوي تقوم بوظيفتها ولا تتخلي عن مهمتها والحقيقة أن هذه العبارة تذكرني بالمثل القائل «يكاد المريب أن يقول خذوني» فدار الإفتاء تشعر في قرارة نفسها أنها تخلت مجبرة عن مهمتها فحاولت أن تنفي ذلك فأكدته وإني أدعو لهم ولنفسي أن ينزع الله من قلوبنا الوهن وهو كما يعلمون حب الدنيا وكراهية الموت.

تبدأ الفتوي حسب ما هو منشور بالقول إن البيع في ذاته مشروع بنص القرآن الكريم في قوله تعالي (وأحل الله البيع)، ولكن في صورة هذا سؤال ليس بيعا مجردا لكونه متعلقا بأمور أخري كمراعاة الظروف المحيطة التي تشتمل علي مدي الضرورة وكم المصالح أو المفاسد لهذا البيع، وقول الفتوي إن البيع في ذاته مشروع كلام مسلم به، ولكن الخلاف حول أنواع البيع والسلع المبيعة وعلاقة البائع بالمشتري وظروف البيع، فبيع الخمر مثلا بيع،

ولكن هل هو حلال شرعا أم حرام؟ هو حرام حتي وإن أحله المشرع الذي الذي لا يلتزم بقواعد الشريعة الإسلامية وبيع المخدرات بيع وهو حرام شرعا وقانونا، فكون التصرف بيعاً في حد ذاته لا يعني أنه حلال بقول الله سبحانه وتعالي (وأحل الله البيع)، وهناك بعض أنواع البيوع محرمة في الشريعة مثل بيع السلم وهو بيع ما ليس تحت يد البائع، وقد أجازه الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ في ظروف معينة،

وكذلك العلاقة بين البائع والمشتري فمن يبيع للعدو سلعة يقوي بها ولو حتي طعاماً يعاقب قانونا وشرعا أيضا، فإذن كون التصرف مما يعتبر بيعا لا يكفي في حد ذاته للحكم بحله، ولكن الظروف المحيطة بالبيع ونوع السلعة المبيعة وأمور أخري يكون لها أثر في الحكم علي التصرف بالحل أو الحرمة، وفي الحقيقة إن ما ذكرته الفتوي متعلقا بما يراه الكثير من الناس حسب قولها من أن مفاسد هذا البيع أعلي من مصالحه لارتباط الأمر بدولة تقوم بالقتل والتشريد والفتك بالأبرياء من ناحية وبمخزون الغاز المهم للوطن من ناحية أخري، هو الأمر المشرق في هذه الفتوي،

خصوصا أنها عند إشارتها إلي هذا الرأي نسبته إلي الكثير من الناس وعندما أشارت إلي الرأي الآخر لم تصف عدد أصحابه القائلين به وهو ما يعني أنهم قلة ولا يمكن أن يكونوا غير ذلك، لأنه لا يمكن أن يكونوا كثير في مقابل كثير من الناس أيضا، وهي تقول إن أصحاب الرأي المؤيد للتصدير يقولون إن مصالح هذا التصدير تفوق مفاسده، بموجب الاتفاقات الدولية وبمناسبة السعي إلي التهدئة التي تلائم الظروف القائمة حاليا، وتشعر وأنت تقرأ هذا الكلام أن دار الإفتاء غير مقتنعة به،

وأنها أوردته من بابا إيجاد الذريعة للالتفاف حول إصدار الفتوي الصريحة، كما أنها في سبيل إيجاد المخرج من الخوض الصريح في الفتوي قدرت، أنها لا تجد الوسيلة العلمية ولا الخبرة الفنية ولا المشاركة السياسية ولا الاقتصادية التي تمكنها من استجلاء الصورة أو من تحصيل التأكيد الذي يجب علي القائم بالفتوي أن يعتمد عليه في مثل هذه الحالات وحقيقة الأمر أن الفتوي لا تحتاج إلي مثل هذه الأمور التي ذكرتها وهي من الوضوح، بحيث يمكن ذكر رأي الشرع فيها في حالة الرغبة في ذلك ونحن عندما طلبنا من دار الإفتاء أن تقول رأيها

كان الهدف من ذلك أن يقودنا رجال الدين وهم موضع احترام الناس في شعب يعرف فيه للدين قدره وأثره في حياته حتي نتمكن من تجميع الناس وإيقاظ ضمائرهم لحيلولة دون نهب ثروات الوطن الطبيعية وإعطائها للعدو يقوي وينتفع بها وإذا أراد فضيلة المفتي أن يعرف رأي الدين الصحيح دون مستندات وخبرة فنية ولا مشاركة سياسية فعليه أن يسأل أبناءه وأهل بيته الكرام والمحيطين به والبقال الذي يتعامل معه والقصاب الذي يشتري منه اللحم وسائق سيارته وفراش مكتبه.

وحارس عقاره عن حكم بيع الغاز الطبيعي لإسرائيل وسيعلم الجواب فورا وأنا أقول لكل هؤلاء الناس استفت قلبك وإن أفتوك وأن أفتوك.

أما قول الفتوي إن الرأي الصحيح في هذا الشأن أن تعرض تلك المسائل علي الحوار الوطني بين الحكومة من جهة والمعارضين لهذا الاتفاق من جهة أخري من الاستعانة بأهل الاختصاص في مثل هذه الأمور من الخبراء الاقتصاديين والمحللين السياسيين وعلماء القانون، وكذلك الشرعيون فهو يدخل أيضا في باب الخروج من مأزق الفتوي، لأن كل ذلك معروف سلفاً والحكومة ضعيفة لا تقوي علي التحلل من إتقان وقعته في ظروف معينة تحت الضغط والإكراه ويريد الشعب أن يقويها علي الخلاص منه، ولكن الحكومة ترفض ذلك لأسباب لا تتعلق بمصلحة البلد أو التهدئة كما تقول الفتوي.

أما بشأن العاملين في هذه الشركات فكان أجدر بالفتوي أن تقول إن هذا العمل يخالف الشرع، إلا أن من يقوم به إذا كان مضطرا له فإنه لا يجبر علي تركه حتي يجد عملا مناسباً ولو أقل أجراً، عملا بحكم الضرورة، لأن دار الافتاء تعلم تمام العلم أنه لا يوجد حوار وطني في مصر ولو وجد لما كان هذه حالنا، بل يوجد قاهر ومقهور ومتسلط وضعيف لا يقوي حتي علي الشكوي وحسبنا الله ونعم الوكيل.

عجبت من قول الدكتور نظيف، رئيس الوزراء عندما سئل عن توريد الغاز الطبيعي لإسرائيل، بأن إسرائيل تظن أننا ضحكنا عليها عندما عقدنا معها اتفاق توريد الغاز، لأنه وقت عقد هذا الاتفاق لم يكن له في مصر ثمن، وهذا يذكرنا ببعض الكتاب المنافقين الذين كتبوا بعد توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل بأن الرئيس السادات ضحك علي الإسرائيليين في هذا الاتفاق، وأنه الوحيد في العالم الذي خدعهم وطبعاً يتضح الآن مدي النفاق الذي كان يتحلي به هؤلاء الكتاب في هذا الوقت وكم جرت هذه الاتفاقية علي مصر من الويلات.

من الذي ضحك علي من يا دكتور نظيف هل مصر التي ضحكت علي إسرائيل وأعطت لها الغاز بلا مقابل أم إسرائيل هي التي ضحكت علي مصر وأخذت منها الغاز الذي تقوي به علينا وعلي العرب جميعا، وهل إسرائيل كانت لتعقد هذا الاتفاق مع مصر، لو كان هذا الاتفاق مجحفا بها، إن هذا إن دل علي شيء فإنما يدل علي أن المسؤولين الإسرائيليين هم أبعد نظرا وأكثر خبرة ودراية من المسؤولين المصريين، حيث كان المصريون ينظـرون إلي الغاز علي أنه سلعة لا قيمة لها في حين عرف المسؤولون الإسرائيليون قيمة الغاز ومستقبله،

فحرصوا علي أخذه من مصر بأتفه الأسعار، ما تقوله يا دكتور نظيف في هذا الشأن يسئ إلي مصر ويتهم المسؤولين فيها بقصر النظر وعدم دراسة الاتفاقيات التي يقمون بعقدها وإن كان من المعروف في وقت توقيع اتفاقية السلام أن إسرائيل أصرت علي أن تأخذ بترول سيناء الذي كانت تعتمد عليه في فترة احتلالها سيناء وبعد أن نضب البترول أو كاد توجهت إلي الغاز الطبيعي الذي لم تكن مصر تعرف قيمته حسب تصريح سعادة رئيس الوزراء.

يا علماء مصر وشيوخها وحكماءها وشبابها وشبيبتها ثروات مصر تنهب من تحت أيديكم وتعطي للعدو الصهيوني ينعم بها وأنتم سادرون في غيكم لاهون عن مشاكلكم خائفون من التصدي لها، رغم أن الجوع أشد من عصي الأمن المركزي والبطالة أقسي علي النفس من سجون أمن الدولة والعيش في القبور وفي العشوائيات أشد قسوة من العيش في المعتقلات.

ليست هناك تعليقات: