الاثنين، ٣٠ يونيو ٢٠٠٨

قضية تصدير الغاز إلى "إسرائيل"

اخوان اون لاين

بقلم: عمرو كمال حمودة

من بعد هزيمة 1967م واستيلاء "إسرائيل" على آبار البترول المصرية في سيناء؛ بدأت الحكومة "الإسرائيلية"، بالاشتراك مع مراكز أبحاث في "إسرائيل"، القيام بسلسلة من الدراسات والبحوث لاستغلال الموارد البترولية الموجودة في سيناء، ووضع إستراتيجية طويلة المدى تستهدف التخطيط لهذه العملية.

ونظرًا لعدم وجود إنتاج بترولي يعتدُّ به في "إسرائيل"؛ حيث تستورد 98% من احتياجاتها البترولية؛ فإنها استنزفت منذ عام 1967م وحتى عام 1975م (عام توقيع اتفاقية فك الاشتباك الثاني) 400 مليون برميل من نفط الحقول المصرية (علما- سدر- وادي فيران) بقيمة إجمالية 2.100 مليار دولار بأسعار تلك الفترة.

ولم تشكل لجنة للتعويضات حتى الآن، وتعمَّدت الحكومة "الإسرائيلية" المماطلة والمراوغة؛ حتى لا تنعقد هذه اللجنة أبدًا وحتى تتوارى في زوايا النسيان جريمة السرقة البترولية التي اقترفتها أثناء الاحتلال.

ولقد اعتبرت "إسرائيل" البترول المسروق (غنيمة حرب)، في حين يؤكد القانون الدولي ومقررات الأمم المتحدة وضع القانون الدولي قيودًا على سلطة المحتل في استغلال أو الانتفاع بموارد الأرض المحتلة، وهو (المحتل) مقيدٌ كذلك بواجب الحفاظ على أصولها ومنع استنزافها أو تدميرها.

وقد تمسَّكت "إسرائيل" في مفاوضات كامب ديفيد بأن تحصل على حصة كبيرة من البترول المصري؛ حتى تؤمِّن احتياجاتها البترولية، خاصةً مع تزامن الوضع بسقوط نظام الشاه رضا بهلوي في إيران عام 1979م، والذي شكَّل خطورةً محقَّقةً على مخططات تنفيذ إستراتيجية الطاقة في "إسرائيل"؛ لأن نظام الشاه كان يقوم بإمداد نحو 50% من احتياجاتها البترولية.

وقد نجحت الضغوط الأمريكية و"الإسرائيلية" في أن تضطر الحكومة المصرية لإعطاء "إسرائيل" 2 مليون طن من النفط الخام كل عام، عن طريق الهيئة المصرية العامة للبترول، من خلال عقود سنوية مع الشركات "الإسرائيلية" (بازأويل- سونول- ديليك)، وبنفس الأسعار التي تقررها مصر، ولكن كان من خطورة الوضع إعطاء عميل واحد وكانت الاستفادة الكبرى "لإسرائيل" من شراء البترول المصري تتمثَّل في:

1- ضمان التوريد والإمداد المتواصل؛ مما يؤمِّن الحجم الأكبر من احتياجاتها النفطية.

2- قرب المسافة لوصول الإمدادات والوفر الكبير في تكلفة النقل من الموانئ المصرية إلى "إسرائيل"؛ حيث لا تتعدى رحلة الناقلة البترولية سوى 24 ساعة.

الغاز المصري "لإسرائيل"

طرحت "إسرائيل" مشروعًا على مصر عام 1989م لإنشاء خط أنابيب أطلق عليه Trans Gas لتصدير الغاز المصري "لإسرائيل"؛ وفقًا لدراسة قام بها البروفيسور حاييم بن شاهار الأستاذ بجامعة تل أبيب، وتقوم على تجميع الغازات من حقول شمال الدلتا، على أن يبدأ خط أنبوب الغاز من مدينة بور فؤاد شمال سيناء حتى مغتصبة كريم شالوم، ثم يأخذ خطًّا فرعيًّا إلى مدينة بئر السبع لتغذية محطة الكهرباء وتشغيل المصانع في مغتصبة روش بينا وناحال بيكا بصحراء النقب، وهما مغتصبتان يتم تمويلهما من الصندوق القومي اليهودي والوكالة اليهودية، وتضم يهودًا من الصومال وإثيوبيا واليمن، ثم يتجه خط الأنابيب إلى مدينة أشدود بطول قدره 70 كيلو مترًا لتموين محطة الكهرباء هناك، ثم يتجه إلى شمال غزة لتموين محطة كهرباء الزيتيم وتكلفة المشروع كانت في البداية 150 مليون دولار، ثم ارتفعت إلى 300 مليون دولار، ووصلت إلى 500 مليون دولار عام 2000م.

وتحصل "إسرائيل" بواسطة الخط المصري على 250 مليون قدم مكعب يوميًّا، وقد صمم الجانب "الإسرائيلي" على ألا يعبر الخط أي أراضٍ تحت إشراف السلطة الفلسطينية، ومع توقيع اتفاق أوسلو جاء إسحاق رابين رئيس الوزراء "الإسرائيلي" آنذاك ومعه شيمون بيريز وزير خارجيته إلى القاهرة من واشنطن، وتقابلا مع الرئيس مبارك وطلبا باستحقاقات توقيع اتفاق غزة أريحا، وتشمل هذه الاستحقاقات إقامة مصفاة تكرير مصرية- "إسرائيلية" في العريش لتكرير البترول، وإقامة خط أنابيب لإمداد "إسرائيل" بالغاز المصري.

ورغم الجدل الكبير الذي دار في الأوساط العلمية والسياسية في مصر حول جدوى بيع الغاز المصري "لإسرائيل" لأن حجم الاحتياطي المصري مختلف عليه، في حين أن الدول التي تقوم بتصدير الغاز، لديها احتياطيات ضخمة مثل (قطر 500 تريليون) إلا أن المشروع مضى قدمًا للأمام؛ بسبب الضغوط "الإسرائيلية" الأمريكية للتطبيع مع مصر، خاصةً في الجانب الاقتصادي من التطبيع.

وقد تعثَّرت المفاوضات عام 1995 ثم تأزَّمت مع مجيء حكومة الليكود وتعيين الجنرال أرييل شارون وزيرًا للبنية التحتية وتبعية ملف الطاقة له، ومنذ ذلك الحين قام شارون بتعيين الجنرال جيروا روم كبيرًا لمفاوضي الجانب "الإسرائيلي" مع وزارة البترول المصرية، وفي آخر جولة له خلال صيف 1996م، أعلن الجانب المصري توقف المفاوضات بسبب مشكلة التسعير، خاصةً أن الجانب "الإسرائيلي" كان مصمِّمًا على تحديد سعر خاص ينخفض كثيرًا عن السعر العالمي، وتم تعليق المفاوضات حتى عام 1997م، واستمرت لعشر سنوات تقريبًا وتعرضت للصعود والهبوط وفقًا للأحداث الخاصة بالنزاع مع الفلسطينيين.

وكانت بنود التفاوض الرئيسية تتضمن الآتي:
1- تحديد المسئولية والملكية القانونية لكل طرف.
2- التسعير.
3- الضمانات لتنفيذ المشروع واستمراره.
4- الشكل القانوني لإدارة المشروع.

وتم الاتفاق بين الطرفين على أن يمتلك كل طرف الجزء المار بأراضيه، فيقوم الجانب المصري بإمداد خط الأنابيب إلى رفح وامتلاك الخط الكامل، ويمتلك ويدير الجانب "الإسرائيلي" الجزء الموجود داخل فلسطين المحتلة.

أما ملكية الغاز فتكون لمصر وتبيعه لطرف وسيط، هو الذي يقوم ببيع الغاز بدوره إلى شركات "إسرائيلية".

وبالتالي تم تأسيس شركة غاز الشرق الأوسط من أطراف ثلاثة:
1- رجل أعمال مصري اسمه حسين سالم وحصته 60%.
2- شركة مير حاف المالية "الإسرائيلية" ويمثلها يوسي ميمن وحصتها 30%.
3- شركة الغازات المصرية وحصتها 10% (مملوكة لهيئة البترول المصرية).

وهذه الشركة حصلت على عقد امتياز واحتكار لشراء الغاز الطبيعي المصري الذي سيتم تصديره "لإسرائيل"، كما أن العقد مفتوح يسمح لها بالتصدير الحر لدول أخرى ومنها تركيا.

وفي شهر يونيو عام 2005 وبالذات بعد توقيع تفاهمات شرم الشيخ بحضور الرئيس الأمريكي جورج بوش تم إحراز تقدم لتوقيع اتفاق توريد الغاز "لإسرائيل"، ثم قام وفد برئاسة وزير البنية التحتية "الإسرائيلي" دافيد بن إليعازر بزيارة القاهرة في شهر يونيو وحضر حفل توقيع الاتفاق مع وزير البترول المصري سامح فهمي، وقد جاء الاتفاق على هيئة مذكرة تفاهم، تضمن بها الحكومة المصرية اتفاق التوريد والذي ستقوم به شركة E. M. G ولم يعرض الاتفاق على مجلس الشعب المصري لأنه جاء على هيئة مذكرة تفاهم بمعنى أن الاتفاق ليس بين دولتين ولكنه اتفاق تجاري.

لماذا تم اختيار شركة E. M. G؟
الوضع شديد الغموض ويحوط هذه الشركة، غير معروف تاريخها في صناعة الغاز أو تجارته، وليس لديها سابقة خبرة أو أعمال.

لم تحصل على عقد الغاز من خلال مزايدة عالمية كما ينص قانون المزايدات والمناقصات المصري وأيضًا قواعد بيع الموارد والمنتجات البترولية بهيئة البترول المصرية.

الوضع الاحتكاري لهذه الشركة، فهي المحتكرة لبيع كميات كبيرة من الغاز "لإسرائيل" وغيرها.

تكتمت الحكومة المصرية على عقد بيع الغاز لها، ولم ينشر أي شيء رسمي عنه وغلف التعتيم كل تفاصيل المشروع، هذا بالإضافة إلى التكذيب المستمر من جانب وزارة البترول المصرية عن تصدير الغاز "لإسرائيل"، بل وصل التكذيب إلى تصريح الوزير المصري سامح فهمي في مقابلة مع الأستاذ خالد محيي الدين رئيس حزب التجمع في عام 2000 بقوله أغلقنا ملف تصدير الغاز إلى "إسرائيل" وفتحنا أسواق بديلة (!!) (الأهالي في 28/6/2000م).

المفاجأة الكبرى في أن تحصل هذه الشركة على عقد طويل المدى لمدة 15- 20 سنة وبسعر ثابت، يبدأ من 1.25 دولار لكل وحدة حرارية بريطانية BTU، ويترفع إلى 2.65 دولار عندما يتعدى سعر برميل نفط برنت 35 دولار، رغم أي زيادة أخرى قد تطرأ عليه فمثلاً وصل سعر البرميل الآن 140 دولار ولكن لن يرتفع سعر الغاز لأكثر من 2.65 دولار.

وتشير أقوال كبار المسئولين في هيئة البترول المصرية إلى أن تكلفة استخراج الغاز تصل إلى 2.65 دولار للمليون وحدة بريطانية ومعنى ذلك أن الغاز المصري المباع لشركة EMG أقل من تكلفته عند حد 1.25 دولار ومعادل للتكلفة عند سعر 2.65 دولار، فأين المكسب من هذه الصفقة؟

وهناك معلومات أخرى من داخل هيئة البترول على التكلفة الحقيقية لاستخراج الغاز هي خمسة وسبعون سنتًا فقط، وعلى أية حال فإنه في كلتا الحالتين فإن السعر المباع به الغاز "لإسرائيل" يعتبر شديد التدني عند يوم توقيع الاتفاق في يونيو 2005 وحسب ما جاء في تقرير الاتجاهات الاقتصادية والإستراتيجية عن مؤسسة الأهرام عام 2008، فإن سعر الغاز وقتئذ كان 6.2 دولار للمليون وحدة بريطانية في سوق لندن بينما تبلغ الأسعار الآجلة للشحنات التي كانت ستسلم في يناير 2006 نحو 13 دولارًا، (المصدر: النشرة الشهرية لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط أوابك يوليو 2005 ص- 16).

والكمية المبيعة "لإسرائيل" هي 1.7 متر مكعب في العام بإجمالي 25.5 مليار متر مكعب من الغاز "لإسرائيل" على مدى 15 عامًا، ويمثل السعر المكافئ لبرميل النفط 16 دولارًا أي أن السعر للبرميل عندما يصل لـ30 دولارًا وحتى 200 دولار خلال السنوات الخمس القادمة، فإنه في مقابل ذلك تحصل "إسرائيل" عليه بـ16 دولارًا، فقط! أليس ذلك دعمًا للمواطن "الإسرائيلي" ولخطط تنمية الاقتصاد "الإسرائيلي"؟

وعلى صعيد آخر فإن هذه الاتفاقية تعتبر مجحفةً وبها غبن شديد يصل لحد التفريط الكامل في مورد سيادي للدولة، وللوطن وللمجتمع، عندما يكون السعر ساريًّا لمدة 15- 20 سنة وثابتًا، بينما الأسعار في دول أخرى تصل لأضعاف أضعاف هذا الرقم حتى وصل إلى 17 دولارًا للمليون وحدة بريطانية للغاز الروسي المباع حاليًا.

مكاسب "إسرائيل" من الاتفاقية
1- الحصول على الغاز بسعر رخيص للغاية وأقل من السوق العالمي وهو سعر ثابت لمدة 15-20 عامًا.
2- الحصول على مصدر نظيف وممتاز من الطاقة.
3- الحصول على الغاز من جار قريب بواسطة أنبوب مما يوفر النولون البحري والنقل بواسطة الناقلات البترولية واحتمالات التأخر أو التعثر في ورود الغاز.
4- إحلال الغاز مكان الفحم في منظومة الطاقة "الإسرائيلية" وتوفير مستودعات الفحم والاستفادة منها في التوسع العمراني.
5- تدعيم شركة الكهرباء "الإسرائيلية" بمصدر ثابت ومستمر من الطاقة يرفع من قدرة الشبكة الحالية 9 جيجاوات إلى 19 جيجاوات عام 2020، ومما سيؤدي إلى تحسين شبكة الكهرباء الحالية وتوسعها المستقبلي وتوفير عناصر أمان أفضل لها.
6- توسيع مساحة التطبيع الاقتصادي والسياسي مع مصر.
7- بناء ركن أساسي من مشروع السوق الشرق أوسطية.

العيوب الأساسية في بنود الاتفاق لتصدير الغاز "لإسرائيل"
1- ثبات السعر لمدة 15- 20 عامًا.
2- طول مدة الاتفاق وعدم وجود شرط لإعادة التفاوض.
3- تدني السعر المتفق عليه.
4- إعطاء الجانب "الإسرائيلي" حرية التصرف بالبيع لطرف أو أطراف أخرى حسب ما يتراءى له من سعر، أي إمكانية أن تبيع "إسرائيل" الغاز المصري لآخرين بسعر 17 دولارًا للمليون وحدة بريطانية وأكثر من ذلك حسب ظروف السوق خلال مدة الاتفاق.
5- يتحمل الجانب "الإسرائيلي" أي تكاليف لبناء شبكة البنية التحتية لتصدير الغاز إليه والتي تمت على الأراضي المصرية.
6- تضمن الاتفاق خطابًا من رئيس هيئة البترول المصرية إلى شركة كهرباء "إسرائيل" يؤكد فيه أن شركة غاز شرق المتوسط تعتبر بائعًا مصرحًا له بتصدير الغاز الطبيعي "لإسرائيل" عبر خط أنابيب العريش- سيهان التركي مرورًا بنقاط استقبال "إسرائيلية".
7- أن هيئة البترول المصرية تضمن لو أن الغاز الموجود تحت يدها قد لا يكفي لتلبية الاحتياجات "الإسرائيلية" من الاتفاق، فعلى هيئة البترول المصرية أن تشتري الغاز من الشركاء الأجانب (وهنا سيكون بالسعر العالمي) لتقوم بتوريده "لإسرائيل" بسعر الاتفاقية المتدني (!).

خطورة الاتفاقية بالنسبة لمستقبل الطاقة في مصر

هناك خلال كبير بين الخبراء المستقلين من جهة ووزارة البترول من جهة أخرى حول حقيقة الاحتياطي المصري من الغاز، من ناحية الكمية والعمر، وترى وزارة البترول (الوزير وفريقه المساعد) أنه 72.1 ترليون قدم مكعب وأن عمره سيستغرق 30 عامًا.

بينما ترى تقارير رسمية سربت من هيئة البترول ونشرت بجريدة (المصري اليوم) أن الاحتياطي المؤكد الحقيقي 27.5 تريليون قدم مكعب ولا يكفي سوى 12-15 عامًا فقط!
ويتشكك مجموعة من الخبراء المستقلين في صحة رقم الاحتياطي من قبل الوزير وفريقه المساعد على أساس أنه مبالغ فيه، كما أن أحد المصادر الموثوق بها وهي هيئة وود ماكينزي وهي إحدى الهيئات الدولية المعتمدة في التقييم للاحتياطات وأحجام الإنتاج من البترول والغاز وقد استعانت بها هيئة البترول المصرية لتقدير الاحتياطي المصري من الغاز، وقد ذكرت في تقريرها الصادر عام 2007 الآتي:

هناك نوعان من الاحتياطي:
الأول: احتياطي مؤكد وهو الذي تبنى عليه خطط التنمية الاقتصادية والصناعية وهو في حدود 25 إلى 30 ترليون قدم مكعب.

والثاني: احتياطي فني أي محتمل ويعني أنه في مناطق محتملة ولكن لم يتأكد بصورة نهائية ولذلك لا يصح استخدامه في خطط التنمية والبناء عليه ويبلغ رقمه 32 ترليون قدم مكعب.

وعلى هذا الأساس فإن الاحتياطي من الغاز المتوقع نفاده بعد 15 إلى 20 عامًا من الآن.
وحتى لو أخذنا بالرقم الذي يعلنه الوزير وفريقه المساعد (72 تريليون قدم مكعب، فإنه بمعدلات الإنتاج المرتفعة والمعمول بها حاليًا والتي تعتمد على التوسع الكبير في إنتاج الغاز وتصديره، فإن هذا الاحتياطي سينضب بعد 19 عامًا وليس 34 عامًا كما يقال رسميًّا.

وعلى هذا النحو يكون من الخطر الجسيم الارتباط باتفاقية تقيد الوضع المصري من البترول والغاز على هذا النحو كما هو مبين في الاتفاق مع "إسرائيل".

ويزيد الموقف خطورة ما ذكره الخبير في اقتصاديات البترول الدكتور حسين عبد الله، فدراسته المقدمة يوم 15/5/2008 إلى مؤتمر مستقبل الطاقة في مصر الذي دعا إليه ونظمه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء حيث يقول:

إنه بافتراض عدم وجود ظروف استثنائية ترفع أسعار البترول والغاز إلى مستويات لا يمكن توقعها، فإن المتوقع ألا يقل سعر البترول عن 120 دولارًا للبرميل بحلول عام 2020، ومعنى ذلك، إذا تحولت مصر إلى مستورد كامل لاحتياجاتها من البترول والغاز والتي تقدر بصورة متحفظة، كما ذكرنا بنحو 750 مليون برميل بحلول 2020، فإنه سيكون عليها أن تواجه فاتورة استيراد لا تقل قيمتها عن 90 مليار دولار سنويًّا، قابلة للزيادة مع نمو الاستهلاك المحلي من الطاقة.

فكيف يمكن تدير هذه المبالغ، أخذًا في الاعتبار ضآلة حصيلة الصادرات المصرية غير البترولية وازدياد الاعتماد على الاستيراد لتوفير احتياجات أساسية عديدة غير بترولية؟ ماذا سيحدث إذا عجزنا عن توفير احتياجاتنا من الطاقة والتي يطلق عليها بحق (شريان الحياة)؟.

وهذا دليل إضافي لخطورة الاستمرار في الالتزام المقيد بتصدير الغاز "لإسرائيل"، بل واعتباره خطأً استراتيجيًّا جسيمًا من البداية.

مسألة تصدير الغاز لإسرائيل تتحول إلى قضية رأي عام:
لقد تحول ملف الطاقة في مصر بأكمله إلى قضية رأي عام، يشارك فيها جميع المواطنين بكافة فئاتهم، حيث ارتفع إلى آفاق واسعة الاهتمام والوعي بمشكلات الطاقة في مصر.
وقد أصبح واضحًا أن إدارة ملف البترول والغاز من قبل وزارة البترول تعاني من سوء تقدير وقدر كبير من الفشل في التنبؤ المستقبلي ويعود ذلك لضعف الرقابة البرلمانية وأيضًا الشعبية ممثلةً في المجتمع المدني.

ولكن تنبه أعضاء كثيرون من النواب في مجلس الشعب سواء المستقلين أو الأحزاب أو الحزب الوطني لخطورة الاتفاقية الموقعة مع "إسرائيل" ولقد طالب هؤلاء جميعًا بالاطلاع على الاتفاقية، فرفضت الحكومة باعتبار الاتفاقية سريةً وهل هناك سرية على الأمناء على ثروة مصر الطبيعية نيابة عن الشعب، فشركة غاز شرق المتوسط التي تصدر الغاز "لإسرائيل" في النهاية شركة مصرية مسجلة في الهيئة المصرية للاستثمار، ويرأس الشركة موظف عام، فكيف تمتنع هيئة البترول عن وضع اتفاقية البيع "لإسرائيل" بين أيدي نواب الشعب؟، وما هي دواعي السرية؟.

وقد دافع وزير المجالس النيابية الدكتور مفيد شهاب عن سرية الاتفاقية على أساس أنها اتفاق تجاري لا دخل للحكومة المصرية به، وقد عقب رئيس مجلس الشعب على هذا الكلام بأنه لا يقال حتى في المقاهي! وبعد ذلك صرح الوزير ذاته بأن الاتفاقية مماثلة للزواج العرفي!

وفي سياق آخر طالب 30 نائبًا في مجلس الشعب في مذكرة لرئيس المجلس بمنع رجل الأعمال حسين سالم من السفر وتقديمه للمدعي العام الاشتراكي والتحقيق معه بعد أن تبين أنه باع حصته منذ ثلاثة شهور في شركة غاز شرق المتوسط إلى رجلي أعمال يهود أمريكيين يعملان في مجال الاستثمار العقاري وهما: سام زيل ودافيد فيشر، وكذلك لمجموعة أخرى من أصحاب الهوية التايلاندية وذلك مقابل 260 مليون دولار.

وعقب ذلك تشكلت حركتان الأولى هي الجماعة الوطنية للدفاع عن ثروة مصر وطالبت برفع قضية في مجلس الدولة ضد القرار 100 لعام 2004 لوزير البترول بالسماح بتصدير الغاز "لإسرائيل".

والثانية الحركة الشعبية ضد تصدير الغاز "لإسرائيل" وقد حاولت هذه الحركة عقد محاكمة شعبية لوزير البترول ولرجل الأعمال حسين سالم، وقد تعرضت لضغوط كبيرة لمنع إجراء المحاكمة حتى الآن حيث رفضت كل من نقابة المحامين ونقابة الصحفيين عقدها في مقرها بالقاهرة.

وحتى الآن تم رفض قضيتين في مجلس الدولة لإبطال ووقف تصدير الغاز "لإسرائيل" الأولى من مواطن مصري يعمل بالمركز القومي للبحوث رفضها مجلس الدولة، والثانية من السفير إبراهيم يسري، ولم يتحدد موقفها بعد وإن كان قد تلقى ما يقرب من 20 ألف توكيل حتى الآن له دعمًا للقضية.

وقد تقدم 30 نائبًا من أعضاء مجلس الشعب في 10 يونيو 2008 بمشروع قانون لإلغاء تعاقدات تصدير الغاز الطبيعي المصري "لإسرائيل"، ويتكون المشروع من 4 مواد أهمها المادة الأولى التي تحظر على السلطات الإدارية أو الهيئات أو المؤسسات العامة التصرف أو التعاقد على تصدير أي من المواد والمنتجات الطبيعية كالبترول والغاز والفحم والحديد إلا بعد موافقة مجلس الشعب.

وقد أعلن هؤلاء النواب هذا المشروع بعد أن رفض كل من الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس المجلس والمهندس أحمد عز رئيس لجنة الخطة والموازنة عقد جلسة خاصة حول أسعار تصدير الغاز "لإسرائيل".

ولا يزال موقف الحكومة المصرية هو الاستمرار في تنفيذ الاتفاقية، وأعلن كل من رئيس الوزراء ووزير البترول أن هناك مفاوضات مع الجانب "الإسرائيلي" لتعديل السعر في الاتفاقية، وعلى أساس إمكانية الوصول إلى سعر يتراوح ما بين 3.50، 4.50 دولار للمليون وحدة بريطانية وقد تسربت شائعات بأن "إسرائيل" رفضت إجراء تعديل للاتفاق الموقع ولكنها مستعدة لعقد اتفاق جديد بشروط وأسعار مختلفة.
----------

ليست هناك تعليقات: