الأربعاء، ٢ يوليو ٢٠٠٨

المستشار محمود الخضيري يكتب .. تحية لشعب دمياط ورئيس كوريا الجنوبية أيضاً

المصرى اليوم

يستحق شعب دمياط أن نقف جميعاً تحية له وإجلالاً علي موقفه القوي الصلب من موضوع إقامة مصنع السماد علي أرضه وما يسببه له من أضرار صحية واجتماعية كانت غائبة عن الحكومة، التي صرحت به أو إن شئت الدقة التي كانت مغيبة عنها، يستحق هذا الشعب أن نحييه ونحترمه علي موقفه الصلب الشجاع الذي أجمع فيه بجميع طوائفه علي موقف واحد لم يتغير منذ تفجرت الأزمة حتي تحقق لهم ما أرادوا بإزالة المصنع من أرضهم.

تحية لهم لعدم استجابتهم للضغط أو الإغراء أو محاولة شق الصف التي تقوم بها السلطة عندنا، عندما تقابل أي محاولة جادة لإثنائها عما تعتزم القيام به من أعمال مهما كانت ضارة بالشعب، لقد شاهدنا شعب دمياط وقت الأزمة وخلال مراحلها جميعاً وحتي الآن كتلة واحدة لا تنفذ منها ولا من خلالها عوامل الفرقة وهذا أحد أسباب النصر، كما شاهدناه مصراً مثابراً علي الدفاع عن صحته وصحة أبنائه مضحيا بكل شيء في سبيل ذلك، لا يوجد لديه أي استعداد للمساومة أو التنازل.

إن من يعرف شعب دمياط هذه المحافظة التي تبدو لمن ينظر إليها وإلي شعبها عن قرب أنها تختلف كثيراً في طبائع أهلها عن كثير من محافظات مصر، فيهم الجد والمثابرة علي العمل بلا كلل أو ملل وهم في ذلك يذكرونك بالشعب الياباني أو الألماني الذي يحب العمل ويكره الراحة التي قد تجبره عليها حكومته عملا بالمواثيق والاتفاقات العالمية الخاصة بحقوق العمال، تري العامل في دمياط لا يحب ولا يرحب بالزيارة أثناء العمل، والطالب يستغل إجازته الدراسية في عمل نافع يحصل عن طريقه علي مصروف يده أثناء السنة الدراسية، هو شعب دؤوب جاد محب للحياة مقتنع بأن أهم ما فيها هو الجدية في العمل والصدق والأمانة.

لن أطيل كثيرا في بيان صفات ومزايا شعب دمياط، لأن هذا قد يحتاج إلي مقالات متعددة، ولكني أقول ليت مصر كلها مثل شعب هذه المحافظة، إذن لتغير حال مصر كثيراً.

هب شعب دمياط عن بكرة أبيه يقول لا لمصنع سماد «أجريوم» الضار بالبيئة وأظهر عيوب هذا المصنع وأصر علي عدم إقامته علي أرضه واستجابت الجهات المسؤولة لذلك وقررت عدم إقامة المصنع علي أرض محافظة دمياط أما أين يقام أو لا يقام أصلا فهذا أمر آخر لا مجال للحديث عنه وكل ما نود أن نقوله في هذا الشأن أن شعب دمياط أصر وأراد وصمم ولم يتراجع أو يتفرق فكان له ما أراد.

وقد يسأل سائل لماذا لم تتدخل قوات الأمن المركزي ومباحث أمن الدولة من أجل إرهاب أهل دمياط وإرغمهم علي القبول بإقامة المصنع بحجة أن هذه إرادة الحكومة العالمة ببواطن الأمور الحريصة علي المصلحة العامة؟ الحقيقة أن قوات الأمن المركزي وجحافلها وثعالب أمن الدولة لم تتدخل، لأن الأمر كان أكبر من طاقتها فهي تتدخل لفض مظاهرة هزيلة أو تجمع ضعيف هش ما أن يشاهدها حتي ترتعد فرائصه وتصطك أسنانه خوفا وهلعا ويسارع بالفرار أو التفرق، أما شعب دمياط فقد وقف بملايينه كتلة واحدة متراصة كأنهم بنيان مرصوص فلم يكن أمام قوات الأمن المركزي ومباحث أمن الدولة سوي أن تقبع في أماكنها لا تبارحها، لعلمها أنها إذا بارحتها فستغرق في هذا الخضم الواسع وتضيع هيبة الحكومة، يضاف إلي ذلك أن رجال الأمن المركزي ومباحث أمن الدولة هم أولا وأخيرا من أبناء هذه المحافظة والمحافظات المجاورة الذين يتأذون من إقامة هذا المصنع ولهم مصلحة في عدم إقامته قد تعلو علي المصلحة الخاصة في فض هذا التجمع الصلب.

المسألة إذن أولا وأخيرا هي إرادة يقتنع بها الناس ويتجمعون حولها ويؤمنون بها ويضحون من أجلها ويقاومون كل محاولة للإغراء أو التفرق حتي يتحقق لهم ما يريدون وقد حدث ذلك وأثمر ثمرته المرجوة عندما اعتصم موظفو الضرائب العقارية وأصروا علي موقفهم من وجوب مساواتهم بزملائهم موظفي الضرائب العامة وكان لهم في النهاية ما أرادوا وكان موقفهم في ذلك يستحق التحية والتقدير ويوجب أن يكون قدوة لكل من يشعر أنه صاحب حق ويريد الدفاع عن حقه.

سألني البعض عما إذا كانت الحكومة يمكن أن تستجيب للحملة المطالبة بمنع تصدير الغاز إلي إسرائيل؟ فكان جوابي هو أن ذلك ممكن إذا شعرت الحكومة أن الحملة قوية وجادة وتعبر حقيقة عن رغبة الأغلبية في مصر علي منع تصدير هذه السلعة الاستراتيجية لإسرائيل، وهو ما نريد أن نعبر عنه بحملة المليون توقيع التي من خلالها نقول للحكومة إن هناك مليون مصري يقولون لك لا لتصدير الغاز إلي إسرائيل عدو العرب الأول، وقد يقول قائل وماذا عن باقي الشعب الذي لم يقل كلمته بعد؟، ورداً علي ذلك أقول إنه لا يوجد شعب في العالم يقف جميعه للمطالبة حتي يطرد المستعمر، ولكن هناك فئة من كل شعب هي التي تتقدم الصفوف ويأتي الشعب يقف خلفها يؤيدها ويناصرها ويدعو لها بالتوفيق، لأنه ليس في طاقة الشعب كله التحرك، لأن فيه الصغير والعاجز والمشغول والخائف وكل أولئك مع الفكرة، ولكن بقدر طاقته التي منحها الله له.

إخوتي إذا لم تستطع هذه الحملة تحقيق هدفها في منع تصدير الغاز الطبيعي إلي إسرائيل فإن ذلك يدل علي التقاعس والتخاذل عن الدفاع عن المصالح العليا للوطن التي وضعها أبناؤنا أمانة في رقابنا ولا ندري ماذا ستقول الأجيال القادمة عنا عندما يعلمون ذلك، إننا إذا لم ندافع عن مصالح أبنائنا عن أي شيء ندافع؟ إن الحكومة في كل الأمور التي تريد القيام بها ويعارضها الشعب تراهن علي الاستمرارية في المطالبة، وهي تنظر إلينا في فورة غضبنا وتقول ثورة وتخمد وحماس يذهب وينسي الناس الموضوع والنسيان أفضل علاج لمثل هذه المشاكل، فهل يا تري سنحقق لهم ما يريدون وتفتر همتنا عن المطالبة بالعدول عن هذا العمل المشين؟ أرجو من الله التوفيق والسداد لإرادة الشعب وأن يكون لنا في إخوتنا وأهلنا في دمياط قدوة حسنة في الجد والمثابرة والإصرار علي تحقيق المطالبة التي لن يستعصي علينا تحقيقها إن شاء الله إذا كان الإقدام والإصرار لنا ركابا.

