السبت، ١٣ مايو ٢٠٠٦

إبراهيم العيسوي خبير البترول في حوار مع «المصرى اليوم» لم نصدر أي شحنات غاز بأقل من التكلفة.. والتصدير لإسرائيل لأسباب سياسية

المصرى اليوم

حوار لبني صلاح الدين

علي مدي ٤٠ عامًا كان خلالها مهندس تصدير الغاز المصري وأول من خطط لإنشاء أنابيب الغاز الطبيعي وصولاً إلي أسواق أوروبا.
إبراهيم العيسوي ـ وكيل أول وزارة البترول السابق ومستشار العديد من كبريات شركات البترول العالمية ـ فتح خزائن أسراره، مؤكدًا أن مصر لم تصدر أي شحنات غاز منذ بدء تصديره بأقل من سعر التكلفة علي الإطلاق.

أكد أننا لم نحقق هامش ربح مرتفع وقتها لكنه الآن الأرباح عالية من عمليات التصدير معترضا علي دعوات البعض لعدم تصدير الغاز لاحتجازه للأجيال المقبلة.
وأضاف أن تصدير الغاز لإسرائيل ليس الهدف منه اقتصاديا خاصة أنها لا تستهلك سوي كميات محددة من الغاز، لكن الغرض دعم عملية السلام بالمنطقة.


وأكد العيسوي في حواره مع «المصري اليوم» أن تعديل اتفاقات التصدير ضاعفت أسعار الغاز ٥ أضعاف، مشيرا إلي أننا نعيش حاليا عصر تصدير البترول والغاز «الذهبي» الذي لن يستمر طويلا مع التحول إلي الطاقة البديلة.


وصف من يطالب بوقف التصدير للحفاظ علي الاحتياطي بأنه تهريج،مؤكدا أن البترول لم يعد سلاحًا في أيدينا، وإن كان سلاحًا فإنه في غير صالحنا، مدللاً علي ذلك بموقف إيران في ظل أزمة الملف النووي.
وأكد أن منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» لم تعد المحرك الرئيسي لأسعار البترول في ظل تراجع دورها وتأثيرها علي الأسواق، مشيرًا إلي أن هناك عوامل أخري سياسية وغيرها تؤثر علي الأسعار.
وأكد أن استمرار سياسة الدعم الحالية مرهق تماما للحكومة ولا يمكنها الاستمرار فيها ولابد من خطوات تدريجية لرفع الدعم يقابلها زيادة رواتب الموظفين أكثر الفئات تضررًا من إلغائه.


وتساءل: هل من المقبول أن يباع لتر البنزين في أوروبا بمتوسط ١٠ جنيهات في الوقت الذي يصل في مصر إلي جنيه واحد فقط؟
وأكد أن قرار الإلغاء للدعم قرار دولة وليس مجرد وزارة، مشيرا إلي أن عضو مجلس الشعب يخطئ إذا ما ربط وجوده بالمجلس والدائرة الانتخابية بإصراره علي البقاء علي الدعم.


وأضاف مع تولي المهندس سامح فهمي الوزارة شكل لجنة عليا للغاز قمت خلالها بدراسات عديدة لمعرفة تكلفة سعر الغاز المصري، وحصر احتياطياتنا من الغاز بالكامل ومعرفة الأسواق المحتملة للتصدير، وتحديد أهميتها ودراسة اقتصاديات التسعير.


وتم وضع خطة طويلة بالوزارة اشترك بها عدد من قيادات القطاع، شملت تحديد تكلفة الغاز الطبيعي في ذلك الوقت عام ٢٠٠٠ حيث كان الاستهلاك المحلي للغاز يوجه لقطاع الكهرباء، وكان مدعمًا ولم يكن يحقق عائدًا أو دخلاً للوزارة وكان احتياطي الغاز حوالي ٥٠ تريليون قدمًا مكعبًا، استهلاكنا منه ٧.٥ تريليون قدم مكعب، منها ٦ تريلونات بمحطات الكهرباء والاحتياطي غير المستغل، ٤٢.٥ تريليون قدم مكعب وكان متوقع زيادته وهو ما حدث حاليا.


وشملت هذه الخطة اتفاقية «القرن»، كما أطلقنا عليها، وهي اتفاقية تسعير الغاز الطبيعي في اتفاقات البحث والاستكشاف لتعديل بند تعويض الشريك الأجنبي عما يعرفه في الاستكشاف.


< نظرية الثلث التي اتبعها القطاع من خلال تخصيص ثلث الاحتياطي للاستهلاك للمحلي والثلث الثاني للتصدير والثلث الآخر للأجيال القادمة وضعنا عند حسابها الاستهلاك المحلي، ألا يقتصر علي حجمه خلال فترة الدراسة فقط، إنما تم تحديد الاستهلاك المتوقع خلال ٢٠ عامًا، وربطه بمعدلات النمو الاقتصادي المتوقعة بالتالي حساب نمو الطلب المتوقع محليا.


وجملة ما يتم تصديره من الغاز المصري حاليا حوالي ٢٠ تريليون قدم مكعب من الغاز، بما يمثل أقل من ثلث الاحتياطي المصري الحالي البالغ ٦٧ تريليون قدمًا مكعبًا الذي يتوقع ارتفاعه خلال الفترة المقبلة، عقب إعلان عدد من الشركات الأجنبية احتمالات غازية قوية في عدد من المناطق.




وأكد العيسوي مازلت من أكبر المؤيدين للتصدير، لأننا دولة نامية وبحاجة لعملة صعبة واستثمارات ضخمة لإحداث التنمية الاقتصادية المطلوبة، ودلل علي صحة آرائه بنجاح قطاع البترول في سداد مديونياته للشركاء الأجانب، والتي كانت تقدر بحوالي ٥ مليارات دولار عام ٢٠٠٠ نظير مصاريف استكشاف وتنمية حقول وتوزيع الغاز.
منذ بدأنا تصدير الغاز وأنا أري أن كل ما ينشر حول تلك المشروعات به هجوم وإساءة كبيرة لقطاع البترول، وأقول لخبرائنا السابقين في القطاع والمعارضين للتصدير، لماذا قمتم بتصدير كل قطرة من البترول الخام خلال فترة توليكم مسؤولية القطاع؟.


ومع تولي المهندس سامح فهمي الوزارة بحثنا فكرة إنشاء خط غاز عربي بدلا من خط البحر المتوسط، وكان التفكير في ذلك الوقت التصدير للأردن وعمان، وإذا طلبت إسرائيل يمكن أن نمد خطًا لها من الضفة الغربية بعمان ثم نستكمله إلي سوريا ولبنان.


< قلل العيسوي من الجدل حول تصدير الغاز المصري لإسرائيل، مؤكدا أنه يخدم هدفًا سياسيا أكثر منه اقتصادي للعمل علي المضي في اتفاقات السلام مع إسرائيل.


عندما كنت أترأس وفدًا مصريا بمؤتمر الغاز الدولي في قطر عام ١٩٩٨ قلت إنه لا يهمنا أن نصدر الغاز لإسرائيل لأنه موضوع ثانوي، وكنت أتحدث بلسان الحكومة وقتها، والآن إذا صدرنا لإسرائيل فالغرض المضي في اتفاقات السلام وليس بهدف اقتصادي أو تحقيق أرباح والعالم العربي حاليا لديه تعاملات اقتصادية مع إسرائيل.
وأتذكر أنني قرأت مقالة لارييل شارون أواخر التسعينيات عندما كان وزير البنية التحتية لإسرائيل، أنه يرفض الحصول علي غاز من مصر بدعوي أن بلاده لن تعتمد علي خط أنابيب غاز، تستطيع أي دولة أن تدمره أو تغلقه.


ولكني أري اليوم أن تصدير الغاز لدول شرق البحر المتوسط بما فيها إسرائيل ولبنان وسوريا وتركيا الأفضل له الغاز المضغوط وليس المسال أو خطوط الأنابيب، وهي تقنية حديثة تسمح بضغط الغاز وتخزينه ثم نقله علي سفن وناقلات إلي الدولة المستوردة، وبالفعل هناك دراسة لإنشاء أول شركة لتصدير الغاز المضغوط من مصر إلي جزيرة كريت باليونان، وأيضا جار الإعداد لاتفاقية أخري مع شركة كندية تعمل لأول مرة في مصر، شركة (سي. إن جاز) مع الشركة القابضة للغاز الطبيعي (ايجاس) لإنشاء شركة مشتركة لتصدير الغاز المضغوط علي ناقلات.


وفي تعليقه حول أسباب توقيع عقود طويلة الأجل لتصدير الغاز ورفض البعض، أكد أن معظم الدول المصدرة في ذلك الوقت الذي وقعنا فيه اتفاقات التصدير، كانت تعتمد علي إبرام عقود طويلة الأجل، لتشجيع المستثمر علي ضخ استثماراته في تلك العقود.


كما أن الاتفاقات الموقعة مع الشركاء الأجانب فيما يخص مشروعات تصدير الغاز المسال تتضمن بندًا يسمح لأي شريك ونحن كدولة منهم ـ بأن يوجه أي حمولة إلي السوق التي يرتفع فيها الطلب أو السعر، في بعض الشحنات، وهو أمر مهم جدا، لأنه في بعض الأوقات يمكن أن يكون التصدير إلي سوق أفضل.


تم إنشاء شركة قابضة للبتروكيماويات لأول مرة في مصر، واستطاعت إقامة ٣ مشروعات بتروكيماوية في إطار خطة تشمل ٨ مشروعات بتروكيماوية، لكننا يجب أن نعترف بأننا تأخرنا لعقود طويلة عن الدخول في مثل هذه الصناعات، وعلينا أن ندفع ثمن تأخرنا، فقد سبقتنا دول كثيرة في المنطقة إلي الدخول في المشروعات البتروكيماوية علي رأسها إسرائيل والسعودية والكويت، وعلينا أن ندرس جيدًا السوق الحالي حتي لا تنشئ مشروعات ولانتجد أسواق تستوعب منتجاتنا.


والتوسع في تلك المشروعات يتم بناء علي دراسات دقيقة لاحتياجات الأسواق المحلية والخارجية.
وكرر تأكيده علي صحة قرار تصدير الغاز المصري الفترة الحالية، لأننا نعيش حاليا في عصر البترول والغاز «الذهب» الذي ربما لن يستمر لفترة طويلة، فالقفزات القياسية التي بلغتها الأسعار دفعت العديد من الدول علي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لتكثيف دراساتها حول الطاقات البديلة،

لاسيما أن البترول والغاز سينضب في يوم من الأيام، وظهرت بالفعل تجارب ناجحة عديدة فيما يتعلق بالهيدروجين، وإيثان الكوم المستخرج من القصب، والميثانول، فضلا عن الطاقة الشمسية.
فكيف نخزن البترول حاليا، وفي أزهي عصوره ونتركه لسنوات مقبلة ربما تنخفض قيمته إلي التراب، لاسيما أن العالم حاليا قارب علي استهلاك كامل طاقته الإنتاجية من البترول، وجزء كبير من إنتاجه من الغاز.


في الوقت الحالي هناك تدافع عالمي لشراء البترول والغاز، ومن يطالب بوقف التصدير بحجة الحفاظ عليه ٣٠ أو ٥٠ سنة مقبلة «تهريج».
بعيدا عن القضايا المحلية في قطاع البترول علق العيسوي علي ارتفاع الأسعار بأن البترول حاليا ربما يكون مؤثرا، ولكنه لم يعد سلاحًا في أيدينا، وإن كان البترول سلاحاً فهو ليس في صالحنا، والدليل علي ذلك أنه عقب القفزات القياسية لأسعاره نتيجة الأزمة الإيرانية حول الملف النووي لم تكن إيران المستفيدالأكبر من هذه القفزات، وإذا أعلنت إيران وقف إنتاجها، ربما تحدث بلبلة في الأسواق لكن العالم سيجد البديل، فالطاقة اليوم لم تعد تقتصر علي دول بعينها.


منظمة الأوبك لم تعد المحرك الرئيسي لأسعار البترول، ودورنا بها كمراقب يكفينا في تلك المرحلة، لاسيما أن أهمية تلك المنظمة تتناقص تدريجيا في الوقت الحالي بسبب عجزها عن السيطرة علي الأسعار،

ودخول عوامل أخري في الأسواق أكثر تأثيرا علي سوق البترول.
< سياسة الدعم مرهقة علي الحكومة ولن تستطيع الاستمرار فيها، فكيف يعقل أن يكون سعر لتر البنزين في الدول الأوروبية حوالي ١٠ جنيهات في حين أن سعره في مصر جنيه لا يستقيم الاستمرار في هذا الوضع، فالمستهلك المصري يدفع في لتر المياه أكثر من لتر الوقود، منذ فترة ليست بالقصيرة كان الحديث عن الدعم محرم بسبب التخوف من رد فعل الشارع لكنه لابد من اتخاذ خطوات تدريجية لرفع الدعم علي أن يصاحبه ذلك زيادة في رواتب الموظفين لأن الاستمرار في الدعم أشبه بوضع النعامة رأسها في الرمال.


< وأيد إلغاء الدعم، مؤكدًا أنها سياسة لها العديد من المساوئ، لكن إلغاءه قرار دولة وليس وزارة، وهو أمر يتوقف علي مدي إدراك البرلمان لمصلحة الشعب، ويخطئ من يعتقد من ممثلي الشعب أن الدعم الهدف الرئيسي من وجوده بالمجلس.


< ارتضينا أن ندفع فواتير تليفونات أرضية ومحمولة من أغلي الشرائح في العالم، وأتحدي من يقول إن أسعار التليفون الأرضي مدعومة، والأسرة حاليا تدفع باختيارها ثلث دخلها لفواتير التليفونات المحمولة، وهي أموال توجه لقلة قليلة من رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال وهي كلها تكلفة لايغطيها إنتاج، هل يحقق ذلك مبدأ العدالة الاجتماعية، وهو المبدأ الذي يجعلنا نتمسك بسياسة الدعم.


كيف يكون استنزاف المدخرات والقدرات المالية والاقتصادية للأسرالمصرية، لتتحول إلي أرباح لمجموعة قليلة جدا من أصحاب رؤوس الأموال دون أن يصاحبها إنتاج أفضل من أن أرشد الدعم المفروض علي المنتجات البترولية مع رفع الرواتب لتوجيه هذه الأموال لخدمة عمليات التنمية الاقتصادية، فهناك تناقضات كبيرة داخل السوق المصرية تجب مراجعتها.