أما أنت يا رئيس كوريا الجنوبية البعيدة عنا ولا نعرف عنك ولا عن شعبك الكثير فلك منا أيضاً تحية وتقدير لموقفك من شعبك واستجابتك له في مطالبته بمنع استيراد اللحوم من الولايات المتحدة الأمريكية ما دامت هذه إرادته، لأن الحاكم ـ أي حاكم ـ إنما يحكم نيابة عن شعبه الذي أتي به إلي كرسي الحكم بإرادته الحرة ويمكن أن يطيح به إذا لم يحقق الآمال والمطالب التي أتي الشعب من أجلها.

هكذا تعلمنا في فقه القانون الدستوري وهكذا نشاهد في جميع شعوب العالم المتحضر أو حتي كثير من بلاد العالم الثالث لا يشذ عن ذلك سوي بعض البلاد المتخلفة وكل البلاد العربية تقريباً سواء كانت ملكية أو جمهورية إذ أن هذه الأخيرة التي يفترض فيها تداول السلطة لم تأخذ من النظام الجمهوري سوي الاسم فقط أما الجوهر فهي ملكية وملكية مستبدة لأنها لا تعمل لشعبها أي حساب لأنه لا يملك القوة أو الإرادة علي تغييرها لأنه لم تكن له إرادة أصلاً في اختيارها، فهي إما أتت عن طريق انقلاب عسكري أو انتخابات مزورة كما هو الشأن عندنا.

أما في البلاد التي تعرف الديمقراطية الحقيقية وأهم معالمها تداول السلطة فإن الحكومة ترتعد خوفاً عندما تشاهد مظاهر الغضب الشعبي من تصرف من تصرفاتها وتسارع إلي إلغاء ما اتخذته من قرارات تسببت في غضب الشعب ونقمته، لأنها تعلم أنها إذا لم تفعل ذلك فإن مصيرها إلي مغادرة كرسي الحكم والإطاحة بها إن لم يكن في الحال فعلي أقل تقدير عندما يحين وقت الانتخابات التي تعرف موعدها ولا يملك أحد مهما كانت قوته أن يحول دون حدوثها أو حتي يسعي إلي تأجيلها.

الدستور الفرنسي لا يعرف تحديد مدة الرئاسة كما يقول فقهاء القانون ولكن هل رأينا رئيساً فرنسياً يجرؤ علي أن يفكر في مدة رئاسة ثالثة، إنه إن فعل قضي علي نفسه وماضيه ولوث حاضره، لأنه لا يوجد صوت منكر يرتفع ليطالب ببقائه في الحكم من أجل استمرار المسيرة.

وجهت التحية لشعب دمياط ولأبعث برسالة إلي شعب مصر كله من أجل الإلحاح في المطالبة بما هو أخطر من إقامة مصنع ملوث للبيئة بل هي مصالح مصر وثروتها نعطيها للعدو الصهيوني يقوي بها علينا وعلي إخوتنا في فلسطين وكل الوطن العربي، فهل لا يستحق ذلك منا الوقوف والتصدي والتضحية.

ووجهت التحية لرئيس كوريا الجنوبية لاستجابته لشعبه في مطالبه لكي أقول لرئيسنا وحكومتنا هل المشكلة التي نطالب بحلها بمنع تصدير الغاز لإسرائيل أقل شأنا من مشكلة استيراد اللحوم من أمريكا، وهل شعب مصر أقل أهمية في نظر حكومته من الشعب الكوري الجنوبي الذي استجابت الحكومة لمطلبه، الأمر يتوقف عليك ياشعب مصر وعلي مدي إصرارك علي مطالبك وقوتك وتماسكك في الدفاع عنها.

ليست هناك تعليقات: